هدد رئيس الحكومة التونسية المؤقتة حمادي الجبالي بالاستقالة من منصبه رئيسا للحكومة، في حال لم تحظ حكومته على الثقة التي ينوي تشكيلها من «التكنوقراط»، مشيرا إلى أنها ستكون حكومة كفاءات غير حزبية، بينما رفضت حركة النهضة ذلك الأمر. وتضاربت الأنباء، مساء أول أمس، بشأن استقالة الجبالي من الأمانة العامة لحزب حركة “النهضة"، الذي يقود الائتلاف الحاكم والذي يواجه منذ أشهر معارضة شديدة من التيارات الليبرالية واليسارية التي تتهم الحكومة، في الظاهر، بأنها فشلت في إنعاش الوضع الاقتصادي وتحقيق الأمن. لكن عضو بمجلس الشورى ومدير مكتب رئيس الحركة راشد الغنوشي زبير الشهودي نفى نفيا قاطعا على الصفحة الرسمية لحركة النهضة على «الفايسبوك» خبر استقالة حمادي الجبالي من الأمانة العامة لحركة النهضة. وجاء في بلاغ ثان على الصفحة أنه «لا صحة البتة لخبر استقالة السيد حمادي الجبالي من منصب الأمانة العامة لحركة النهضة». كما شدد على أن وزير الداخلية علي العريض القيادي في الحركة لن يتغير. وقال الجبالي في تصريحات نقلتها وكالة أنباء تونس الرسمية، أول أمس: إذا حازت التشكيلة الحكومية الجديدة «القبول وخاصة من الأحزاب الممثلة في التأسيسي، دون الرجوع إلى المجلس، فإني سأواصل تولي منصبي رئيسا للحكومة». فيما لوح بالاستقالة إن فشلت جهوده في تشكيل حكومة تكنوقراط تضم «كفاءات وطنية» غير حزبية. وقال «وفي حال عدم القبول أو عدم حيازة الثقة فإنني سأتوجه إلى رئيس الجمهورية لأطلب منه البحث عن مرشح آخر لتشكيل حكومة جديدة تفوز بثقة المجلس الوطني التأسيسي». وأوضح أنه وجه رسائل إلى كل الأطراف طالبا منهم النصح، وتقديم مقترحات بخصوص هذه التركيبة، ويجب أن تخضع لأربعة مقاييس، هي «ألا يكون المرشح شارك في الجريمة ضد الشعب التونسي أو أن يكون منتميا سياسيا انتماء واضحا وألا يترشح للانتخابات القادمة وبطبيعة الحال أن يكون كفاءة في مجاله»، مشددا على أنه «لن يقبل بشروط من أي حزب كان». ولفت إلى أن هذه المقترحات «يجب ألا يتجاوز أجل تقديمها، الاثنين القادم (اليوم)»، معلنا أنه سيقدم التشكيلة الجديدة «في أواسط الأسبوع القادم (الجاري) على أقصى تقدير». وجدد الجبالي، مساء أول أمس، تأكيده تشكيل حكومة “التكنوقراط" قريباً رغم معارضة “النهضة". وقال، في مقابلة أول أمس، مع قناة فرانس 24، إن هذا الخيار “هو أفضل الحلول بالنسبة إلى الوضع في تونس، فهو يخدم مصلحتها ويجنبها مزيداً من التوتر". وأضاف أن “الحكومة الجديدة ستكون محايدة عن الأحزاب وستعمل جهدها من أجل تحقيق أهداف الثورة والوصول إلى الاستحقاق الانتخابي بسرعة". وقال إنه سيتم تغيير الوزراء الإسلاميين الذين يتولون حالياً الوزارات السيادية، وأوضح “لن يظل في الحكومة لا وزير العدل ولا الداخلية ولا الخارجية" التي يتولاها حالياً قياديون في حزب النهضة هم نور الدين البحيري وعلي العريض ورفيق عبد السلام. وشدد الجبالي، في السياق ذاته، أن “مقترحي غير قابل للتعديل". وأضاف أنه في حالة عدم تجاوب الأحزاب السياسية معه “سأستقيل ويتم تعيين رئيس حكومة جديد من قبل الرئيس" المنصف المرزوقي. كما تعهد بعدم الترشح للانتخابات القادمة. رفض لقرار الجبالي في المقابل، رفضت حركة «النهضة» قرار أمينها العام حمادي الجبالي. ووصف قيادي رفيع في الحركة القرار بأنه «انقلاب أبيض». وأوضح القيادي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لصحيفة «الشرق الأوسط» أن هناك شقا كبيرا من النهضة يرى في قرار رئيس الوزراء «انقلابا أبيض» على شرعية الحكومة وعلى حزبه و»حلا مأساويا لأزمة عميقة». ورأى أن الحل الذي تقدم به الجبالي هو عبارة عن حكومة (السبسي2)، و»بالتالي هذا أمر لا يطمئن، ولا ضمانات في أن حكومته المقترحة ستحافظ على الثورة ولن تنقلب عليها وتعمل على إعادة رموز النظام السابق». من جهتها، رفضت الرئاسة التونسية إعلان الجبالي تشكيل حكومة «تكنوقراط»، وأكَّد عدنان منصر، الناطق الرسمي باسم الرئاسة التونسية «أنَّ موقف الرئاسة من قرار رئيس الوزراء حمادي الجبالي تعتبره تصريحًا في موقف إعلامي وننتظر التفاصيل». وقال عدنان في تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط»: «وحسب التنظيم المؤقت الذي تقوم على أساسه الحكومة لا يمكنه القيام بتحوير كبير، ويمكنه فقط أن يستقيل ويقدم استقالة حكومته، أو إجراء تحوير صغير على مستوى بعض الوزارات، أما كامل الحكومة فهذا غير ممكن». وأضاف: إنَّه كان لرئيس الجمهورية المنصف المرزوقي ورئيس الحكومة لقاء (...)، وقال فيه الجبالي إنَّ الأمر يتعلق بتحوير وزاري». وتابع: «ندعو لحكومة توافق وطني، لأنَّ هذا الوضع لا يتحمل حكومة (تكنوقراط) مغزاها عدم القدرة على الاختيار السياسي، ويجب إحداث تغيير كامل، مما يتطلب تدخل السلطات السياسية». حراك شعبي داعم وبينما استعادت العاصمة التونسية والمدن الداخلية صباح أول أمس الهدوء بعد يوم من الإضراب العام احتجاجاً على اغتيال المعارض شكري بلعيد، خرج آلاف من أنصار “النهضة" في تظاهرة للدفاع عن “الشرعية" وما وصفه بعضهم بالانقلاب الذي يقوم به رئيس الحكومة أحد مؤسسي الحركة الإسلامية. وخرج آلاف الإسلاميين من أنصار حركة النهضة، أول أمس، للتظاهر في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة، وذلك بدعوة من الحركة دفاعا عن «شرعية الحكم» ولإدانة «التدخل الفرنسي» في الشؤون التونسية. ورفع المتظاهرون أعلام تونس وحركة النهضة ورددوا شعارات من قبيل: «الشعب يريد حماية الشرعية» و»فرنسا ارحلي» و»وحدة وطنية ضد الهجمة الخارجية». كما رددوا شعارات معادية لحزب «نداء تونس» العلماني المعارض ولرئيسه الباجي قايد السبسي. وجاءت هذه التظاهرة بعد أن دعت حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس إلى النزول للشارع؛ لمجابهة الحراك السياسي والشعبي الذي يقوده ليبراليون، عقب اغتيال المعارض اليساري الشهير شكري بلعيد. كما تأتي التظاهرة رفضًا ل«التدخل الفرنسي» في الشؤون التونسية بعد تصريحات وزير الداخلية الفرنسي «مانويل فالس». وكانت الحكومة التونسية قد استدعت الجمعة الماضية سفير فرنسا في تونس للاحتجاج على تصريحات «فالس» التي طالب فيها حكومة بلاده بدعم «الديمقراطيين» في تونس. وقال رضا الكزدغلي المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي: إن الجبالي أبلغ السفير الفرنسي فرنسوا جويت «قلقه إزاء تصريحات وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس والتي طالب فيها حكومة بلاده بدعم «الديمقراطيين» في تونس». وأضاف «الكزدغلي» أن الجبالي التقى سفير فرنسا بقصر الضيافة بضاحية قرطاج، وأبلغه أن «تصريحات الوزير الفرنسي لا تتناغم مع موقف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس»، معتبرا أنها «ربما تُفهم على أنها دعما لطرف على حساب آخر». وشدد رئيس الحكومة التونسية على أن»العلاقات التونسية الفرنسية أعمق من أن تؤثر عليها هذه التصريحات»، بحسب «الكزدغلي»، معربا عن أمله في أن تكون مواقف فرنسا السياسية «أكثر حيادية»، بحسب «وكالة أنباء الأناضول». ومن جانبه، عبر السفير الفرنسي عن تفهمه لمواقف الجبالي، بحسب المستشار الإعلام للجبالي. وجاءت تصريحات الوزير الفرنسي بعد يوم من اغتيال القيادي في كتلة «الجبهة الشعبية» المعارضة للحكومة التونسية شكري بلعيد، بعدما أصيب بأربع طلقات على يد مجهولين أمام منزله بإحدى ضواحي العاصمة تونس نُقل على إثرها إلى المستشفى في حالة حرجة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ويدفن بمقبرة «الجلاز» في وقت سابق الجمعة. وخطب لطفي زيتون القيادي في حركة “النهضة" في المتظاهرين عبر مضخم صوت قائلاً “هذه التظاهرة تم تنظيمها في أقل من 24 ساعة، وهي تجمع صغير لبعض أبناء العاصمة (..) هذه رسالة صغيرة للدفاع عن الشرعية (..) هذه الحركة حركة قوية بشعبها". وتابع، حسب فرانس برس، “يريدون أن يوهموننا أن الخارج أصبح ضد الثورة هذه ألاعيب (..) والخارج مازال مع الثورة ومع عملية الانتقال الديمقراطي ومع الشرعية ومع المجلس التأسيسي". وأضاف “نحن مع شرعية صناديق الاقتراع، ولكن إذا أصرت بعض الأطراف أن يكون الحسم في الشارع نحن لا نخشى الشارع".