يتعين على الخزينة العامة للمملكة البحث عن البديل في تمويلاتها واقتراضها الخارجي وذلك عن طريق التوجه نحو تكثيف التعاون المالي والنقدي مع الدول والبنوك الإسلامية، فإذا كان صندوق النقد الدولي قد أعلن مؤخرا أنه وافق ودعم تأسيس « مجلس الخدمات المالية الإسلامية « كهيأة مستقلة تحت إشراف عدد من البنوك المركزية في عدد من الدول العربية والإسلامية، ووافق على إنشاء هذا المجلس الذي حددت له مهام منها تلك التي تختص بالنشر والتعريف بمبادئ صناعة الخدمات المالية الإسلامية وفق الشريعة الإسلامية. وصدر هذا البيان خلال اجتماع عقد في مقر «صندوق النقد الدولي» في 20 أبريل 2002 بحضور محافظي البنوك المركزية لعدد من الدول الإسلامية ومدير «مكتب البنك الإسلامي للتنمية» التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي...وأن قيام هذا المجلس جاء بعد اتفاقية وقعتها ست دول: السعودية، البحرين، ماليزيا، اندونيسيا، بروناي، السودان لإنشاء أول سوق مالية إسلامية. ويجب التأكيد على الطبيعة الخاصة لوظيفة البنوك الإسلامية بأنها تختلف عن وظيفة البنوك الربوية. ومن شأن تعزيز وتقوية السوق المالية الإسلامية أن تعطي نتائج حسنة من الناحية المالية والاقتصادية والتنمية في الدول الإسلامية ومنها المغرب. ومن جهة أخرى واعتبارا للروابط الإسلامية التي تجمع المغرب والدول الإسلامية والعربية وما يزخر به العالم الإسلامي من خيرات وثروات خصوصا ما تذره عائدات النفط من أموال كبيرة والتي يتعين استثمارها وتوظيفها في الدول الإسلامية الأصلية وإعانة الدول الإسلامية غير النفطية بهذه الأموال. وهنا يتعين على المسؤولين الماليين والاقتصاديين بالمغرب فتح باب الاستثمار أمام البنوك والأموال المالية الإسلامية. وبالتأكيد فإن ذلك سيكون له وقع وفائدة كبيرة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب والدول الإسلامية وبالتالي تعزيز الصف الإسلامي وإعادة الاعتبار للنظام المالي الإسلامي. وفي هذا الإطار يتعين على الخزينة المغربية الانفتاح أكثر على السوق المالية الإسلامية كحل بديل ممكن للاقتراض الخارجي وأن تستثمر أحسن الأموال التي سيتم الحصول عليها من هذه السوق في مشاريع مشروعة ومفيدة، وذلك حتى تتفادى الفوائد الربوية والمعاملات المصرفية التقليدية والمالية القائمة على الفائدة والتي هدفها الأول والأخير هو الربح ولا تولي أهمية للجوانب الاجتماعية والاقتصادية. كذلك انطلاقا من هذا التوجه أو البديل للتمويل على المستوى الخارجي لم يبق سوى أن تكون هناك إرادة لدى (أصحاب القرار المالي والاقتصادي) بالمغرب للأخذ بهذا البديل، أي انفتاح الخزينة المغربية على «السوق المالية الإسلامية « والمصارف الإسلامية. وتعزيزا لهذا الطرح فإن هناك نماذج مهمة من البنوك والمصارف الإسلامية في الدول الإسلامية، وخصوصا المصارف ذات الطابع الدولي والتي تقوم بتقديم المساعدات والقروض إلى العديد من المشروعات الاقتصادية في الدول الإسلامية، وبالتالي يمكن أو يتعين على الخزينة أن تتعامل مع هذه المصارف الإسلامية وتربط معها علاقات مالية بهدف الحصول على تمويلات وقروض منها لسد العجز المالي ومواجهة متطلبات التنمية الشاملة والمستديمةكما أن زيادة دور هذه المؤسسات في هذا الشأن بطريقة تؤدي إلى المساهمة في التخفيف من التبعية الاقتصادية والمالية للدول والجهات الدائنة غير الإسلامية ومن تم تعزيز الوحدة الإسلامية. لكن تبقى التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية تتمثل في ما يسمى بظاهرة العولمة ومشتقاتها وإفرازاتها وتبعاتها. ومن تم فإن أخذ المصارف الإسلامية بالتقنيات المصرفية يستلزم منها تكييف هذه التقنيات مع تطبيقات الصيرفة الإسلامية ووضع البرامج الخاصة بها لضمان موافقتها للضوابط الشرعية المرعية لهذه المصارف.ولمواجهة هذه التحديات يتطلب من المصارف الإسلامية مزيدا من الاستعداد والتأهب والحذر ويمكن أن يكون ذلك من خلال: -مواكبة كل جديد في مجال تقنيات الصناعة المصرفية وتطويعها لتطبيقات الصيرفة الإسلامية وبما لا يتعارض مع الالتزامات الشرعية لهذه المصارف. -إن زيادة قدرة المصارف الإسلامية في أسواقها التقليدية على منافسة المصارف العالمية ذات الحجم الكبير ولا سيما فروعها الإسلامية المنتظرة يتطلب من المصارف الإسلامية العمل بشكل جماعي سواء من خلال الاندماج مع بعضها لتكوين وحدات مصرفية أكبر، أو من خلال إيجاد سبل أوثق للتعاون والتنسيق بينها لمواجهة مثل هذا التحدي. -وبالمقابل فإن فتح الحدود أمام العمل المصرفي في تطبيقات ما يسمى بالعولمة يتيح للمصارف الإسلامية ممارسة أعمالها في أسواق جديدة ونشر تطبيقاتها في تلك الأسواق... -إن كل أو بعض ما ذكر لا يتم إلا إذا تم تجنيد الجهود من قبل السادة الفقهاء ومجالس إدارات المصارف وإداراتها التنفيذية وكل من يستطيع التأثير على الجهات الحكومية والرقابية من أجل إيجاد البيئة والمناخ الطبيعي لخصوصية عمل المصارف الإسلامية.إذا كانت تجربة اعتماد الخزينة على الاقتراض الخارجي لتمويل عجزها المالي انطلاقا من منتصف السبعينات من القرن العشرين على الخصوص وما تمخض عنها من خلق إشكالية المديونية الخارجية وما خلقته من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وسياسية ومحدودية التدابير المتخذة لحل هذه الإشكالية، فإنه تم التطرق إلى اقتراحات بديلة لتمويل عجز الخزينة على المستوى الخارجي وذلك من وجهة المنظور الإسلامي من خلال إمكانية التوجه نحو تكثيف التعاون المالي والنقدي مع الدول والبنوك الإسلامية ذات الطابع الدولي. أما على مستوى التمويل الداخلي، فإن تجربة الخزينة في تعبئة الموارد المحلية لم تتمكن من استغلال كل الطاقات والإمكانيات الادخارية المتاحة على المستوى الداخلي، لذلك جاء اقتراح خلق بنوك إسلامية محلية لاربوية ووضع إطار قانوني منظم لها كبديل عن البنوك التقليدية القائمة على الفائدة لتمويل العجز المالي للخزينة مع إمكانية فتح نوافذ للمعاملات المصرفية للبنوك الإسلامية. ذلك أن البنوك الإسلامية لها قدرة وكفاءة في تعبئة وجلب المدخرات غير المنتجة، مما سيمكن من نمو وزيادة حجم الموارد المدخرة الموضوعة رهن إشارة الأبناك الإسلامية على المستوى المحلي وهو ما سيمكن بدوره الخزينة من الحصول على تمويلات منها، وذلك أخذا بنماذج دول إسلامية وغير إسلامية في هذا المجال. وتأسيسا على ما سبق فإن الأخذ بهذا التوجه أو البديل يتوقف على توفر الإرادة لدى المشرع المغربي والمسؤولين وأصحاب القرار المالي والاقتصادي.