كان يتسلق سنواته الأربع مرحبا بالغد، قبل أن يكتب في ليل نهاية ميعاده. لن يستيقظ "آدم" في السابعة صباحا، لن يختار كتب اليوم ويرتاد الروض كالمعتاد، وبالطبع لن يلهو مع رفاقه..، ففي الثالثة من صباح الأربعاء الماضي، مات الطفل "آدم عقيد" نتيجة إصابته بالتهاب السحايا، والوفاة كانت أقصى عواقب مرض "المينانجيت" الذي يعتبره الأطباء حالة استعجالية تتطلب تشخيصا مبكرا واستشفاء بالمستشفى وعلاجا فوريا. تحكي والدته بكآبةً جاثمة على صدرها تفاصيل الواقعة: "عندما جاءني "آدم" بعد انقضاء الفترة الصباحية من الدراسة بالروض، قال إن رأسه يؤلمه وكانت حرارته مرتفعة جدا، أخده خاله إلى المستشفى المحلي بعمالة مقاطعات مولاي رشيد وهناك تم إعطاءه حقنة فانخفضت حرارته، لكن من دون أن تعيده إلى حيويته المعهودة، ظل طريح الفراش وما إن بلغت الساعة 2 ليلا حتى بدأت حالته تزداد سوءا بشكل مخيف، لم يبد أية استجابة عندما كنا نناديه باسمه، وفجأة عانق خاله قبل أن يدخل في غيبوبة لا حدود لها، حينها حملناه على وجه السرعة إلى المستشفى المركزي ابن رشد". وتزيد رواية الأم المكلومة، أنها في اللحظة الصفر، كانت مع طفلها بسيارة الإسعاف بمستشفى ابن رشد، وكان هناك شقيقها الأكبر، كانت تحتضنه جسدا باردا كصقيع تلك الليلة الباردة، وتمني النفس أن ينتعش كي لا يخطفه الموت"..، سمحت لنفسها بالتفكير كثيرا في المشهد؛ لكنها تروي قصة تمتد إلى خمس دقائق، لسرد حدث استمر ثوان معدودة. ثوان وضعت نهاية ل 4 سنوات من حياة "آدم". راقبت موته، وشاهدت بأم عينها طفلها يسلم الروح إلى بارئها إلى أن سكنت حركاته، بينما كان ينقصه بضع ثوان فقط ربما للنجاة، هكذا اعتقدت حين طالت مساعي العثور على طبيب لمرافقة سيارة الإسعاف إلى مصحة خاصة تم توجيههم إليها لأن آليات العلاج هنا لا تسعف مثل هذه الحالة. "المينانجيت"، أوالتهاب السحايا، هذا الاسم المرعب الذي يرادف الموت، حرك الأم حتى لا تتكرر المأساة لحمل طفلها الثاني "ريان" ذو السنة والنصف من عمره بعد أن لاحظت ارتفاع حرارته؛ إلى عيادة الطبيب هذه المرة. لكن رحلة الحصول على دواء اسمه "غيفار بيسين" الذي لم يكن من السهل الحصول عليه إلا بعد تعبئة ملف خاص بالمستشفى العمومي، ستقودها إلى المندوب الإقليمي للوزارة، وأمامه روت تفاصيل مرض أودى بحياة ابنها "آدم"، قبل أن تظهر بعض أعراضه على أخيه الأصغر. وعبرت عن شكها في أن يكون المرض نفسه قد أودى بحياة أطفال آخرين بنفس روض الأطفال الذي كان يدرس به ابنها المتوفى، دون أن يتم عرضهم على المصالح الطبية لإجراء الفحص المخبري الذي من شأنه أن يؤكد أو ينفي إصابتهم بالتهاب السحايا. كانت هذه المعطيات كافية لتحرك مصالح وزارة الصحة، فشكلت فريقا للتدخل، يضم أطباء وممرضين ومسؤولين عن المراقبة الوبائية لإجراء كل التحريات الصحية والفحوصات الطبية للأشخاص المتواجدين في محيط الحالات بالمجموعة 5 بحي مولاي رشيد. وتقديم العلاج والأدوية الوقائية لعائلات ومحيط الأشخاص المتوفين، كما عبأت المصالح الصحية وسائلها لتلقيح الأشخاص الذين كان لهم اتصال بهذه الحالات. قبل أن يتقرر إقفال روض الأطفال بعد أن اتضح في إطار التحريات الصحية والوبائية، وجود اكتظاظ كبير داخل هذه المؤسسة التي يستقبل كل قسم منها أطفالا صغارا يتجاوز عددهم الثمانين. في يوم زيارتنا لأسرة الطفل "ريان"، كان في حضن والدته التي جمع وجهها صفات الألم، وكان مبلولا بدمع صباحي، (كان "ريان") سليما معافى، بعد أن أكدت النتائج المخبرية التي أجريت له بالمستشفى عدم إصابته بالتهاب السحايا، لكن مات أخوه "آدم". لعلها القصة الأشد مأساوية، لسيدة أرهقها الوقوف بين واقعين، بألم تتجرع مرارته بعد وفاة ابنها، وبأمل يدور في رأسها في أن المتسببين في هذه الفاجعة لا بد أن ينالوا جزاءهم.