لم يكن الحانقون على الإخوان في حاجة لقرارات مرسي الأخيرة كي يشرعوا في الحملة ضدهم، فهي مستمرة منذ شهور طويلة، حتى قبل فوز مرسي؛ تحركها دوافع كثيرة؛ حزبية وأيديولوجية وطائفية، وأحيانا شخصية عبر مغازلة أنظمة حانقة عليهم وعلى مجمل العربي. لكن المؤكد أن القرارات إياها قد منحتهم سلاحا جديدا للهجوم، هم الذين يعتبرون خصومة الإخوان دينا ومذهبا يتقربون من خلاله لذوي السلطان، فيما يصفي بعضهم حساباته الخاصة (لو ألغاها أو الجزء الذي يعترضون عليه منها، هل سيتوقفون؟ كلا بالتأكيد). منذ شهور طويلة وهم يتحدثون عن اختطاف الإخوان للثورات ولربيع العرب، لكأن الثورات عبارة عن دمىً يمكن لكل أحد أن يسرقها ويخبئها في جيبه وليست حراكَ شعوبٍ عانت طويلا من الفساد والدكتاتورية وتريد الخروج من نفقها المظلم. الإخوان في مصر تحديدا كانوا أكثر من دفع الأثمان الباهظة في مواجهة عسف نظام مبارك وجبروته، وهم انخرطوا في الثورة منذ الأيام الأولى، ولولاهم لما كان لها أن تنجح. ثم إنها ثورة حرية وتعددية، من الطبيعي أن يحتكم الناس بعدها لصناديق الاقتراع، وهم خاضوا الانتخابات وفازوا في مجلس الشعب قبل أن يجري حله بقرار ظالم من محكمة فاسدة، ثم فازوا بالرئاسة عبر الصناديق أيضا. لكنّ الفلول وعددا من الحزبيين المعادين لهم لا يريدون لهم أن يحكموا، ولكنهم يتعاملون معهم كمحطة عابرة، ويصلون الليل بالنهار من أجل حرمان الرئيس حتى من إكمال مدته القانونية، ولا يمنحونه فرصة العمل والتحرك من أجل إخراج البلد من حالة الفراغ الدستوري الذي تتخبط فيه. يريدونه مجرد دمية لا أكثر يجلس في انتظار رحيله وحلول آخر من ربعهم مكانه، ولذلك لا يستجيب لدعوات التعاون معه سوى القلة، لأن شعورا عاما يجري بثه بين النخب والناس بأنه مجرد رئيس عابر ليس إلا. من وقفوا ضد قرار إقالة نائب عام فاسد من أزلام الرئيس المخلوع لا يمكن أن يكونوا حريصين على الثورة وليس من حقهم التباكي عليها، هم الذين يعلمون أنه هو لا غيره من ضيع حق الشهداء وضحايا الثورة بتبرئته للمجرمين عبر عدم تقديمه لأدلة تدينهم. يعلمون تماما أن المحكمة الدستورية التي تتحكم بكل شيء هي من إرث النظام الفاسد أيضا، وهذه لا تريد لمرسي أن يخطو خطوة إلى الأمام. وحين يعلم الرئيس أنها بصدد استصدار قرار بحل اللجنة التأسيسية للدستور، وحل مجلس الشورى، فلا بد أن يتحرك بسرعة لقطع الطريق على هذا الانقلاب، في ذات الوقت الذي ينتصر فيه لضحايا الثورة من خلال إقالة النائب العام وإعادة محاكمة رموز النظام السابق. أية دكتاتورية هذه التي يتحدثون عنها، والرئيس يريد إنجاز الدستور بسرعة كي تتحدد صلاحياته وكي يستلم مجلس الشعب الجديد مهمة التشريع؟! أي دكتاتور هذا الذي يسرِّع في تسليم صلاحياته لمجلس منتخب؟! أليس هذا خطابا عبثيا يتولى كبره أناس يستخفون بالرئيس وجماعته، ويتعاملون معهم كأنهم لصوص عابرون سيضعون ما سرقوه ويمضون إلى حال سبيلهم، بل ربما فضل البعض منهم إعادتهم إلى السجون التي أدمنوها أيام مبارك. إنهم يهينون شعبا بأكمله حين يقولون: إن الإخوان سيستولون على السلطة ويلغون الديمقراطية، فمن أسقط نظام حسني مبارك يمكنه أن يسقط أي نظام آخر حديث النشأة. وأقسم بالله العظيم لو حدث ذلك من الإخوان، فسنكون أول من يقف في وجوههم لأن في ذلك اغتيالا لربيع العرب الذي يتركز عنوانه في مصر على وجه الخصوص. حين تتجند فضائيات مصرية وعربية بلا حصر في إهانة الرئيس، وحين تتدفق الأموال من دول عربية معروفة، بل ومن إيران أيضا التي لا تريد للإسلام السني أن يتقدم، فلا بد أن ننظر بعين الريبة لكل ما يجري، ولا بد للرئيس أن يتخذ من الخطوات ما يحصن مصير الثورة التي يكرهها بعض العرب لأنهم لا يريدون للربيع العربي أن يقترب منهم (أصابع أمريكا والصهاينة ليست بعيدة عن المشهد). لا بد مما ليس منه بد كي يُنجز الدستور ويُعرض على استفتاء عام دون ابتزاز من قبل الأقلية للأغلبية، إذ ليس ثمة دستور في الأرض يتوافق الناس على سائر بنوده، فكيف في بلد مدجج بالتناقضات؟! وبعد ذلك يجري انتخاب مجلس الشعب الذي يتولى مهمة التشريع كي يوضع القطار على سكته الصحيحة. بقي القول إن أسوأ أنواع الوقاحة في نقد مرسي هي تلك التي تأتي من لدن أناس يؤيدون بشار الأسد، وهو دكتاتور مجرم، فضلا عن أناس عرفوا بعملهم كأبواق لأنظمة دكتاتورية وفاسدة أيضا. أمثال هؤلاء هم آخر من يحق له التنظير في الحرية والتعددية