أكد محمد الوردي الباحث في التمويلات الإسلامية وعضو الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في ركن الزكاة أن أهمية الزكاة تأتي بالنظر أولا إلى موقعها ضمن المنظومة الإسلامية، فهي تمثل الركن الثالث من أركان الإسلام، وتعتبر فريضة دينية وعبادة مالية وأداة عملية للتنمية، فعندما يخرج المسلم زكاة ماله يكون قد أدى واجبا وتكليفا ألزمه الشرع به تحقيقا لمبدأ العبودية لله أو كما سماه الإمام الغزالي «بامتحان المكلف بالاستعباد.» فيتحقق بذلك الإيمان الصادق والفلاح وكسب مرضاة الله، مصداقا لقول الله تعالى :» قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون». « وأبرز الوردي في تصريح ل «التجديد» أنه على المستوى الاجتماعي، الزكاة تنطوي على جملة من المقاصد الشرعية تتجلى على وجه الخصوص في تحقيق مبدأ التكافل وتثبيت معاني الأخوة والتعاون في إطار عملي يجسد واقعية التشريع الإسلامي وفلسفته التنموية التي تروم حفظ الكرامة الإنسانية من خلال كفالة مستوى لائق من المعيشة، أو ما يصطلح عليه على مستوى الفكر الاقتصادي الإسلامي بحد الكفاية تمييزا له عن حد الكفاف، والذي هو توفير الحد الأدنى من المعيشة. وأضاف الوردي أن الزكاة تساهم في استقرار المجتمع وتماسكه وتحمي أفراده من أخطار الانحراف وعواقبه فتنتشر الفضائل عوض الجرائم وتسود قيم المحبة بدلا من مشاعر الإهانة. وأوضح الوردي أنه على المستوى الاقتصادي فالملاحظ أن الزكاة تحفز على الإنتاج والاستثمار وتحارب الاكتناز وتدعم الإنفاق. فدور الزكاة لا يقتصر على توزيع الأموال على الفقراء، بل هي وسيلة أساسية للتحفيز على العمل من خلال إيجاد فرص للشغل بالنسبة للعاطلين، وتمكينهم ومساعدتهم على شراء أدوات العمل والإنتاج، خاصة أصحاب المهن وذوي الحرف الذي يعانون من ضيق ذات اليد ولا يملكون من المال ما يكفيهم للاعتماد على خبراتهم وتحسين أوضاع عيشهم. ومما يؤكد البعد التنموي للزكاة الطبيعة الخاصة للوعاء الزكوي، فهذا الوعاء يرتبط بمختلف الأنشطة الاقتصادية والدخول والثروات ويتميز بطابع الاستمرار، وكلها خصائص تسهم بشكل فعال في تحقيق مقاصد الزكاة، كالتخفيف من حدة الفوارق الطبيعية،وتفعيل عملية التداول للمال، والتقليل من نسبة التفاوت بين الأفراد. واعتبر الوردي أن العبرة بالسلوك العملي والإنفاق المادي والتضامن الحسي الذي يترجم عمليا من خلال إعطاء الزكاة طاعة لله وشكرا لأنعمه وتفعيلا لوظيفة الاستخلاف بما تتضمنه من مكونات وما تزخر به من مقومات. وقال الوردي إن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن من شأن تفعيل صندوق الزكاة بالمغرب أن يدر سنويا أزيد من ثلاثة بالمائة ( 3 %) من الناتج الداخلي الإجمالي ، وهو رقم مهم بالنظر إلى طبيعة الظرفية الراهنة التي يعيشها المغرب . وبخصوص التصور الممكن اعتماده لتفعيل هذه الفريضة بشكل ايجابي، اعتبر الوردي أنه من الأفضل التركيز على البعد العقدي و التحسيس بالمسؤولية الدينية والأخلاقية، وتلك مهمة ملقاة على عاتق العلماء بشكل عام في إطار الدعوة والتوعية وأداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعلى المستوى الإجرائي، يرى الوردي أنه من الأفيد ضرورة التنسيق بين خبراء الاقتصاد وعلماء الشريعة لبلورة منهج صحيح ينطلق من خصوصيات الواقع ويستحضر حاجيات الأفراد والمؤسسات ويهتدي بأحكام الشريعة ومقاصدها ويستنير بتجارب البلدان الإسلامية التي نجحت في هذا المجال، مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف الاجتهادات الفقهية والدراسات الشرعية المعاصرة في هذا الإطار. وأضاف الوردي أن إسناد مهمة جباية الزكاة وتوزيعها يجب أن تسند إلى جمعيات غير حكومية – في بداية عملية التطبيق – مع الإشراف والرقابة عليها من قبل أجهزة حكومية، وبتنسيق مع المجالس العلمية على سبيل المثال في إطار لجان مختصة ، ليتحقق بذلك نوع من التكامل بين التنظيمات الجمعوية ذات الصلة المباشرة بالأفراد ،وبين اللجان والأجهزة الحكومية في إطار رقابي وسيادي لضمان تفعيل هذه الفريضة.