أكد مولاي عمر بن حماد عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن الشرع يحرم الكذب باعتباره من أحط الأخلاق التي ينبغي أن يتنزه عليها المسلم، وتحفظ عن فكرة أن المجتمع يطبع مع الكذب وقال إن الكذب أحد وسائل التضليل داخل المجتمع مثل الخمور والسرقة والأضرحة وغيرها لكنه يبقى مذموما، وفي حوار ل»التجديد» قال بن حماد إن أي مبالغة في تصوير الذات على غير حقيقتها وتضخيمها غير جائز، و»الكذبة البيضاء» باطل. ● السؤال الذي يفرض نفسه في البداية، ما موقف الشرع من الكذب؟ ❍ الكذب خلق دميم لذلك كان موقف الشرع الإسلامي منه واضحا وهو تحريمه باعتباره من أحط الأخلاق التي ينبغي أن يتنزه عليها المسلم، خاصة أن الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم قال «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وتحريم الكذب أمر معلوم ومسلم به ومستقر، ومن أوسع الأحاديث الواردة في هذا الشأن قوله عليه الصلاة والسلام «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، ومازال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا»، وهذا الحديث يبين أن الكذب طريق إلى جهنم. وعلى عكس الكذب، لقد كان من ميزات النبي صلى الله عليه وسلم الصدق حيث كان قومه ينعتوه بالصادق الأمين حتى قبل بعثته، وذلك يعني أن مسألة الصدق قيمة كانت مطلوبة حتى في المجتمع الجاهلي، ومن المواقف التي نذكر في هذا الشأن موقف أبي سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه، لما دعاه أحد الملوك الذين وصلتهم رسالة رسول الله لما كان في رحلة إلى الشام، فقال «لم أكن في يوم أحتاج إلى الكذب مثل هذا»، لكنه أبى أن يؤثر عنه أنه كذب في ذلك المجلس، فتحر الصدق وقال في حق رسول الله ما كان لا يود قوله. الملاحظ في هذا الموقف أن مسألة الكذب لم يقبلها أبو سفيان على كفره، ولذلك على الإنسان الذي كرمه الله عز وجل بالإسلام أن يكون أحرص الناس على الانتهاء عن الكذب وتحري الصدق. ● يرى متخصصون في علم الاجتماع، أن المجتمع أصبح يطبع مع الكذب، هل تتفقون مع هذه الفكرة أم الأمر مبالغ فيه؟ ❍ الحقيقية أن المجتمع بصفة عامة حصل فيه ما حصل من الفتور والتراجع على المستوى السلوكي القيمي بشكل عام، ولأجل ذلك يوجد الدعاة والإصلاح والعمل، كما أنه في مجتمع تنتشر فيه الخمور والسرقة والأضرحة وغيرها لا شك أن يكون الكذب كذلك أحد وسائل التضليل، لكن أن نجعل ذلك سمة للمجتمع أنا أتحفظ على هذا المعنى، وليس هناك تطبيع مع الكذب كما أنه بقي مذموما، وفي هذا الصدد أطرح سؤالا؛ كم عمر الخمر في بلادنا؟ لقد عمرت لسنوات ويمكن أن القول أن الخمر لم ينقطع يوما أبدا، ومع ذلك لا يزال الخمر منبودا في المجتمع، وهذا يؤكد أن الحرام يبقى حراما داخل المجتمع وإن مارسه الناس، كما أن المدمن على شرب الخمر لا يقدم نفسه على ذلك إلا البعض القليل. إذن هناك فرق كبير بين الوقوع في المعصية أو المخالفة سواء كان كذبا أو سرقة أو زنى وبين التطبيع وأن يصير ذلك سلوكا مقبولا ومشاعا بين الناس لا ينكره أحد. ● الذين يدافعون على فكرة أن المجتمع يقبل الكذب يستعرضون الاختلالات التي تصاحب التنشئة الاجتماعية للأبناء، وهناك أمثلة عديدة من قبيل أن يدعو الوالدين ابنهما إلى الكذب بدون وعي، لكن السؤال الذي يفرض نفسه، ما هي أهمية التربية في إخراج نشأ ينبذ مثل الأخلاق الذميمة ولا يقبل عليها؟ ❍ مثل هذه الرواية موجودة في كثير من المجتمعات، كأن يقول المدير لكاتبته إن جاءني أحد فقل له أني غير موجود، وقد يطلب من واحد شهادة فيقول أنه لم يرى أحدا وإن كان يعرف الحقيقة، مثل هذه الحالات لا يمكن أن نجعلها مؤشرا على تطبيع المجتمع مع الكذب، فذات الشخص الذي قال لابنه قل للطارق على الباب إني غير موجود هو نفسه الذي سيطلب من ابنه عدم الكذب، وليس معنى ذلك أنه يقبل منه الأولى ويرفض الثانية، بالمقابل، أؤكد على أن الأصل هو التنشئة على الصدق، علما أن الإنسان يكون محتاجا إلى بعض من ذلك في بعض الأوضاع، والشرع علم أننا نحتاج إلى بعض من ذلك لذلك جعل لنا «تورية» (بالتاء غير معجمة) كما قال صلى الله عليه وسلم «إن لكم في المعاريض لممدوحة عن الكذب» والمعاريض هي التورية أي أن تقول كلاما الذي يسمعه يحمله على معنى لكن مقصود صاحبه غير ذلك، كأن يقال في المثال السابق إن المقصود أنه ليس بالغرفة التي أجيبك منها، وهذا ليس كذبا لأن فيه نوعا من تطييب الخاطر الذي يسأل وذلك خير من أن يقال له «أنا موجود ولكن لن ألقاك»، لأن هذه العبارة قد تكون منفرة وجارحة. إن القول بذلك ليس كذبا حقيقة وإنما هروب من المواجهة التي يتوقع أن تطرأ عليها أمور سلبية، ومثل هذه النوازل يجب أن يحسن فهمها ويستحضر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم». في اعتقادي، إن الحقيقة أن المجتمع لا يخلو من الصادقين، والصدق هو الطبع الغالب فيه ولذلك جاء في حديث عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»، ومعنى الحديث، أن المسلم لا يحسب عند الله كذابا لأنه كذب مرة واحدة، ويمكن للرجل وهو يتحرى الصدق قد يسقط في الكذب. ● ما حكم الشرع في «الفشير»؟ ❍ هذا مشكل حقيقي، الناس في الغالب لا تريد أن تقدم نفسها كما هي وتحاول أن تظهر بالصورة غير الغير الحقيقية بسبب ضغط المجتمع، مع الأسف هذا المجتمع يقبل الشخص وكل حاجياته ملباة وذلك ليس كل الناس يستطيعون مواجهة هذا الضغط الاجتماعي، فناك من يضطر إلى ذلك وهذا طبعا أمر غير مقبول وغير جائز شرعا. على الإنسان أن يكون صادقا ويقدم نفسه بتواضع، فالأصل أن يقدم الإنسان نفسه بتواضع رغم بلوغه مرتبة عالية لأن الإنسان في نهاية المطاف مخطئ ومغلوب على أمره وفقير إلى الله عز وجل، وهنا أستحضر ما ورد عن عمر بن الخطاب في بعض الروايات، حيث خطب الناس وصار يحدثهم عن أشياء كثيرة تخصه وحده، وبعد أن أنهى خطبته حاءه سائل «»با أمير المؤمنين ألهذا جمعتنا؟» فقال «وجدت من نفسي شيئا فأردت أن أذكرها بمكانها»، يعني أنه وجد من نفسه نوعا من النزوع بحكم موقعه الاجتماعي فأراد أن يذكرها بوضعها الحقيقي وماضيها، والشاهد في هذه القصة أن عمر رضي الله عنه لم يبالغ في وصف وضعه بل تنازل في الوصف. وبالتالي، إن أي مبالغة في تصوير الذات على غير حقيقتها وتضخيمها غير جائز. ● وما موقف الشرع مما يصطلح عليه في العامية ب «الكذبة البيضاء»؟ ❍ هذا واحد من العادات السيئة التي انتقلت إلى مجتمعاتنا المسلمة بحكم أن العالم أصبح قرية صغيرة فيه تأثير وتأثر، وإن كان هامش التأثر بالنسبة إلينا أكبر من هامش التأثير. ولا يوجد في تراثنا وفتاوى الفقهاء أي سؤال عن «الكذبة البيضاء» لأنها لم تكن من قبل، و»الكذبة البيضاء» و «كذبة فاتح أبريل» كلها من الباطل، لأن الإنسان مسؤول عن كل يقوله كما ورد في الآية الكريمة من سورة (ق) « مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ». وهذه الآية واضحة ذلك أن الإنسان مسؤول عن كل ما يقوله وهذا هو المقام الذي يجب أن يرقى إليه المؤمن. وهذه المرتبة أدركها الصحابة رضوان الله عليهم، فعند أهل السنة والجماعة «الصحابة كلهم عدول»، ومعروف أن تاريخ تدوين الحديث كان فيه كذب لذلك نشأ الجرح والتعديل لمعرفة سيرة الناس «هل هذا كذاب أم صادق، لكن البحث يكون فيما دون الصحابي، وعن واحد منهم أثر عنه «والله ما كنا نكذب ولا ندري ما الكذب».