... ليس في مبدأ الحملات الإعلامية والشتائم والتشهير جِدّة. فالأمر شائع استخدمته في السابق أنظمة وأحزاب وتيارات وأشخاص من خلفيات وانتماءات مختلفة، بهدف الابتزاز أو التعبئة أو التضليل أو تلطيخ السمعة أو التشويش أو خلق القلاقل، أو جميعها معاً. وبهذا المعنى، لا جديد في ما يعتمده البعض اليوم في منابره الإعلامية وصحفه من حملات على خصومه أفراداً وجماعات على أن الجديد يأتي راهناً من الإعلام الإلكتروني، أو من الإنترنت، بحيث صار بعض المواقع والمدّونات حقل تجارب لحملات الهجاء وتحوير الكلام، يطوّر مفاهيم التزوير وأساليبه، ويوغل في قباحة المضمون ولغته إيغالاً صفيقاً. ومردّ ذلك، سهولة إخفاء هوية المالك للموقع أو المدوّنة وتبييض انتمائه (على نحو ما تُبيّض الأموال)، وحتى ادّعاء انتماء يناقض بمسمّاه (وبمؤدّيات هذا المسمّى السياسية) انتماء الجهة الفعلية المتّخِذة له. فخلف المواقع والمدوّنات، إن لم تكن ممأسسة أو مشخصنة، لمسات أشباح، تتناقل الألسنة المنسوب إليها والسؤال عن آخر مستجدّاتها، في «السرفيس» أو عبر الهاتف أو في الصالونات، معتمدة إسماً لها يبدو غريباً، ثم يصبح صفة أو نسبة لوصم موقع بالفضائحية أو الاستخباراتية؛ كما يتحوّل الإسم الى مذمّة تُطلَق على شخص أو طرف أو أسلوب وضيع في الكتابة والتلفيق. في هذا السياق، تبرز مدونات الكترونية اخبارية ،كما يسمّيها المسيّرون لها، بحيث تقدم خدمة التحليل والابهار بالخبر والاستباق به كما يدعون. وهي مدوّنات وُلدت «رسمياً» حين نقل عنها بالتواتر، عبر مواقع إخبارية تابعة أو مؤازرة بشكل مبطن للاعلام الغير مستقل الدي يقدم خدمات سخية لجهات عليمة ومعلومة، تلفيقات تطال بعض الكتّاب والسياسيين والقوى الوطنية والتيارات الاصلاحية والشخصيات العامة. تلا ذلك نقل العديد من مواقع الانترنت والوكالات، تواطؤاً وسوءَ نيّةٍ أو تصديقاً ساذجاً، ما سُمّي ملفات منشورة في هي أقرب الى الهلوسة السمجة منها الى أي شيء آخر. وفي ما هو أبعد من فعل نقل الموبقات المشار إليها أو من أسباب هذا النقل، يشي سلوك بعض الناقلين بأمور لا تخلو من دلالات. الأولى، محاولة إسباغ صدقيّة، ولو صبيانية، على «الخبر» المنقول طالما أن موقعاً الكترونيا شهيرا علله و كرّره، والناقل المذكور «ماكر و ذو معلومات مؤكّدة»، وهو «ليس مع أو ضد ، فما مصلحته في التلفيق ضد أو مع «؟ والثانية، تعفّف مفتعل عن الانغماس في الشتم، وتركه للأدوات للتنصّل منه عند الضرورة. والثالثة، محاكاة مناخ شعبي معمّم في المغرب وبلاد العرب عموما في المرحلة ، يميل إلى التعاطي مع الشأن العام على نحو يشبه النميمة والوقيعة والوشاية، أو المشافهة الناقلة للفضائح والاختلاقات والاختراقات وما يرافق ذكرها من «مقبّلات» وحاجات مبالغة تدفع إلى المزيد من الفضول، والى المزيد من تأكيد قباحة الخصم بهدف الاستسلام الكسول الى ابتسامات الرضا على الذات وعلى الموقف الصحيح الذي تتّخذه منه (أي من الخصم) في الصراعات السياسية الدائرة. وإذا كانت محاكاة المناخ الشعبي وتأجيج تعلّقه بالاتهامات والأحكام قد تحوّلت الى سمات الأداء السياسي والإعلامي في مراحل الاحتقان الاجتماعي والاحتجاج السياسي، وهي مطَمئنة للأنصار المباشرين والمتناكفين وليقينهم السياسي، فإن التواري والتخفي خلف هوية ديمقراطية مفترضة والتستر من وراء حجاب دعوى الاستقلالية لترويج مقولات المعسكر المعادي للإصلاح والمضاد للارادة الشعبية والمصلحة الديمقراطية والوطنية، ينبغي أن يُقلق بعض المصدّقين والديمقراطيين والنخب النزيهة من الجمهور الأوسع، وأن يهزّ قناعاتهم. فحقد البعض من الإصلاحيين على خصوم الحزب السري وقوى الجمود السلطوي يبدو بلا حدود، ويتخطّى منطق السؤال عن المصلحة من ورائه، ليلامس البحث في أسباب التطابق الكامل (حتى في الأسلوب والركاكة اللغوية) بين تعليقاتهم اليومية على الأحداث، وبين آراء سياسيين وكتبة مقالات تُنشر في صحف أو على مواقع تدعى مستقلة وهي خاصة في أحسن توصيف لها، وحزبية أو حتى جهوية منتمية إلى اليمّ المقاوم للتغيير وجبهته المدافعة عن الركود وجمود الوضع السياسي بل وارتداده نكوصا إلى الخلف. وهذا ما نظنّه بليغ الإشارة إلى مستوى الثقافة التي يريد تعميمها هؤلاء مجتمعون ،ومعنى الاستقلالية التي يصرخون صباح مساء تعلقا بها واعاء الوصل بأعتابها ،وهي من أمثالهم وصنيعهم المكشوف براء براء.