كان عنوان «المغاربة لا يقرءون»، حاضرا بها بقوة في كل التقارير والدراسات التي تناولت واقع قطاع النشر والمقروئية، وكشفت «فضيحة» القراءة في العالم العربي. وضمن هذه النتائج وإن كانت غير مفاجئة، وعلى الرغم مما يمكن تسجيله على لغة الأرقام من علل ونواقص، إلا أنها تبقى مع ذلك جردا جيدا للواقع، واجتهادا لا بأس به في تحديد مكامن خلل أزمة القراءة بالمغرب. فمعدل المقروء السنوي بالمغرب لا يتعدى نصف صفحة، بما يؤشر على أن نسبةَ القراءة بالمغرب لا تتجاوز 2 في المائة حسب إحصائيات أخيرة لمكتب الدراسات الديموغرافية والاقتصادية والقانونية والإحصائية (ايدسا). وهو رقم لا يستسيغه أغلب المثقفين في بلد من المعروف أنه يتوفر على 13 جامعة و65 من المعاهد والكليات وعشرات الآلاف من الطلبة الباحثين والمدرسين. فهل تعني هذه الأرقام أن المغربي في غنى عن القراءة والإطلاع، أم أنه لا يملك نصف ساعة في الأسبوع ليبدأ قراءة كتاب ما ؟ في مواجهة هذه الأرقام «المخيفة»، ظهرت بين الفينة والأخرى مبادرات لتشجيع القراءة وإحياء علاقة المغاربة بالكتاب، فما بين حملة «يلاه نقراو» بطنجة، ومبادرة «يلاه نقراو» بالرباط، انبرت الآن مبادرة نوعية يرعاها اتحاد كتاب المغرب بدعم من المكتب الوطني للسكك الحديدية، أملا في أن تكون مبادرة «قطار القراءة» بوابة لأفق أوسع وأرحب في جعل القراءة ممارسة وطقسا عاما يستقطب عموم المغاربة... - نشر عبد العالي الأزمي بحثا ميدانيا في مجلة « يصدر في المغرب»، مبينا من خلاله، كيف يحتك القارئ المغربي بالكتاب، ويتفاعل معه إيجابا أو سلبا. واتضح له أن القراء يطلعون على مصنف ما لأجل المتعة والضرورة، ولا يتعاملون مع القراءة بوصفها عادة متأصلة في سلوكهم وطبعهم، وهم في غالبيتهم، لا يتوفرون على مكتبة منزلية، ويشتكون من رداءة الخدمات المكتبية لأنها لا تشفي غليلهم من حيث إرشادهم إلى العناوين التي يبحثون عنها أو يمكن أن تفيدهم وتستجيب لتوقعاتهم. - أنجز فيرونيك دو بليك بحثا حول « سوق النشر بالمغرب». وقد استوفاه من جوانب عديدة معززة بالأرقام والنسب لبيان صعوبة الاستثمار في مجال النشر بالمغرب لارتفاع تكلفة الكتاب، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وانتشار الأمية التي تقصي 15 مليون مغربي من قراءة الكتب وتداولها ( لا تبقى إلا نسبة ضعيفة 10 بالمائة تسحن القراءة والكتبة)، و عدم تعميم التعليم. وذكر أنه لا يطبع سوى 2000 نسخة من الكتاب، وتطبع من الأسبوعيات 20 ألف نسخة. ولا يطبع من مجمل الجرائد المغربية إلا 400 ألف نسخة في أقصى الحدود. في حين يميل أغلب الناشرين إلى الكتاب المدرسي الذي يمثل 90 بالمائة من مجمل إنتاجهم السنوي بحكم مردوده العام واتساع نسبة التلاميذ. - كشفت دراسة ميدانية أخيرة قام بها مكتب الدراسات الديموغرافية والاقتصادية والقانونية والاحصائية (ايدسا) بايعاز من وزارة الثقافة المغربية وشملت 1365 قارئا محتملا في 13 مدينة مغربية. ووجدت الدراسة أن القراءة بالمغرب قد تراجعت بنسبة 2 بالمائة بدليل أن واحدا من عشرة قراء محتملين لم يقرأ أي كتاب خلال العام الماضي فيما لم يقرأ 41 بالمائة من القراء أي كتاب منذ ستة أشهر أو أكثر، و26.5 بالمائة لم يتمكنوا من قراءة سوى كتاب واحد خلال سنة بكاملها، و19.3 بالمائة قرأوا كتابا خلال سنتين، و3.6 بالمائة خلال خمس سنوات، و9.6 بالمائة من المستجوبين لم يقرأوا إلا كتابا واحدا خلال خمس سنوات. وأن حوالي ثلثي القراء يقرأون قراءة متوسطة و23 بالمائة يواظبون على القراءة و11 بالمائة لا يقرأون إلا نادرا. وعن الأسباب الرئيسية للعزوف عن القراءة، كما جاء في الدراسة، هو ضعف القدرة الشرائية، والسبب الثاني هو عدم التوفر على الرغبة في القراءة، حيث قال ثلث القارئين العازفين عن القراءة أنهم لم يعودوا يمتلكون الرغبة في القراءة. - دراسة ميدانية قام بها الباحث المغربي عبد الرحمان عبد الدايمي، كشفت عن الملامح العامة للقارئ المغربي وعن مشهد الطبع والنشر والخزانات والمكتبات بالمغرب. ومن بين النتائج التي كشفت عنها هذه الدراسة هو أن هناك فراغا في الإدارة الثقافية في المغرب. أما عن ملامح القارئ النموذجي بالمغرب فيقول عبد الرحمان عبد الدايمي في دراسته أن القارئ النموذجي رجل سنه بين 20 و24 سنة بنسبة 18.35 بالمائة، يقيم في المدينة بنسبة 91.25 بالمائة، وضعيته الحالية طالب بنسبة 66.90 بالمائة، حاصل على الباكلوريا بنسبة 38.05 بالمائة، تكوينه أدبي بنسبة 69.05 بالمائة، يقرأ باللغة العربية بنسبة 59.60 بالمائة، وبالفرنسية بنسبة 23.60 بالمائة، القراءة بالنسبة له متعة بنسبة 76.95 بالمائة. ومن بعض معطيات الدراسة أن دور النشر ظهرت بمبادرات فردية وتمركزت في غالبيتها بالمدن الكبرى، حيث يصل عددها الآن الى 32 دارا، 18 منها بالدار البيضاء و8 بالرباط و2 في مراكش ووجدة وواحدة في طنجة والقنيطرة. ويصدر عن هذه الدور حاليا 1000عنوان سنويا في مقابل 3000 عنوان في لبنان البلد الأصغر مساحة وأقل كثافة سكانية من المغرب، وتطبع من كل كتاب 3000 نسخة ولا تباع منه إلا 2000 نسخة في ظرف ثماني سنوات. وبخصوص وضعية المكتبات بالمغرب تكشف هذه الدراسة أن هناك 632 نقطة لبيع الكتب بالمغرب بما فيها من أكشاك ومكتبات، 150 مكتبة توجد بالمدن الكبرى، حيث أكد أغلب الكتبيين أن «المكتبة مشروع فاشل وأن المكتبات تراجعت بنسبة 13 بالمائة مقارنة مع بداية التسعينات»، وأن واجهات المكتبات بالمغرب ضيقة ولا تثير فضول المارة، وأن أربابها لا يستعينون بخبرة المنشطين الثقافيين ولا يتابعون جديد الاصدارات، هذا زيادة على تفشي ظاهرة الاستنساخ الضوئي والتي تحول دون تداول الكتاب بالشكل اللائق. 24 بالمائة من المغاربة فقط لهم رغبة في القراءة كشف استطلاع للرأي أجرته (ياهو مكتوب للأبحاث) في غضون السنة الجارية، كشف أن ربع سكان العالم العربي نادرا ما يقرؤون كتبا بهدف المتعة الشخصية أو لا يقرؤون أبدا، وقد شملت الدراسة 3503 شخصا من: الجزائر، البحرين، مصر، العراق، الأردن ، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، عمان، فلسطين، قطر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، واليمن. ووفقا لهذا الاستطلاع، فقد ظهر أن 24 بالمائة من المغاربة فقط لهم رغبة في القراءة، ويمثل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 46 و 50 الفئة الأكثر اعتيادا على القراءة، في حين تكون القراءة بالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 36 و 45 مناسبتية ولا يواظبون على قراءة الكتب، في الوقت الذي تعرف الفئات الشابة بالمغرب عزوفا كبيرا عن القراءة. كما أكد على هذه القطيعة والهجران للكتاب، تصنيف المغرب في الرتبة 162 بلائحة القراءة حسب برنامج الأممالمتحدة الإنمائي.