في الشارع كما في الحافلة أو في السوق ومقر الوظيفة، عندما تحدث مشاجرة غالبا ما تجد طائفة من الناس تنظر من بعيد دون أن تتدخل، وحتى إن تحرك ضمير طائفة أخرى فإنها تقتصر على التعليق على الحادث بقولها عن المتشاجرين: «إنهم قليلوا التربية» أو «ما تدير خير ما يطرا باس» أو «إن تدخلت فإنني سأجلب الشر لنفسي» أو «من يدريني أن أحدهم يحمل سلاحا أبيض إن تدخلت سيضرني به»، وتمشي وتتركهم. وأمام هذه الأنانية المتوحشة التي أصبحت تتسم بها أغلب مناحي الحياة تجد فئة قليلة ممن يتدخل للإصلاح بين الناس تأسيا بقول الرسول الكريم: « ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة» إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة». لكن إصلاح ذات البين فن يحتاج إلى دراية حتى يؤتي أكله ويستفيد منه المتشاجران كما يستفيد المصلح بينهما. مراكز للصلح في تصريح سابق ل «التجديد» أكدت عائشة العسري عضو مركز الوئام للإرشاد الأسري بسلا: لقد أصبح لمراكز الاستماع والإرشاد الأسري دور أساسي وفعال في المجتمع المغربيّ، وذلك لمساهمتها في تفادي تفكك الأسر وانهيارها. وبالنسبة لمركز الوئام اخترنا أن يكون دوره تجميع الأسر وليس تشتيتها وذلك يبدو من خلال التسمية الوئام، وحتى على المستوى العملي نعمل ما في وسعنا لجمع شمل الأسرة بنشر قيم المحبة والمودة. وأوضحت عائشة دور اللجنة بأنها تعمل على استقبال جميع أطراف الأسرة ولا تكتفي بالاستماع للمرأة وحدها. وأضافت: «وفي معالجتنا للمشاكل الزوجية نجعل الطلاق آخر محطة في المعالجة لا نطرقها إلا في حال تعذر استمرار الحياة بين الزوجين». ومن جهة أخرى أشارت عائشة إلى أن المركز في نظرته إلى قضايا الأسرة لا يقتصر على حل المشاكل وانتظار وقوعها بل يرى العاملون فيه أن الوقاية يجب أن تكون قبل حصول مشكلة معينة لذلك تم إنشاء نادي الوئام وهو مفتوح أما النساء يطرحن كل ما يرينه سيكون وقاية من السقوط في المشاكل المستعصية التي قد تعصف باستقرار الأسرة. وعلق أحد المستفيدين من عمليات الإصلاح بأن هذا الأخير خير من الصيام والصلاة والصدقة كما جاء في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأن الجهد الذي يبذله الإنسان من تفكيره ومن وقته ومن أعصابه كبير إذ لا تنتهى الخصومة بكلمة، واستدل بقوله تعالى في سورة النساء الآية 114: «لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» للابتسامة دور صرح الدكتور أحمد المطيلي أخصائي نفساني ل «التجديد» بقوله: «الابتسامة لها دور تواصلي مهم، وهي تدل على المحبة والتوادد ولها تأثير إيجابي على نفس الذي نبتسم في وجهه، ولو تخيلنا أحدا يكشر وجهه في وجه ضيف أو غيره أو كان متجهما في وجه الغير لكانت الكارثة، وللابتسامة دور في القضاء على الهوة بين الأشخاص وفي التقريب بينهم بغض النظر عن الظروف التي يمكن أن يكون عليها الإنسان في لحظة معينة من الحزن والقلق إلا أن ظهور الابتسامة يشيع نوعا من المودة بين الناس». وأضاف المطيلي: «والمقتضيات الأخلاقية والاجتماعية تقتضي الابتسامة في وجه الغير، والشخص المبتسم له قدرة على إظهار المودة والسرور وله مشاعر إيجابية اتجاه الغير وهو ابتداء لا يضمر حقدا أو خوفا أو نفورا من الغير. والابتسامة وسيلة وجسر للتعارف والتكافل بين الأشخاص الأقارب منهم والأغارب. صفات مَنْ يُصِلحُ بين الناس جاء في موقع الإسلام اليوم أن أهل العلم ذكروا صفات ينبغي توافرها فيمن يتصدى للإصلاح بين المتخاصمين، يمكن أن نجملها فيما يلي: أولاً: إخلاص العمل لله وحده: قال تعالى: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين «الأنعام: 162، 163». وقال سبحانه: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (65) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين «الزمر: 65، 66». وروى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى». «البخاري 1». ثانيا: العلم يجب على من يتصدى لمهمة الإصلاح بين الناس أن يكون على علم بأحكام الشريعة الإسلامية في القضية التي يصلح فيها وأن يكون على علم بأحوال من يصلح بينهم، حتى يقتصر تصرفه في حدود الشرع، ولأنه إذا كان جاهلاً بهذه الأمور فإنه سوف يفسد أكثر مما يصلح. ثالثًا: الرفق وحسن الخُلُق: قال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين «النحل: 125». روى مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه». «مسلم: 2594». رابعا: الصبرُ وتحمل الأذى إن الصبر وتحمل الأذى من الصفات الهامة التي يجب أن يتحلى بها من يصلح بين الناس، فالمعتاد لن يقوم بهذه المهمة السامية أن يصيبه أذى ولو كان قليلاً ويتضح هذا جليًا في وصية لقمان لابنه، قال تعالى: يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور «لقمان: 17». جواز «الكذب» للصلح بين الناس روى الشيخان عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: «سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يُصلحُ بين الناس ويقول خيرًا، وينمى خيرًا». «البخاري حديث 2692- مسلم واللفظ له حديث 2605». قال الإمام النووي رحمه الله: ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس، بل هذا محسن. الصلح بالتنازل عن بعض الحقوق ينبغي لمن يتصدى لمهمة الإصلاح بين الناس أن يحثهم على التنازل عن بعض حقوقهم، ابتغاء وجه الله واتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. عن البراء بن عازب قال: «لما صالح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية كتب علي بن أبي طالب بينهم كتابًا، فكتب: محمد رسول الله، فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله، لو كنت رسولاً لم نقاتلك، فقال لعلي: «امحه»، فقال علي: ما أنا بالذي أمحاهُ، فمحاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده وصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام، ولا يدخلوها إلا حُلُبَّان السلاح، فسألوه: ما حُلُبَّان السلاح؟ فقال: القِراب بما فيه». «البخاري: 2698». خير الناس الذي يبدأ بالصلح إن الإسلام هو دين المودة والتسامح، ولذا ينبغي للمسلم، الذي يحب الله ورسوله ويحب الخير لنفسه ولإخوانه المسلمين أن يبادر بالصلح مع من خاصمه، فيصل من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه، وليعلم أن له منزلة عظيمة عند الله تعالى، قال سبحانه: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (34) وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم «فصلت: 34، 35». عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». «البخاري 6077، ومسلم 255»). تأجيل الصلح يؤخر مغفرة الذنوب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتحُ أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا». «مسلم حديث 2565».