الدعم الذي حظيت به فكرة إصلاح صندوق المقاصة من لدن مختلف الطيف السياسي في المغرب يعبر في أحد جوانبه على أن الوعي بضرورة هذا الإصلاح وإلحاحيته كان سابقا عن ميلاد هذه الحكومة، لكن، كلفته السياسية والاجتماعية، غالبا ما كانت تدفع في اتجاه تأجيله وعدم تحمل مسؤولية الانخراط الفعلي فيه، هذا مع الدعوات المتكررة التي تصدر عن المؤسسات المالية وتؤكدها التقارير المختصة في الشأن الاقتصادي المغربي. بيد أن تحمل هذه الحكومة مسؤولية أجرأة هذا المشروع الإصلاحي اليوم، لا يعني أن الأمر بالسهولة التي يحاول البعض تصويرها حين يوجهون انتقادات للحكومة على خلفية تأخرها في إخراج هذا المشروع، فالصعوبات التي ترتبط بمعايير تحديد الفئات الفقيرة وتمييزها عن بقية الفئات، والإشكالات المرتبطة بالحفاظ على القدرة الشرائية للطبقة الوسطى، وغير ذلك مما له علاقة بالقضايا التقنية، يحتاج إلى رؤية معمقة لا تكتفي فقط بالبحث عن الإجراءات الممكن اتخاذها لتقديم الدعم للفقراء والتخفف من النزيف الذي يتسبب فيه الإنفاق المسترسل على صندوق المقاصة، وإنما يتطلب دراسة أثر هذه الإجراءات على دورة الاقتصاد وعلى حركية الاستهلاك وأيضا على القدرة الشرائية للفئات متوسطة الدخل. معنى ذلك، أن مهمة إصلاح صندوق المقاصة ليست سهلة، ولكنها بالطبع ليست مستحيلة، وأن التأني والتروي مطلوب حتى يتم توفير شروط نجاح هذا المشروع الإصلاحي. هناك معادلة يحتاج مشروع إصلاح المقاصة أن يحافظ على توازناتها، فمن جهة، هناك فئات فقيرة ومعوزة تحتاج إلى دعم مباشر لتتحمل الآثار الناتجة عن إصلاح صندوق المقاصة، ومن جهة ثانية، هناك طبقات متوسطة يصعب في هذه اللحظة أن يتم تحميلها كلفة هذا الإصلاح، لأن توجها من هذا النحو يمكن أن يضر بقدرتها الشرائية، بل يمكن أن يضر بدورة الاستهلاك التي تشكل الطبقات الوسطى وقودها المحرك. السؤال الذي ينبغي طرحه للخروج من مأزق الخوف من عدم التوفق في تدبير توازنات هذه المعادلة، هو الجهات التي يطلب منها أن تتحمل كلفة هذا الإصلاح، لأن رفع دعم الدولة عن بعض المنتوجات أو على الأقل تخفيفه، يتطلب أن تتحمل بعض الجهات الفارق بين الثمن الأصلي لهذه المنتوجات، والثمن الذي هي عليه الآن بسبب دعم الدولة، إذ الانتقال من تعميم الدعم إلى تخصيصه يفترض من يدفع كلفة هذا التحول. الجواب المنطقي والمتبادر إلى الذهن هو أن الطبقات الميسورة، والشركات التي تراكم الثروة، يتوجب عليها أن تتحمل هذه المسؤولية، وتكف يدها عن الاستفادة من دعم الدولة، فهذا أقل ما يمكن أن تقوم به هذه الفئات لتعبر عن مواطنتها، لاسيما وأن هذا الفعل المواطن لا يؤثر في شيء من ثروتها ومستواها الاجتماعي. ومع أن هذا الجواب لا يختلف فيه أحد، ولا يمكن أن يكون محل مناكفة سياسية، إلا أن خلق الحافزية للانخراط فيه وإنجاحه يعتبر من صميم مشروع إصلاح صندوق المقاصة، إذ مقابل تعبير الشركات عن مواطنتها، ينبغي أن يتم إصلاح مناخ الأعمال، وتبسيط المساطر، ورفع الكلفة عن المقاولات المغربية، وضمان تكافؤ الفرص، وتعزيز التنافسية، والقيام بإصلاح ضريبي يعزز من فرص الاستثمار، فهذه الإجراءات تضمن انخراط الشركات في إنجاح صندوق المقاصة، لأنها ستشعر أنها تشتغل ضمن معادلة رابح- رابح، وليس ضمن معادلة زيادة الكلفة على الإنتاج من غير عائد ربحي. إن الوضوح الذي قد يتميز به مشروع إصلاح المقاصة بين طرفي المعادلة: الفقراء والطبقات الميسورة، تصيبه عتمة شديدة عندما يقترب من الطبقة الوسطى، إذ يتساءل الكثيرون عن موقعها في هذا الإصلاح، وهل ستكون من الجهة التي ستستفيد، أم من الجهة التي ستدفع الكلفة، أم أن مشروع إصلاح صندوق المقاصة سيحمل لهذه الطبقة تصورا وموقعا جديدا. بكلمة، إن الدعم الذي يحظى به إصلاح صندوق المقاصة من مختلف الطيف السياسي، والاتفاق الحاصل حول طرفي المعادلة، يحتاج إلى أن يتعزز، وذلك بالتفكير في رؤية تخرج الطبقات الوسطى من معادلة: استفادة- كلفة، ويدخلها في معادلة أخرى، تقوم على مبدأ التفكير في إسناد هذه الطبقات والمحافظة على قدرتها الشرائية والرهان عليها لتحريك الدينامية الاستهلاكية ومن ثمة تحريك عجلة الاقتصاد الوطني.