بعد أن استقر عباس المسعدي في مدينة تطوان استقر إلى جانب لجنة المقاومة بجنان مرشان، بعث رسالة خطية إلى الخائن الجاسوس يدعوه فيها إلى زيارته، وكنت حينها ما أزال أسكن في مدرسة صهريج الأندلس التابعة لجامعة القرويين آنذاك، وبلغني أنه عندما تسلم الرسالة أبلغ بها الاستخبارات الفرنسية، فنصحوه بعدم التوجه إلى تطوان لكنه أصر على الذهاب وطمأنهم. وقبل أن يشد الرحال، زارني في المدرسة وأخبرني بسفره وفهمت أن عباس يستدرجه فوافقته على الذهاب إليه، وأتذكر أنه ودعني أكثر من خمس مرات.. وقد كنت تعاهدت مع علي بن امحند الميداوي وبوشتى بن الطاهر الميداوي واحمد بن الطاهر الميداوي، بألا نقتل هذا الخائن إذا وقع بين أيدينا احتراما لعائلته وما يجمعنا معه من قرابة، وواعدنا المسعدي أيضا. وبعد وصوله إلى تطوان، أكرمه المقاومون واستضافوه ثلاثة أيام اقتداء بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأخذت لجنة المقاومة تبحث عن ما يفعلون به، وبعد أن استقر رأيهم، أخبروه بأنهم سيتركونه في حالة اعترف لهم بكل شيء، ففعل ذلك واعترف بكل ما قدم له محمد بن عبد الكريم الخطابي وبتكوينه في العراق، كما أطلعهم بعلاقاته مع المخابرات الفرنسية التي قدمت لهم الأموال، وقال إنه خائن. تداولت اللجنة بشأنه وقررت إعدامه، وحاول لمسعدي أن يمنع عنه ذلك لكن تدخله لم ينفع في شيء بالنظر إلى الصرامة التي أبدتها اللجنة عند تعاملها مع الخونة، وقد حضر طيلة محاكمته وإعدامه الدكتور عبد الكريم الخطيب بوصفه مشرفا على اللجنة. جاء الاستقلال، وشبت فوضى عارمة بعد ظهور جيش تحرير «مزور» غير جيش التحرير الحقيقي ورجال المقاومة الحقيقيين، وصار هذا الجيش «المزور» ينشر الرعب في صفوف الناس ويتهم الأبرياء بالخيانة من أجل سلب أموالهم وأملاكهم، وشاءت الأقدار أن أتهم أيضا الشيخ المختار الميداوي أخ بوشتى بن الطاهر الميداوي بالعمالة للاستعمار، وكان على وشك أن تسلب أمواله وماشيته، لولا تدخل أبي رحمه الله لما وصله الخبر، حيث منعهم من أخذ أي شيء منه، وأكد لهم أن الرجل وطني مخلص. الحلقة القادمة: اغتيال عباس المسعدي