ورد اسم الله "الرءوف" في كتاب الله عز وجلّ مطلقا منونا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية في مثل قول الله تعالى: " وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رءُوفٌ رَحِيم" ، كما ورد مقيدا بالإضافة في قوله تعالى: " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد ". وغالباً ما يقترن اسم الله "الرءوف" بالرحمة مما يدل على أن هناك فرقاً بينهما من حيث المعنى كما سيأتي معنا، وفي السنة ورد عند البخاري من حديث الْبَرَاءِ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ صَلَّى أَوْ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: } وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ {. معناه: الرءوف في اللغة صيغة مبالغة من اسم الفاعل: الرائف، مأخوذ من الرأفة ومعناها امتلاء القلب بالرقة والرحمة، لذلك قيل: الرأفة شدة الرحمة ومنتهاها، كما قال تعالى: " الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ"، فلم يقل (لا تأخذكم بهما رحمة) لأن العقاب هنا رحمة في مقصده وغايته، ومنه قسوة الأب على ولده والأخ على أخيه والزوج على زوجته أحياناً فيما يكون القصد منه الاستصلاح. ومنه البلاء الذي يصيب المؤمن سواء كان سقما في بدنه أو إقتاراً في رزقه أو مصيبة في نفسه أو ماله أو ولده... فكل هذا رحمة من الله عز وجلّ تُكَفر بها السيئات وتُرفع بها الدرجات، أما في العافية والسلامة فيقال: إن الله قد رأف بعبده. قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية:" الفرق بين الرأفة والرحمة: قيل: الرأفة أشد الرحمة، وقيل: الرحمة أكثر من الرأفة، والرأفة أقوى منها في الكيفية، لأنها عبارة عن إيصال النعم صافية عن الألم. والرحمة: إيصال النعم مطلقا.وقد يكون مع الكراهة والألم للمصلحة كقطع العضو المجذوم". لذلك قُدّمت الرأفة على الرحمة في وصف نبينا صلى الله عليه وآله وسلّم في قوله تعالى: " بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ " لأنها أبلغ منها وأخص. وقُرئ في المتواتر "رَؤُف" على وزن "فَعُل" حيث ورد في القرآن الكريم، وحجة هذه القراءة أنها أبلغ في المدح، ومنه قول الشاعر: يَرَى للمُسلمين عليه حَقَّاً ... كحقِّ الوالدِ الرَّؤُفِ الرحيمِ