والرفيق جل وعلا الذي يحب انتشار الرفق بين عباده، كما تقدم في الحديث:»إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ». وهو جل شأنه الرفيق الذي يرفق بعباده المؤمنين الموحدين الطائعين لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم فيجمعهم عنده في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ففي الصحيح أن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَيَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ». وفي رواية: «الرفيق الأعلى». والصحيح الذي عليه الجمهور أن المراد بالرفيق الأعلى: الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون وحسن أولئك رفيقا. وقد ورد في سبب نزول قول الله تعالى:}وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا{. أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إنك لأََحَبّ إليّ من نفسي ، و إنك لأَحَبّ إليّ من أهلي ، و أحَبّ إليّ من ولدي ، و إني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك ، فأنظر إليك ، و إذا ذكرت موتي و موتَك عرفت أنك إذا دخلتَ الجنة رُفعتَ مع النبيين ، و إني إذا دخلتُ الجنة خشيت أن لا أراك ؟ فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية. ونكتة الإتيان بكلمة «رفيقاً» بالإفراد ولم يقل «رفقاء» مع أن السياق في الظاهر يقتضي ذلك: الإشارة إلى أن أهل الجنة يدخلونها على قلب رجل واحد. من آثار معرفة اسم الله الرفيق على العبد: أن يكون رفيقاً في معاملته للخلق، وأحق الناس وأولاهم بالرفق واللطف والرحمة: الوالدان اللذان أوصى الله جل وعلا ببرهما، وخفض جناح الذلّ لهما. ومن أعظم الرفق ما كان بالزوجة بحسن معاشرتها،لقوله تعالى }وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{، والأبناء بإظهار المحبة لهم والشفقة عليهم طمعا في رحمة الله تعالى، ففي الصحيح من حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ الْأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ». أولى الناس تعبداً لله عزّ وجلّ باسمه الرفيق: الدعاة إلى الله تعالى، و الأساتذة والمربون... فإن الرفق من أقصر الطرق وصولاً إلى قلب المدعو، ولهم في رسول الله صلى الله عليه وسلّم الأسوة الحسنة فقد كان رفيقا رحيما كما وصفه أصحابه رضي الله عنهم فعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا فَقَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ. بل كان صلى الله عليه وسلّم يتألف بالرفق والإحسان قلوبَ غير المسلمين، والأدلة على ذلك من سيرته أكثر من أن تحصى. لذلك اجتمعت عليه القلوب، قال عز وجل: }فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ{. قال ابن كثير رحمه الله: أي لو كنت سيئ الكلام، قاسي القلب عليهم، لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفاً لقلوبهم. إن من الرفق الذي يحبه الله تعالى من العبد ويغفل عنه كثير من الناس: الرفق في أخذ الدين وتربية النفس، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلّم فيما صحّ عنه: (إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق). وقوله صلى الله عليه وآله وسلّم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل). والرفق في أخذ الدين ليس معناه الوقوع في المحرمات أو التفريط في الواجبات، وإنما المقصود الرفق في نوافل الطاعات من صلاة وصيام وقراءة للقرآن وطلب للعلم وغير ذلك، وأخذ الأمر برفق وتدرج دون غلوّ أو تفريط.