إذا كان مستوى اليقظة التنظيمية في زمن المحن والتضييق وخوض المعارك يكون عاليا ومرتفعا بل ويزداد ارتفاعا كلما اشتدت المعارك وقويت حدتها، مما يجعل التنظيم في هذه المراحل أقوى حساسية من وقوع أي اختراق وأكثر حذرا من السقوط في أي تراجعات أو تنازلات، وأشد حرصا على تحصين الهيئات والأعضاء، فإنه في زمن تحقيق النجاحات وظهور بوادر الانتصارات، يجب أن يكون الانتباه كل الانتباه إلى حصول حالات من الارتخاء أو التراخي الذي قد يتسلل إلى التنظيم أو الهيئات أو الأعضاء، والحذر من تراجع مستوى اليقظة والوقوع في التهاون أو التقصير، أو التساهل والتسامح مع الأخطاء والتجاوزات، أو التهوين من أمر الصغائر والوقوع فيها. وقد جاء في تفسير الطبري للآية الكريمة (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) أي ونختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة والعافية فنفتنكم به». وإذا كان القيام بمراجعات للمواقف والسعي للتجديد سواء في الخطاب أو في الوسائل وإعادة النظر في ترتيب الأولويات عند الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، ومن وضع إلى وضع، ومن موقع إلى موقع، أمور مطلوبة بل ضرورية بالنسبة لكل التنظيمات الحيوية، فيجب أن تنبني هذه المراجعات على عملية واعية وتفكير عميق ودراسات متينة واستقراء لمعطيات الواقع المتجددة، ورصد للتحولات والتطورات الحاصلة والجارية؛ انطلاقا أساسا من المبادئ والمنطلقات مع استحضار المقاصد والمآلات، وذلك لتفادي الوقوع في تراجعات وتنازلات لا واعية. وإذا كان انتقال الحركة الإسلامية اليوم إلى مرحلة تدبير الشأن العام يقتضي القيام بمراجعات واجتهادات وإبداعات لمواكبة الوضع الجديد والواقع الجديد، فإن الأمر يستدعي أن نتفهم ثقل هذه المسؤولية في الشأن العام، خاصة وأن الحركة الإسلامية اليوم لم تعد ملكا لأعضائها فقط وإنما أصبحت في تعاقد مع المجتمع بأكمله. إن الضغط المترتب في تدبير الشأن العام عن الأعمال اليومية، وإكراهات الوقت، والاضطرار أحيانا للسرعة في حسم القرارات التي لا يمكنها الانتظار، كل ذلك نتفهمه ونقدره ونأخذه بعين الاعتبار، ونقر بأن المقاربة ليست في ممارسة المشيخة أو الأستاذية على المبتلين بتدبير الشأن العام، أوفي ادعاء الطهرانية والعصمة من الأخطاء والتركيز على تأنيب الآخرين، وإنما يحتاج الأمر إلى تناصح وتواص بالحق متبادل (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). إن الذين يعملون الصالحات هم كذلك معرضون للخطأ، وليس هذا موضع الإشكال، وإنما الإشكال في التهوين من أمرها أو الاستهانة بها، لذلك فإن الواجب فور إدراك الخطأ المبادرة إلى التصحيح والمراجعة وذلك رجوعا إلى الحق وثباتا على المبادئ والمواقف. وخلاصة القول، أن حالة الغفلة والتراخي والتساهل مع الصغائر قد تصيب التنظيمات مثلما تصيب الأشخاص، لذا فإن الواجب يفرض علينا جميعا ضرورة الرفع من درجة اليقظة الجماعية والحذر الجماعي، ليس فقط من كبائر الأمور وعظائمها، وإنما كذلك من الصغائر واللمم، والحذر من القبول بها في صفوفنا واعتبارها أمورا عادية أو طبيعية. إن هذه الدعوة ليست دعوة للتشدد أو التعنت أو التزمت أو للتعبير عن الطهرانية، ولا هي دعوة لتعطيل المصالح بدعوى الحفاظ على المبادئ، وإنما هي دعوة لليقظة الجماعية والتحصين الجماعي والممانعة الجماعية ضد كل غفلة أو تراخي وضد أي تهاون في التواصي بالحق.