تعاني شوارع مقاطعة سيدي يوسف بن علي، من احتلال غريب للملك العمومي، و عرقلة للسير و الجولان، فشوارعها الرئيسية(حمان الفطواكي و المصلى و البرادة...)، قبل و بعد أن أشعل البوعزيزي (صاحب الكروسة بتونس) النار في جسده في مطلع عام 2011 لم يتم إسقاط الرئيس زين العابدين بنعلي من كرسي الحكم فحسب، بل تم إسقاط سلطة الدولة بالمقاطعة. فمعظم الشوارع تشكو حاليا و بشكل قوي، من زحف رهيب للباعة المتجولين و«الفرّاشة» على كل الفضاءات والساحات العامة وعلى الشوارع، وهو زحف لا يرتبط بتاتا بالبحث عن لقمة عيش أو التغطية على وضع اجتماعي بئيس بقدر ما يرتبط بتحلل السلطة المحلية و المنتخبة و العمومية، حولت شوارعنا، لتصبح بمثابة «فضاء لقانون الغاب و أرض بدون سيد»، مما يفسر «غزوة الباعة المتجولين»، و افتراسهم لكل الشرايين الرئيسية بهذه المقاطعة. و بلغت الفوضى حد اقتحام مؤسسات عمومية، لاستغلال ملاعبها، كما هو الشأن بالنسبة لثانوية يوسف بن تاشفين، و الاعتداء على ممتلكاتها. و عاينت "أسيف"، معاناة المواطنين، و المسؤولين عن الثانوية نفسها، فحين يذهب المواطن أو التاجر النظامي أو صاحب العقار المحاصر أو سائق الطاكسي أو الحافلة إلى ممثل السلطة المحلية أو الأمنية، للتشكي يواجه بعبارة غير قانونية و لا تمث لدولة الحق و القانون بصلة، "الوضع الآن حساس، و الكل على فوهة بركان، فبائع متجول أسقط نظاما". إن مثل هذا القول، يدفع إلى إعادة إنتاج، مجتمع عمل العقل المغربي على تجاوزه، من خلال بناء الدولة القائمة على التعاقد الاجتماعي، و المرحلة الانتقالية التي يعيشها المغرب حاليا تتطلب دولة قوية مؤسساتيا، يسودها القانون. أما ترك الحبل على الغارب بمبرر أن بائعا سيشعل النار في جسده، فهو تأسيس لمجال يسوده حق القوة. صحيح، أن هذه الفئة لها حق في الحياة، و تستحق توفير فرصة لكسب قوت يومها، لكن الصور الفظيعة التي أضحت تؤثث شوارعنا بالباعة المتجولين قد تجعل المقاطعة، خارج التاريخ و المستقبل الذي تصبو المدينة الحمراء لتحقيقه، باعتبارها مدينة دولية. وبدل أن يقوم البوليس بدوره في حماية أبسط حق من حقوق الإنسان ألا وهو الحق في التنقل وتحرير الشوارع من المحتلين، نراه يجتهد ويجد في أشياء بعيدة كل البعد عن مهامه الحقيقية، كاصطياد سائق نسي أن يضع "السمطة"، و القيام بجولات خارج المدار الذي يحتاج إلى تدخله. أما تدخلات السلطة المحلية، فقد انقرضت منذ زمان، و كل محاولاتها تشكل سحابة صيف. فتقاطع شارع المصلى و المدارس، أصبح يشكل عائقا أمام السير و الجولان، بسبب "الكروصات و الكراويل" المجرورة، و التي تملئ الشارع المخصص لحركة السيارات و الدراجات. إن هذا الوضع لا يمكن أن يفهم في ظل تواجد مقر للأمن على بعد أمتار محدودة، إلا في إطار ما خلقته لغة اللاقانون، لينضاف إليه مناخ ربيع خلق "القفقافة" لدى الأجهزة الأمنية والترابية والمنتخبة بمقاطعتنا التي تحللت من كل التزاماتها لدرجة أنها تحللت حتى من ضمان الحد الأدنى من تطبيق القانون.