أسيف:حاوره حفصة ركراك:فكري ولدعلي لمناقشة هذا الموضوع..وللاطلاع على أهم الآراء التي يتغنى بها مؤيدوا الأغنية الملتزمة، ارتأى موقع آسيف أن يستضيف الفنان والمنشد: عبد الجليل البكوري من مواليد 1987 طالب بمسلك الدراسات الإسلامية، فاعل جمعوي، عمل في بداية نشأته مع مجموعة للأطفال "مرج الزهور" التابعة لجمعية المشاعل للتربية و التنشيط، و يقوم الآن بالإشراف عليها و تبني أعمالها الفنية. و بعدها أكمل مسيرته الفنية بمجموعة الريان لمدة ثلاث سنوات، ثم عمل لما يزيد عن 7 سنوات بمجموعة الاعتصام المغربية و ساهم في إنتاجاتها السمعية و البصرية. كما أسس مجموعة "السراج المغربية"، و حاليا هو عضو مجموعة ربى المغربية . وكان هذا أهم ما جاء في حوارنا معه: 1. ماذا يعني الفن بالنسبة لديك؟ إذا كان الفن في اصطلاح اللغويين هو جملة الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة المشاعر و العواطف و بخاصة عاطفة الجمال كالتصوير و الموسيقى و الشعر... و أنه مهارة يحكمها الذوق و المواهب. فإن الفن في التصور الإسلامي لا يخرج عن هذه الدائرة و لا يبتعد عنها، لذلك فهو يعتبر أن روح الفن و جوهره هو الشعور بالجمال و التعبير عنه... و المتتبع للشريعة الإسلامية في مصادرها و أحكامها التشريعية و مقاصدها يجد دائما فلسفة الجمال حاضرة و بقوة، و ليس على الدارس إلا أن يتلمسها و يرصدها، ليجد في نهاية المطاف أن الإسلام أعظم دين – أو مذهب – غرس حب الجمال والشعور به في أعماق كل مسلم. لذلك فالإسلام يحيي الشعور بالجمال، ويؤيد الفن الجميل، ولكن بشروط معينة، بحيث يصلح ولا يفسد، ويبني ولا يهدم . 2. ما الرسائل التي تقدمها من خلال هذا الفن؟ كثيرا ما يتردد على مسمعي أن ” الفن سلاح ذو حدين “، و الحقيقة حسب اعتقادي أكثر من ذلك فإن ” الفن سلاح فعاَّل ذو حدين”. حيث أنه أداة هدم كما هو أداة بناء أيضا، و هذا أمر أصبح جليا و واضحا لكل أبناء المجتمع. حيث أعرب الفن غير الملتزم حسب تصورنا للمجتمع المنشود و للرسالية في العمل الفني عن مدى فشله و خيبته في بناء المجتمع السليم فكرا و سلوكا، و بالمقابل نجد الفن الملتزم قد قدم و إن كان لازال في بدايته الكثير للأمة الإسلامية و لم لا حتى الأمم الأخرى. فالفن صراحة أينما وجهته تكون له آثار، سواء وجهته إلى الخير والبناء، أو إلى الشر و الهدم... و هنا تكمن خطورة تأثيره. لذلك كان لزاما على كل عامل بأي حقل فني أن يتعامل مع إبداعه الفني على أساس أنه وسيلة إلى مقصد، وحكمه حكم مقصده. و لكون الغناء جزءا من تلك الفنون، و لكونه الأقوى و الأشد تأثيرا على الإطلاق، فإنه يتطلب منه أن يكون دائما عاملا من عوامل إثراء الحياة الإنسانية بالتجربة و الخبرة، و التوعية و التوجيه السليم، مثيرا للهمم، موقظا للمشاعر الطيبة و دوافع الخير و الفضيلة، و عاملا أساسيا من عوامل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. كل ذلك طبعا دون أن يغفل جانب الجمال و الإمتاع بما يحقق للنفس الإنسانية الرضا و يتيح لها الاستفادة من الخبرات و المواقف الاجتماعية الهادية بما يعينه على التزود بقيم الخير و الحق و الاستقامة. و تجدر الإشارة أيضا إلى أنه من المضامين التي ينبغي للإنتاج الفني التميز بها في وضعنا الراهن، أن يجمع مطالب النفس الجادة و ما تعيشه من ظروف و أوضاع الكد و التعب و مواقف الصراع مع مطلوبات الحياة و بين طبيعة الإنسان في ميله إلى ساعات من اللهو البريء و الترويح و التسلية و البسمة المعبرة ابتعادا عن مواقف الحزن و الشدة... لذلك كنت و لازلت أعتبر أن الفن سفير للهدى، فأودع فيه كل معاني الشرف و الكرامة الإنسانية و القيم الخيرة الفاضلة بالأسلوب المبهج المتميز. 3. هل يمكن إقحام الهوية والأخلاق في الفن، أم أن ذلك يعتبر تقييدا للإبداع؟ العلاقة بين الفن من جهة و الهوية و الأخلاق من جهة أخرى علاقة فاعلة و متداخلة، على اعتبار أن الفن وسيلة ناقلة لأنماط التفكير و القيم، و بالتالي فهو يساهم و بشكل كبير في خلق جانب من الثقافة الاجتماعية و طريقة حياة أي شعب أو مجموعة معينة. فهي إذن علاقة تبادلية عميقة لا يمكن الفصل بين طرفيها. و أي إنتاج فني يحتوي على جانبين أساسيين في بنائه، الأول يتمثل في قالبه و الثاني في مضمونه، و هكذا فإنه لا يتصور وجود عمل فني في قالب معين دون رسالة أو مضمون مخزون بداخله. و من وجهة نظرنا فإن الحاجة ملحة لتوظيف الفنون جميعا سواء في السينما أو المسرح أو غيرهما توظيفا إسلاميا ملتزما بهدي شرع الله عز وجل، و لاسيما بعد أن أصبح المجال متسعا للدعوة عبر كافة مستحدثات العصر. و حقيقة التزام الفن إسلاميا لا يعني تحويله إلى وعظ (مصطنع) و خطابة دينية (متكلفة)، فالفن فن قبل أن يكون دعوة للخير أو حربا على الشر. و الفنان المسلم أمامه المتسع الفسيح ليغترف من نبع الإسلام دون ضيق أفق أو تحديد خيال، فالإسلام لا يقتصر أمره على العبادة و العقيدة و إن كانتا من أهم ركائزه و لكنه يتميز بالشمول، فهو دين الحياة كلها، و ساحة الحلال فيه واسعة بحمد الله...و إن شئنا مثالا على ذلك فالضوابط التي وضعها الإسلام للرسم و التشكيل مثلا من نهي عن رسم ما فيه روح و غيرها لم يكن تقييدا و لا تضييقا على المبدعين في هذا المجال، بل نشأت لنا من خلال هذه الضوابط فنا غاية في الروعة و الجمال لازال الآخر يقف كثيرا عنده فيتأمله و يقف مبهورا أمامه، ذلك الفن هو فن الزخارف الذي تفنن فيه عقل الفنان المسلم ويده وريشته، وتجلي ذلك في المساجد والمصاحف والقصور والمنازل وغيرها...، ودخل في الزخرفة أيضا: الخط العربي بأنواعه المختلفة... وأبرز ما تجلي فيه الفن الإسلامي إنما كان في العمارة، وقد قال مؤرخو الحضارة إن فن البناء أحسن معبر عن الفن الإسلامي ، وقد ظهر ذلك في روائع كثيرة في أقطار عدة ، لعل أبرزها في الهند: إحدى عجائب الدنيا المتمثلة في تلك الرائعة الهندسية الجمالية : "تاج محل". 4. كيف ترى من يقحم هذا الجانب في الفن؟ لا مراء في أن موضوع الفن موضوع في غاية الخطر والأهمية، لأنه يتصل بوجدان الشعوب و مشاعرها، و يعمل على تكوين ميولها و أذواقها، واتجاهاتها النفسية، بأدواته المتنوعة والمؤثرة، مما يسمع أو يقرأ، أو يرى أو يحس أو يتأمل...لذلك فإن إقحام هذه الجوانب في الفن يظل أمرا ضروريا و ملحا، و على كل فنان أن يسعى إليها، و يجعلها نصب عينيه في كل إنتاجاته الفنية. و لا ننسى أن الاتجاهات الفنية في هذا المسار لا تخلوا أن تكون واحدة من اثنين: الأولى منهما تأثرت بالإنتاج الفني الغربي القائم على تيارات فكرية مادية، تقوم على معاداة واضحة للقيم الروحية و المبادئ الدينية و ذلك انطلاقا من تجربة الغرب مع الكنيسة، وهو فن متجرد تماما من كل مظاهر الالتزام الأخلاقي و المثالي، فتراه دائما يلهث خلف تحقيق مطالب الجسد و المادة. أما الثاني فهو على خلافه تماما، فهو يسعى إلى تزكية النفس و إشباع متطلبات الروح و النفس الزكية... لذلك و كما سبقت الإشارة كان لزاما على الفنان المسلم أن يخوض في هذا المجال فهو بذلك على ثغر من ثغور الإسلام. 5. في نظركم، هل يقتصر الفن فقط في معالجة المسائل العاطفية، أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى مواضيع أخرى؟ أبدا، إن هذه الرؤية المقزمة للفن هي ناتجة عن الاحتكاك بالتيار الذي سبق و أن اشرنا إليه وهو تيار الدعاة إلى التحلل و التفسخ و التحرر من كل أنواع القيود و الضوابط الأخلاقية، فهم بهذا النهج أصحاب فراغ عاطفي قاتل يجعلهم دائما في بحث مستمر عن ما يملأ ذلك الفراغ... كما تسرب هذا الفهم الضيق للفن إلينا نحن كعرب و مسلمين خلال عصور الانحطاط التي فتكت بالأمة و مزقتها شر ممزق. فالفن و إن كان جوهره هو الشعور بالجمال و التعبير عنه باستثارة عواطف المتلقي، فإن العاطفة ليست هي الموضوع الأول و الأخير و الوحيد الذي يشغله حيز الفن، بل إن الفن يرافق الإنسان في جميع جوانب حياته، لذلك فهو يجعل من كل مواضيع حياته موضوعا له يشتغل عليه ليقومه و يوجهه إلى طريق الجادة، فالمواضيع العاطفية و العقلية و المادية ... كلها تشكل موضوعا للفن يبث فيها بطريقته الخاصة الممتعة و المبهجة و المؤثرة أيضا. و لعل هذا من أبرز الفوارق التي قد توجد بين الفن الملتزم و غيره. 6. هل يقتصر دور المرأة في الفن فقط على الإثارة؟
إن دور المرأة في المجال الفني هو كدور الرجل تماما، فإن ساوى الشرع بين النساء و الرجال في الأحكام، فهن شقائق الرجال في الفن أيضا، فللمرأة دور الفكر و التوجيه و التنظير أيضا و كذا الإنتاج و الإبداع... و لنا في سيرنا عظيمات استطعن أن ينافسن الرجال في مجالات عدة منها ما هو فني و منها ما هو غير ذلك، فخذ على سبيل المثال فن الخطابة، فقد برزت فيه نساء خطيبات أجدن في القول و برعن فيه، و لا يخفى على أحد ما يحتاج إليه هذا الفن من قوة الشخصية، و بلاغة الأسلوب، و رشاقة التعبير، و نبالة الأفكار... و من تلك الخطيبات اللائي أثر عنهن من المواقف ما لم يضن التاريخ الأدبي بتسجيله لهن: "عكرشة بنت الأطرش" و "الزرقاء" و "الخنساء" و "صفية بنت هشام" و غيرهن ... و قد أجري إحصاء في أحياء قرطبة أيام ازدهار الخلافة بها فوجد أن 170 إمرأة يجدن الخط الكوفي و يكتبن به المصاحف، بل وجد في تاريخنا عائشة القرطبية (400 ه ) التي كانت إحدى كاتبات المصاحف المشهورات... هذا في الفن أما إن شئت في غيره فأمثلته مما لا يسعنا ذكره أبدا، بل يحتاج إحصاؤه إلى مجلدات و دراسات خاصة به. و هكذا يتضح لنا أن دور المرأة ما كان أبدا مقتصرا على الإثارة و الجسد أبدا، بل هي كالرجل تنعم بالمشاركة الفكرية و العملية أيضا... 7. كيف تفسرون إذن اختزال المرأة في صوت وجسد ، بعيدا عن رأيها وفكرها وشخصيتها؟ كل من اعتبر أن دور المرأة في المجال الفني لا يتعدى الإثارة قد أهانها و احتقر من قيمتها و نظر إليها النظرة الدونية التي يتهم بها الإسلام في غالبية الشبهات الموجهة إليه، فدور المرأة في الحياة عموما أكبر من ذلك، و للأسف الشديد كرست و لازالت تكرس وسائل الإعلام هذا المفهوم. حتى صار من الصعب لدى الكثير من المتلقين تصور وجود امرأة في عمل فني بعيد عن التوظيف. 8. ما رؤيتكم لفن الإنشاد، ألا تعتبرونه رتيبا ومملا، وتكرارا واجترارا لكلمات سبق التطرق إليها في العديد من المناسبات؟ ما دمنا ننظر للفن الغنائي بعين "النشيد الإسلامي" الذي كان وليدا للحركة الإسلامية، فإن قالبه و معانيه و بلا شك ستكون كما ذكرت، متسمة بالرتابة و الملل، و تكرار و اجترار المعاني السابقة... و هذا كان في البدايات الأولى لنشوء و ظهور (الغناء) داخل الوسط الإسلامي تحت مسمى النشيد، و استمر إلى حدود أواخر التسعينات. لكن مع تيقظ رواده و نبوغ فكرهم و إدراكهم للرسالية الحقيقية في مجالهم، و التي عليها أن تتسم بجملة من المميزات منها: شمولية الخطاب و عالميته، مما يعني الوصول إلى شريحة أوسع من المتلقين، كل ذلك جعلهم يعيدون النظر في هذا الفن من حيث الكلمات، و الألحان، و الأساليب و الوسائل ... لذلك شهد الغناء الملتزم قفزة نوعية في الآونة الأخيرة، خصوصا مع موجة الفيديو كليب، التي جعلت من التجديد و الإبداع أمرا حتميا لابد ن توفره كمعيار للجودة التي يمكن بها أن يدخل أي إنتاج مجال الإعلام الذي ينبني أولا و أخيرا على المنافسة. و لكن وجب التنبيه في هذا المقام على أمر هو غاية في الأهمية، فمن رواد هذا الفن من اتخذوا التجديد و الإبداع ذريعة لتبرير كثير من المواقف التي قد لا تتوافق مع الشريعة، متناسين في ذلك القواعد التي تحكمنا ضمن شريعتنا السمحة، فالغاية لا تبرر الوسيلة، فلابد من الوسيلة في كل حالاتها أن تكون مباحة في أصلها و في عوارضها المصاحبة لها.. 9. ما الإضافة التي يضيفها فنكم؟ تقديم الفن بكونه مصلحا و دالا على الطريق الحق للنهوض بالذات و الوطن و الأمة، فكما سبق الذكر فالفن سفير للهدى، نودع فيه كل معاني الشرف و الكرامة الإنسانية و القيم الخيرة الفاضلة بالأسلوب المبهج المتميز. فنحقق بذلك جانب الجمال و الإمتاع بما يحقق للنفس الإنسانية الرضا و يتيح لها الاستفادة من الخبرات و المواقف الاجتماعية الهادية بما يعينه على التزود بقيم الخير و الحق و الاستقامة. و لعل هذا هو ما يميز حياة المسلم التي لا تخلوا من الجدية و المسؤولية، و في نفس الوقت بالنشاط و الحيوية و الاستمتاع و إرواء الروح بما تحتاجه من تغذية.