وأنا منشغل بهموم هيئتي ( هيئة التفتيش ) التي أنتمي إليها، وهي هيئة مغضوب عليها لأنها مدخل لتصحيح مسار الإصلاح التربوي، وجدت يدي تستقبل نسخة مصورة من مقال منشور في إحدى الصحف الوطنية هدية لي من أحدهم، عبارة عن قراءة قانونية للمرسوم 2.04.403 صادر في 29 من شوال 1426 الموافق ل: 2 ديسمبر 2005 المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5394 المؤرخة في: 10 محرم 1427 الموافق ل: 9 فبراير 2006 الخاص بتحديد شروط ترقي موظفي الدولة في الدرجة أو الإطار. وهو مرسوم بني على ديباجة قانونية مكونة من ظهير شريف وثلاثة مراسيم. وبالرجوع إليها لم نجد ترقية موظف إلى درجة أو إطار لا يتضمنه سلكه الأساسي، وما استثناء الموظفين الخاضعين لأنظمتهم الأساسية إلا دليل على إخراجهم من هذه الشروط حتى تتم ترقيتهم وفق شروط أنظمتهم الأساسية الخاصة بهم. وبالتالي فعلينا أن نميز بين موضوعات القوانين والقواعد القانونية. حيث موضوع هذا المرسوم هو تحديد الشروط اللازمة لترقية الموظف في درجته وإطاره الذي يحدده له القانون الأساسي الخاضع له والتابع إليه. وليس موضوعه إحداث درجات وإطارات جديدة لا تتضمنها القوانين الأساسية. وعليه فهو لا يلغي الدرجات أوالإطارات المتضمنة في القوانين الأساسية أو يعدلها. وإنما يلغي الشروط التي تخالف الشروط الجديدة التي أتى بها والموجودة في تلك الأنظمة الأساسية، وبالتالي فعبارة : ( تنسخ ابتداء من نفس التاريخ جميع المقتضيات التنظيمية المخالفة المنصوص عليها في مختلف الأنظمة الأساسية ) يجب قراءتها على وجهها الصحيح، وهي المقتضيات التنظيمية التي تحدد الشروط الواجب توفرها في الموظف من أجل ترقيته في درجته وفي إطاره الأساسين، وليس ترقيته إلى درجة أو إطار لا يقره ويؤسسه قانونه الأساسي المنتمي إليه. ومنه فإن القول بترقية موظف من السلم 11 إلى خارجه أو من السلم 9 إلى 10 مثلا، وقانونه الأساسي لا يسمح بذلك هو قول متوسع في قراءة النص ويحمل النص القانوني ما لا يحتمل، وبالتالي فهي قراءة قانونية خاطئة. ولهذا يجب قراءة النصوص القانونية في إطارديباجتها القانونية والتشريعية المؤسسة لها. وعليه؛ وانطلاقا من هذا الالتباس أدعو القانونيين المختصين في القانون الإداري توضيح هذه النقطة لعموم الموظفين حتى لا يدخلوا في ترويج الإشاعات بدون علم، ولا ينتظرون مستقبلا هو واقعيا وبحكم القانون غير وارد إلا في بعض القراءات غير السليمة للنصوص القانونية.ومنشأ هذا الالتباس هو عدم التدقيق في طبيعة ونوع القاعدة القانونية؛ حيث نجد هناك تصنيفات عديدة للقاعدة القانونية. لكن أجمع خبراء القانون على التمييز بين نوعين من القواعد القانونية، وهما: 1 القاعدة القانونية المنشأة أو المؤسسة للشيء ( حق، التزام، أمر، هي... )، ونضرب لها مثالا: فالمادة 14 من الباب الأول من الجزء الثاني من المرسوم 2.02.854 ( 1423/2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية ؛ تعتبر قاعدة منشأة لأصناف أساتذة التعليم الابتدائي على ثلاث درجات هي: الثالثة والثانية والأولى، وهي تقابل الجدول رقم 4 الذي يعطيها السلالم ( غير مفصح عنها في المرسوم المذكور ) 9 و 10 و 11. وهنا أثار انتباهي كيف أوقع المشرع حيفا في حق هذه الفئة من نساء ورجال التعليم وبمباركة النقابات التي صادقت على ذلك المرسوم؟! حيث خص المشرع هيئة التدريس للتعليم الثانوي التأهيلي بالجدول 3 وهو يتكون من الدرجات الثانية والأولى و الممتازة. وضمن الدرجة الأولى ( السلم 11 ) عشر رتب ورتبة استثنائية، يستطيع الأستاذ/الأستاذة ولوجها بعد الرتبة 10 مباشرة؛ في حين ضمن الدرجة الأولى لهيئة التدريس الابتدائي 13 رتبة. بزيادة 3 رتب على الدرجة الأولى الخاصة بالثانوي التأهيلي، تستغرق تسع سنوات لدخولها. بمعنى أن أستاذ/أستاذة التعليم الابتدائي يتأخر عن زميله في الثانوي التأهيلي تسع سنوات حتى يحصل على الرتبة13 التي يقابل رقم استدلالها رقم استدلال الرتبة الاستثنائية ( 704 )! وهنا أجد منطقيا التساؤل: هل هناك من أسباب موضوعية أو قانونية تبرر هذا التفاوت؟ أم هناك تفسيرات أخرى يمكن الإدلاء بها؟ فإذا كان البعض يرى ذلك امتيازا؛ فحقيقته أنه حيف مصادق عليه من النقابات التي يجب أن تسعى إلى وحدة نساء ورجال التعليم العضوية والقانونية والتشريعية والمادية والمالية والمعنوية!؟ ...2 القاعدة القانونية التنظيمية/ المنظمة/ النظامية ( هناك اختلاف في هذه التسميات عند بعض مجتهدي القانون وعند البعض الآخر فهي مترادفة ). وهي قواعد تعمل على تنظيم تفصيلات وإجراءات تطبيق تلك القواعد المنشأة. وبالتالي فقد أحالت المادة 14 المذكورة سابقا ترقية هيئة التدريس بالابتدائي من رتبة إلى أخرى ومن الدرجة الثالثة والثانية على المرسوم 2.62.344. الصادر في 15 صفر 1383 الموافق ل 8 يوليو 1963 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2648 ( 1383/1963 ) الخاص بتحديد سلالم الأجور وشروط ترقي موظفي الدولة في الرتبة والدرجة؛ مع مراعاة المادة 102 من المرسوم رقم 2.02.854 ( 1423/2003) السابق ذكره، والتي تحدد مدة الترقي بعد الرتبة العاشرة في الدرجة الأولى ( السلم 11 ) في ثلاث سنوات لكل رتبة ( الرتبة 11 و 12 و 13 ). وأما المادة الرابعة من المرسوم 2.62.344 فتبين مدة الترقية من رتبة لأخرى حسب الامتياز ونصفه والأقدمية، حيث يستغرقالموظف في الترقية من الرتبة الأولى إلى الرتبة العاشرة مدة 21 سنة بالامتياز وبنصف الامتياز يستغرق مدة 26 سنة، وبالأقدمية يستغرق 30 سنة. وبإضافة 9 سنوات فبالامتياز يستغرق 30 سنة. ومنه فإن المرسوم رقم 2.04.403 ( 1426/2005 ) بتحديد شروط ترقي موظفي الدولة في الدرجة أو الإطار هو مرسوم تنظيمي وليس مرسوم منشأ للرتب والدرجات ( السلالم ورتبها ). وهو بذلك لا يتيح لهيئة التدريس بالتعليم الابتدائي ولا بالتعليم الثانوي الإعدادي الترقي إلى خارج السلم. وإنما ينظم الشروط فقط التي تعتمد في ترقي الموظف في رتبته وإطاره. فمن كان قانونه الأساسي يخول له الترقي إلى خارج الإطار فهو كذلك أما إذا كان لا يخول له ذلك فلن يرقى إلى خارجه.وأما عبارة ( تنسخ ابتداء من نفس التاريخ جميع المقتضيات التنظيمية المخالفة المنصوص عليها في مختلف الأنظمة الأساسية ) فهي تتعلق بالشروط فقط كما مر سابقا؛ وسأضرب لذلك مثالا: إن المادة 100 من المرسوم رقم 2.02.854 ( 1423/2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية تستثني من مقتضيات المادتين 98 و99 تحديد نسبة الترقية بالاختيار والامتحانات المهنية خلال الثلاث سنوات الأولى من صدور هذا المرسوم ( 2.02.854 ) في الجريدة الرسمية وفق مضامين الجدول التالي:السنةنسبة الترقي بالاختيارنسبة الترقية بالامتحانات المهنيةالسنة الأولى15%7%السنة الثانية14%8%السنة الثالثة13%9%فهذه المادة التي تحدد هذه النسب الخاصة بالترقي بالاختيار وبالامتحانات تلغى بموجب المادة السابعة المشار إليه في المرجع رقم 3. وهي مادة ألغيت بحكم استنفاذ الزمن المخصص لها. فلو فرضنا أنها مازالت سارية المفعول فإن هذا المرسوم سيلغيها، ويحدد نسبة الترقي بالاختيار وفق الشروط المحددة ضمنه في نسبة 11% أو في حدود نسبة 22% ( انظر المادة 4 من المرسوم المذكور ). وحدد نسبة الترقي بالاختبار في 11% ( انظر المادة 3 من نفس المرسوم ). بل إن هذا المرسوم ألغى المادة 100 المذكورة سابقا التي تحدد نسبة الترقي بالاختيار في:15 % و14 % و13 %؛ بموجب المادة السادسة منه التي تقول : ( استثناء من مقتضيات المادة 2 أعلاه، يتم الترقي برسم سنوات 2003 و2004 و2005 حصرا بالاختيار بعد التقييد في جدول الترقي في حدود 22% من عدد الموظفين المتوفرين على الشروط النظامية المطلوبة المشار إليها في المادة 4 أعلاه ) . وهذه المادة تتماشى نسبتها مع نسب المادة 99 من المرسوم رقم 854 ( 1423/2003) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية.ومنه يتبين أن القراءة القانونية يجب أن تنضبط لأبجديات الثقافة القانونية حتى لا تأتي بشطحات فكرية تسبب إشاعات غير علمية ولا منطقية. تفضي إلى وهم الأشياء دون وجودها الحقيقي. وفي بابه أرجو من أهل الاختصاص القانوني مناقشة قراءتي بما يفيد تأكيدها أو نفيها عن خبرة ودراية. حيث توجد القوانين بين أيديهم. علما أنه لم يبق سوى بضع سنوات ( 2 ) ويستوفي بعض عضوات وأعضاء هيئة التعليم الابتدائي المرتبين في الرتبة السابعة من السلم 11 الخمس السنوات من الخدمة في درجتهم، ونرى هل سيرقون إلى خارج السلم وفق المرسوم رقم 2.04.403 ( 1426/2006) وحسب المادة الرابعة منه؟!وما حز في نفسي وآلمني هو أن هذه القراءة موجهة بالدرجة الأولى إلى هيئة التدريس وكأنها لا تملك القراءة القانونية الواعية والناقدة!؟ وهي التي تؤسس الفكر الناقد عند المتعلم. وإنما تعتبرها مساحة مباحة لتداول الإشاعة التي تطفئ جذوة النضال من أجل فتح آفاق الترقي إلى خارج السلم. فإن كان البعض من الهيئة تداول هذه الإشاعة وهذه القراءة الخاطئة فقد جعل التساؤل ينبري أمامه عن دوره العلمي في الفعل التعليمي؟! وعن موقع ما يدرسه للمتعلمين من أنشطة بانية للفكر الفلسفي والنقدي ؟!... وما شد علي حسرتي هو محاولة تمرير هذه القراءة الخاطئة، وهذه الإشاعة على هيئة التفتيش، وكأنها هي الأخرى لا تفقه من النقد والقراءة الواعية النافذة إلى عمق الأشياء ما يحول دون اكتشاف التباسات القراءة؟! وكأنها لم تتلق تكوينا في القانون بما يسمح لها بمعرفة ما القانون وما مجاله وما موضوعه وما قواعده...!؟ فهي تريد أن يصادق عليها بعض هيئة التفتيش حتى تجد لها سندا في التمرير على الموظفين. لكن فإذا ما وجدت افتراضا من يروجها منهم؛ فإنه تقف أمام فكري وتفكري مجموعة من الأسئلة تفيد: ما دور جهاز التفتيش في مثل هذه الحالات؟ أليست القراءة الواعية والناقدة منوطة به؟ بما امتلك من أدوات منهجية وكفايات مهارية؟ وبما يمتلك من تكوين في المادة القانونية بل منه من تخصص في القانون ويحمل شهادة الدكتوراه فيه؟! أيضرب كل عرض الحائط حتى يحشر الهيئة في زاوية حادة؟!... إنه نقد ذاتي استباقي يجب أن نوجهه لأنفسنا قبل غيرنا؛ حتى لا يقال أن جهاز التفتيش صادق على تلك القراءة وزكى تلك الإشاعة؟! ...وعليه أرجو من مكونات نظام التعليم استحضار النظرية النقدية ومجموعة من الاستفهام أمام أية قراءة بما فيها قراءتي هذه حتى لا تشيع فينا الإشاعة التي تقوض مهامنا وتطرح عليها ألف سؤال أمام الرأي العام، والبحث فيها بأدوات تنسجم مع مادتها حتى يتبين خطؤها من صوابها، بما فيها قراءة النصوص الأدبية.وإني وأنا أكتب هذه الورقة لألتمس من صاحب القراءة الأخرى المعذرة، فأنا لم أقصد إلا التصحيح من أجل أن يكون لدينا تعليم أساسه العلمية والنقد البناء والمنطق والحقيقة. فأعتذر ثانية منه ومن الجميع وعفوهم فوق جرأتي. وله مني التحية على إثارته الموضوع. وشكرا جزيلا لكل قارئ ساهم في مناقشة هذه النازلة القانونية. والسلامعبد العزيز قريش