إبراهيم مغراوي اسيف /براهيم مغراوي صدر أخيرا قرار أممي ينتصر للمغرب، و كشفت الأقدار التوظيف اللامهني و المتحيز للأحداث من طرف الإعلام الإسباني و الجزائري، و أوضحت قوانين التاريخ تلاعب المنظمات و الدول الطامعة في خيرات البلاد و العباد ممن لا زال حنين الوصاية يزكم خياشيم أنوفهم بكل القوانين الدولية، و تلقت من جهة أخرى جبهة الوهم صفعات مؤلمة و فشل ذريع، و لكن يبقى سؤال المسؤولية عن هذا الحد ث المؤلم و الذي نحن بمنأى عنه طارحا لنفسه، بعد ما تحقق من تقدم حقوقي و تنموي غرز شوكة في حنجرة الجارة الراعية لجمهورية اليأس، و نقط إيجابية في ملف مصطفى سلمى ولد مولود، لنعود إلى نقطة الصفر، بفعل تدبير لاعقلاني و يفتقر إلى الحس السياسي و ثقافة التدبير الترابي الناجح من طرف المسؤول الأول عن مدينة العيون و الجهة. أقول أن عامل الإقليم و عاصمة الصحراء المغربية، يبقى المسؤول الأول بامتياز عن ما وقع يوم الاثنين الأسود، لأن الرجل سبق أن قام بتدبير الملف الترابي لإقليم طانطان، و تمكن في ظرف وجيز من قطع دابر الخيام التي كانت تخيم أمام عمالة المدينة المذكورة، و قضى على كل بؤر التشويش التي كانت تحمل طابعا اجتماعيا، لتستفيد منه لوبيات حالة اللاحرب و اللاسلم، من المسؤولين و الأعيان، حيث أن كل الصناديق التي رصدت للجفاف و غيره يتم استنزاف معظمها في إرضاء و تدليل فئة الخمول و الاغتناء الفاحش و المجاني، على حساب تنمية الإقليم، مما يعني أن سياسية الاعتماد على الأعيان لضبط المنطقة باءت بالفشل، كما المقاربة الأمنية، و هذا يدفعنا إلى القول بأن الوضع اليوم يفرض اعتماد مقاربة جديدة، و تكوينا للمسؤولين الإداريين يساير هذه المقاربة. فقدت كشفت الوقائع التي عرفتها عاصمة جهة الساقية الحمراء، منذ أكتوبر الماضي، أن هناك خريطة مختلة لوضع اجتماعي يستفحل يوما بعد يوم، وأن مسارات التنمية المنتهجة لم تنتج القيمة المضافة المنتظرة منها ، فتولد عن ذلك انسداد لآفاق الشغل والسكن ... و بالرجوع إلى الذاكرة القريبة المدى نلاحظ أن نفس المنطق كان وراء أحداث سيدي افني، و بالانتهازية نفسها استغلت جمهورية الوهم الموضوع و جعلته نقطة ضمن جدول أعمالها، و استثمرته بشكل ما من الأشكال، مما يعني أن هناك نقط ضعف في التدبير الترابي لهذه المنطقة و باقي مناطق المملكة، و هكذا وجب التفكير في أن إكسير هذا المناخ السلبي يتمثل في ما قررت العشرية الماضية أن تكرسه كثقافة و سياسية تتسم بالحرية و مقاربة المواطنة، و إصلاح القضاء، و بلغة الفكر السياسي، لا بد من منطق جديد في التعامل مع الشأن العام للأقاليم الصحراوية، يتجاوز لغة الاستثناء، و ينتقل إلى تطبيق لغة القانون و العدل، حتى يتم اجتثاث جيل التواكل و منطق الأعيان الذي استنفد مفعوله و دوره الاجتماعي و السياسي في تدبير المنطقة.لأن من وراء حالة التذمر بالأقاليم الصحراوية كما أشرنا إلى ذلك، اختلال خريطة الوضع الاجتماعي، فالتمييز في المكتسبات والامتيازات، وسع الهوة بين فئات بشرية، وخلق «طبقات» اتجهت العلاقة بينها إلى احتقان صامت وجد في إبداع أشكال احتجاجية، متنفسا له. لكن بالمقابل اصطدم بمقاربات لاتملك من طرق التعامل سوى لغة إدارية بيروقراطية تستند في أحيان كثيرة إلى القوة، أو لنقل بصريح العبارة القمع ، والتلكؤ في إيجاد الحلول لمطالب اجتماعية منطقية وعادلة، و اعتماد منطق المحاباة للأعيان و اقتصاد الريع مما ولد من جهة جيلا متقاعسا و متواكلا و جيلا آخر مستغلا للوضع. وهكذا فالأمر يفرض التعجيل بتغيير المنهج المعتمد، من حالة الاستثناء إلى حالة المواطنة، التي لا تقبل المساومة و لا هدر الكرامة، و بها يمكن حل مشكل القبلية السائد بالمنطقة الصحراوية و الذي يشكل لغما نائما يمكن أن يعرقل أية تنمية وأي بناء مؤسساتي، و لعل الحفر في تاريخ ذلك يعود بنا إلى ما عرفته مدينة طانطان خلال انتخابات سنة 1997، حيث طالبت قبيلة أيت أوسى بمقعد في الغرفة الثانية، بعدما فازت قبيلة أيت لحسن بالغرفة الأولى و الثانية، مما شكل سلوكا غير عقلاني بلغ ذروته باعتصام القبيلة الأولى و تنظيم مخيم خارج طانطان، انتهى بالإخلال بالنظام العام، و تدخل القوات العمومية. من هنا فما وقع في العيون هو استفزاز لجميع المغاربة. ففي غمرة الاحتفالات بالمسيرة الخضراء والتي عرفت تصحيحا للتاريخ وطرد المستعمر من أراضي المغرب، أراد أعداء وحدتنا الترابية خلق الفتنة وضرب التاريخ. كل هذا يجعلنا اليوم نقف على الأخطاء التي يجب تداركها حتى لا نعطي الفرصة للمتربصين، من خلال وضع الآليات المؤسساتية المسؤولة لكي نبلور على أرض الواقع الأوراش الهيكلية الكبيرة للمغرب، و ثتبيت ثقافة الحكامة الجيدة المسؤولة التي يجب أن تكون في صلب الأولويات لتجاوز التسيير التقليدي المرتكز على الأعيان والشيوخ. الواقع أن المغرب مطالب باستخلاص الدروس الحقيقية والعميقة لما حصل، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في غياب الرهان على الديمقراطية وتصليب الذات الوطنية،والمدخل الإجرائي لذلك هو لجنة تقصي الحقائق والتي شكلت أحد أعمدة الخطاب الدبلوماسي المغربي، و الحذر من تحويلها إلى مجرد لجنة شكلية لامتصاص التوترات و تلميع صورة المغرب. فالمعركة أكبر من ردود الأفعال، لأن القابعين بقصر المرادية لا يتركون أية صغيرة أو كبيرة تمر دون استثمار ضد مصالحنا، فالمخابرات الجزائرية أو الإدارة العامة للاستعلامات ، لا تترك أي شيء ينفلت من حساباتها، فكل تحول سياسي أو خرجة إعلامية لأي حزب سياسي مغربي إلا ويتم وضعها تحت المجهر ودراستها وفهم حيثياتها وأبعادها. و في هذا الصدد، فإن التصريحات الأخيرة للبرلمانية المغربية المنتمية للحزب التقدم و الاشتراكية كجمولة أبيي لتلفزيون الإسباني غير مسؤولة بتاتا و تظهر بالملموس غياب الحس و الغيرة الوطنية. و توضح أن بعض العائدين يضعون رجلا هنا و أخرى هناك. مما يتطلب تطبيقا حقيقيا لخطاب المواطنة، و التي لا تحتمل وجهين لعملة واحدة. كما يفرض هذا الخطاب لغة المحاسبة لأن ما وقع بمدينة العيون يدخل في إطار الأخطاء القاتلة التي لا يمكن معالجتها بسهولة و هو ما أثبتته التجربة الحالية، حيث استنزفت أخطاء المسؤول الأول عن الإقليم كل طاقة الجهاز الحكومي و الدبلوماسي و البرلماني و الشعبي، في وقت كان كفيلا بهذه المجهودات أن توجه لملفات أخرى. إن مقاربة الدولة للتدبير الترابي لمنطقة الصحراء المغربية تتطلب اعتماد عقلا إداريا منفتحا و واعيا بالشروط الثقافية و الاجتماعية للمنطقة، مما يشكل حجرا أساسا في بناء دولة المؤسسات التي انخرط فيها المغرب. و لقد شكل تعيين الوالي الجديد اختيار يحمل دلالات كثيرة، أهمها أن الاختيار يقوم على القراءة العقلانية للمنطقة و الظرف السياسي و الاقتراح المغربي القائم على الحكم الذاتي، و الذي أربك الجارة الجزائر التي تعاني من عقدة التاريخ و الجعرافيا، لذا فما حدث أخيرا يوم الاثنين الأسود لا يمكن إلا أن يكون فرصة لبناء القراءات الدقيقة لكل الخطوات المرتبطة بالصحراء المغربية، و أهمها هو الفقه التشاركي للمواطن الصحراوي في تدبير الشأن العام للمنطقة، دون استثناء أية قبيلة مهما كان حجمها ووزنها مما سيساهم في بناء مفهوم المواطنة الحقيقي.