تعتزم الدولة خلال الأيام القادمة إطلاق الشطر الثالث من تفويت أراضي صوديا وسوجيطا وبعض أراضي الملك العمومي الفلاحية الأخرى المسيرة لحد الآن من طرف إدارة الأملاك المخزنية و بعض المؤسسات العمومية كالمكاتب الجهوية للإستثمار الفلاحي وتصل مساحة هذا الشطر حوالي 21 ألف هكتار.وتأتي هذه العملية في إطار مسلسل تفكيك شركتي صوديا وسوجيطا والتخلي عن المهام الفلاحية الإستراتيجية التي كاتنا تقومان بها (أو من المفترض أنها تقومان بها) في مجال إستغلال الأراضي الفلاحية وتنمية الفلاحة المغربية والإنتاج الفلاحي (البذور، الشتائل، الإنتاج الحيواني....) وإنسحاب الدولة من تدبير أراضي الملك العام الفلاحي لصالح القطاع الخاص إن دافع كتابة هذه السطور، هو ما أصبحت تمتلأ به مؤخرا العديد من الجرائد،(آخرها ما ورد في جريدة أخبار اليوم العدد 92 ليوم الأربعاء 24 مارس 2010) حول ما عرفته وتعرفه هاتين الشركتين، وهو أمر فضلا عن كونه تنقصه الكثير من الدقة في جوانب عدة ، فإنه يحتوي على الكثير من الأفكار الخاطئة، حتى لا نسميها مغالطات، لإفتراضنا حسن نية كاتبيها، بالنظر لما يعرفه هذا المجال من ضعف إهتمام الباحتين والمختصين النزهاء وليس الكتبة تحت الطلب ( ولا أعني هنا صاحب المقال المشار إليه أعلاه)، المهللين لتحرير القطاع أو ما يسمى بالسياسة الفلاحية الجديدة/مخطط المغرب الأخضر.ومن ثمة خطورة تأثير هذه الكتابات في صياغة الرأي العام.كما أن تناول هدا الموضوع،يدفعنا بداية،بالرغم من اختلال موازين القوى لصالح الرأسمالية المتوحشة، للإشارة إلى ضرورة إثارة المسألة الزراعية في شموليتها والإصطفاف إلى جانب الدعاة إلى حلها حلا شعبيا ديمقراطيا عبر إصلاح زراعي،ينهض بأوضاع البادية المغربية و يحررر العمال الزراعيين من الإستغلال الرأسمالي ويمكنهم من تسيير تعاونياتهم ويثبت الفلاحين الكادحين على الأرض ويحسم في توزيع الملكية العقارية الفلاحية، ويوجه الفلاحة المغربية وينهض بها تقنيا وعلميا حتى تضمن السيادة والأمن الغدائيين لشعبنا.إن كل المبررات التي يتم تقديمها لتبرير ما آلت إليه شركتي صوديا وسوجيطا مبررات واهية، بدءا بالجفاف المتوالي وآثاره على مردودية الشركتين... وصولا إلى ضياع الأموال التي ضختها الحكومات المتعاقبة في الشركتين على أمل إنقادها وغياب الرقابة... إلى آخره، هي مبررات واهية وينقصها جميعها حلقات للربط المنطقي حتى يستقيم منطق تعميم عمليات التفويت هذه التي شملت أراضي صوديا وسوجيطا، على جزئ هائل من أراضي الملك العام الفلاحي ( حوالي 8,7 مليون هكتار من الأراضي الفلاحية كما جاء على لسان مدير وكالة التنمية الفلاحية) ولا تفوح منها سوى روائح مشبوهة، حيث السؤال حول ما يمكن أن يكون دافعا لأحد أطر الدولة في دعوته لتمليك هذه الأراضي للمستثمرين الفعليين أو المفترضين، حتى من الأجانب بالرغم من تجميد مشروع القانون الخاص بهذا الشأن في البرلمان مند 1996 تجميد يعلم المتتبعون كيف جاء نتيجة نضال الحركة التقدمية ببلادنا .وللتذكير فقط حيث يمكن الرجوع إلى العديد من الكتابات النقابية والسياسية الجادة فإن مشاكل التسيير التي كانت تعرفها صوديا وسوجيطا و الأزمة المالية الخانقة التي كانتا تعيشانها، جميعها مشاكل وأزمات مفتعلة.فهل كان صعبا على الدولة لأزيد من ثلاثين سنة،أن تقول كفى وتحاسب المسؤولين عن تدبير مؤسستين تابعتين لها تفوح منها رائحة الفساد وسوء التسيير؟هل كان صعبا على الدولة ضخ الأموال اللازمة داخل الشركتين للنهوض بالإنتاج وتكثيفه، ولتجاوز أزمتهما المالية؟هل كان صعبا كذلك على الدولة محاربة الفساد وهدر المال العام الذي كان يميز التسيير لعقود داخل الشركتين، والذي تحكمت فيه ثلة معروفة من المفسدين (إنما كان التواطؤ مفضوحا)؟هل كان صعبا على الدولة تمليك العقار للشركتين، أو جزئ فقط مما كانوا يسيرون من عقار، وتمكينهما بذلك استغلال أطرهما على نحو أفضل و القيام باستثمارات كبرى طويلة الأمد والحصول على التمويلات الضرورية والمهمة من الأبناك التي تشترط لذلك ضمانات من هدا النوع؟ويمكن إضافة العديد من الأسئلة الأخرى المحرجة، لكن الأكيد هو أنه لم تكن لدى الحاكمين أية إرادة سياسية لمعالجة مشاكل الشركتين الفعلية ومحاربة الفساد وسوء التسيير الذي كان ينخرهما، وإنما استعملت هذه المشاكل وتلك الأزمة كمبررات لإعلان عجز الشركتين وإفلاسهما.فحتى عملية المغادرة الطوعية التي نظمت في الشركتين منذ سنة 2003، وخلافا للمؤسسات والقطاعات ذات الطابع الإداري أو ما شابه، فهي فضلا عن كونها إهدار للمال العام ومكافئة مغلفة لؤلئك المدراء والمسؤولين على تدهور الشركتين ( وهذا رأي لا أدعو أحدا لمشاطرتي إياه) فهي تفقد أصلا لما يسندها منطقيا، داخل مؤسستين هما عبارة عن شركتين فلاحيتين إنتاجيتين، يرى الجميع الآن كيف يتنافس الخواص، الذين لا يتوفرون حتى على ثلث مؤهلاتهما،على أراضيهما. فضلا عن كونها مجازفة بمصير الأطر المتوسطة والصغرى والشباب الذين لن يكون مصيرهم ومصير عائلاتهم سوى الظلام وآلام التشرد بعدما يغادرون عملهم مغادرة تطويعية سميت زورا وبهتانا بالطوعية.