ظلت نعيمة تواري بطنها عن قريباتها وتتفادى الكشف عن جسدها في حضرتهن، وتوارت عن الأنظار مدة من الزمن، كانت تخطط خلالها للتخلص من الجنين الذي يتحرك في أحشائها، وفجأة ظهرت للعيان وكأنها لم تكن حاملا البتة، وهو ما دفع بعض الفضوليات اللواتي كن يعلمن بحقيقتها إلى إثارة الأمر وتسريب الخبر إلى مقدم الدوار والذي لم يتوان في إخبار مسؤوليه على الفور، وبعد استدعاء الزوجة وبعد عدة مناورات واجهتها بالإنكار التام، تمت إحالته على طبيب خاص حيث تبين المستور وتعرت حقيقتها كاملة، وأكد الطبيب أن السيدة قد خضعت للولادة منذ أمد قريب... زواج فاشلرأت نعيمة النور في أحد الدواوير التابعة لدائرة سيدي بنور، وكأي فتاة من فتيات القرى المغربية، تدرجت عبر عدة مراحل قبل أن تجد نفسها في بيت زوجها وعمرها لا يتجاوز الثامنة عشرة، ولم تكن نعيمة محظوظة في طفولتها بولوجها إلى المدرسة، كما كان حظ قريناتها، بل ظلت تعمل إلى جانب والدتها في أشغال البيت والحقول، إلى أن شبت وأينعت، فتقدم أحد شبان الدوار لطلب يدها، ولم يمض وقت طويل حتى وجدت نفسها في بيت زوجها تتحمل مسؤولية زوجها وعائلته داخل البيت وخارجه حيث كانت مضطرة للعمل في أشغال أخرى، وكان الزوج يعمل بعيدا عن الدوار وكانت ظروفه تفرض عليه الغياب بين الفينة والأخرى...بعد مرور أقل من سنة وجدت نعيمة نفسها حاملا في شهرها الثالث، ولم تمر إلا أشهر قليلة حتى وضعت صبية ملأت البيت صراخا وضجيجا، واستطاعت أن تزرع البسمة في بيت هجرته الفرحة منذ سنوات، وكانت نعيمة سعيدة بشكل كبير ببنتها وكان زوجها لا يقل سعادة عنها، وفي السنة الموالية وضعت نعيمة صبيا ثانيا، ودون أن تدري وجدت نفسها غارقة في أمور البيت وتربية البنت والولد، خاصة وأنها لا تزال عديمة التجربة وهي التي لم يكن عمرها قد تجاوز العشرين ربيعا...استأنست الزوجة الشابة بحياتها الجديدة وكانت لا تدخر جهدا في سبيل إسعاد زوجها وتربية ابنيها أحسن تربية، وبحكم طبيعة الحياة في البادية وصعوبة التأقلم مع الظروف العامة، وجدت نعيمة نفسها مكرهة على مسايرة الإكراهات والإحباطات المتولدة على صعوبة كسب حاجيات أسرتها المادية، وبحكم محدودية دخل زوجها بدأت بعض المشاكل العادية تطفو على سطح حياتهما الزوجية، ويوما عن يوم بدأت الهوة تتسع إلى أن كبر الجفا ووجد الزوج نفسه عاجزا عن مواصلة الحياة مع زوجة اعتبرها تهدف إلى اختلاق المشاكل وإثارة القلاقل التي لا طائل منها، ووصل إلى قناعة ترك المنزل وهجرها مؤقتا لعلها ترجع عن طريقة تعاملها معه، ولكن المدة طالت وأصبح الهجر المؤقت رسميا، مما جعل الزوجة تشكوه للقضاء..زوجة معلقةظلت نعيمة تنتظر عودة زوجها إلى فراشه لمواكبة وتربية ابنيه، وسلكت عدة مسالك ودية اتصلت بوالديه من اجل التدخل لديه وثنيه عما عزم عليه، ولما لم يأت ذلك بأية نتيجة عادت إلى بيت والديها وظلت تنتظر العودة المرتقبة لزوجها، ولما تعبت من ذلك، باشرت ممارسة حياتها بشكل عاد، ومهتمة بتربية بنتها وولدها وخرجت للعمل من أجل كسب قوتها وقوت أسرتها الصغيرة، وكانت مثار اهتمام الرجال، سيما وأنها لا زالت زوجة شابة، تمتلك كل مقومات الإعجاب والإثارة وبحكم أن كل سكان الدوار، كانوا على علم بقصتها مع زوجها ويعلمون أنه هجرها، كان ذلك كافيا لجعلها محط اهتمام كل من يعرفها وظلت مثار تتبع وترقب الشباب على الخصوص، ولم تكن هي تجد إحراجا في الكلام الفاحش الذي كان يشنف أسماعها، بل كانت تجد فيه متعة كبيرة تعوضها مؤقتا، على الحرمان والنقص العاطفي، الذي تعانيه جراء هجر زوجها لها، وكانت تتعمد الظهور بمظهر يثير ويجلب المارة والعابرين، وكثيرا ما كانت تدخل في نقاش مع كل راغب في الحديث إليها، والتقرب منها...ظلت نعيمة مدة سنتين وحيدة وبعيدة عن دفء الفراش، وحميمية النقاش، وكان هناك شاب يصغرها بسنة يسكن بجوارها يتتبع خطواتها ويترقب قدومها، كان يرسل إليها الإشارات من بعيد لبعيد وظلت هي مهتمة به إلى أن حصل أول لقاء وتلته لقاءات عديدة، وحصل الاتفاق وربط معها الاتصال، وكان بمثابة قطرات المطر التي أحيت الزرع بعد طول جفاف، وارتوت أرضها وأينعت من جديد واخضر عودها واستحلت نعيمة ذلك وداومت على اللقاءات التي كانت تتم في سرية تامة إلى أن أحست بدوران ينتابها وتأكدت من وجود كائن حي داخل أحشاءها، دارت بها الدنيا، وبدأت تفكر في حل لمصيبتها التي سوف تخلخل علاقتها بمحيطها الأسري، وتحدثت إلى زارع وواضع البدرة واحتار كما احتارت هي ولكن إلى أين المفر؟ وأد الوليدوإذا الموؤود سئل بأي ذنب قتل؟ لم تجد الأم جوابا بل وجدت في الهروب إلى الأمام سبيلا وسلكت مسلك الإنكار، ولكن أسئلة القائد كانت محرجة ودقيقة جعلت حججها وإنكارها ينهار، مما خلق يقينا شبه تام لدى القائد بكونها قد أقدمت على ارتكاب جناية قتل الوليد وأقدمت على دفنه مع سبق الإصرار والترصد، لم يجد القائد بدا من إحالتها على طبيب مختص في طب النساء بسيدي بنور، حيث أكد أن الزوجة الشابة خضعت لعملية ولادة قريبة جدا، وهو ما جعلها تنهار وتعترف اعترافا صريحا وواضحا..صرحت نعيمة أنها كانت على علاقة مع احد الشبان وكانت تلتقي معه في سرية تامة إلى أن وجدت نفسها حاملا في شهرها الثالث، وحاولت عدة مرات التخلص من الجنين ولكنها لم تستطع على ذلك سبيلا، ولما اقترب أوان وضعها اختفت عن الأنظار مؤقتا، وقررت التخلص من جنينها فور ميلاده، ولما أن أوان ذلك اختلت بنفسها ولكن الصبي ولد ميتا، فخافت من تبعات ذلك وأقدمت على دفنه في أحد أركان المنزل إلى أن وصلت أخبار ولادتها إلى القائد..وبعد أن تم تحرير اعترافها، التحقت الضابطة القضائية بعين المكان من أجل استخراج جثة الصبي وتم إرسالها إلى مصالح الطب الشرعي لمعرفة هل ولد حيا أم ميتا، وفي انتظار الكشف عن ملابسات هذه النازلة لا تزال الزوجة رهن الاعتقال...