كم هي مؤثرة تلك الصور، فقد جسدت معاناة الشعب الفلسطيني في كل مراحله، وكان توثيقها صار عرفا فلسطينيا يحرص الجميع على تسجيله أول بأول، الكل ينظر إلى الصورة، وتبهره المعاني التي تحملها والرسالة التي تأتي بين تفاصيلها وينسى ذلك الإنسان الذي وقف لحظة الخطر بكاميراته ليرسم تلك الواقعة من وراء العدسة، يختصر بها مسافات طويلة، ويكتب فيها ابلغ الجمل ولكن بلا كلمات، هناك كان يقف متحفزا وكأنه جندي في المكان بقي يقظا ليحملنا إلى المشهد أو يحمل المشد لنا ويستحق عن جدارة جائزة أفضل صورة صحفية للعام 2008، انه المصور الصحفي " محمد البابا" الذي كان لنا معه هذا اللقاء. بطاقته التعريفية: محمد البابا من سكان مدينة غزة يعمل مصورا صحفيا بوكالة الأنباء الفرنسية منذ سنوات، عاصر خلالها الكثير من الأحداث، وساهم بعدسته في رصد الكثير من جرائم الحرب الإسرائيلية ، حصل خلال مسيرته على جوائز عدة كان أخرها جائزة أفضل صورة صحفية للعام 2008 من اليابان لطفل مصاب على اثر قصف إسرائيلي استهدف بشكل مباشر زميله المصور التلفزيوني فضل شناعة الذي يعمل في وكالة أنباء رويترز.انجازات رغم الصعوباتوعن الصعوبات التي تواجه عمل الصحفيين داخل قطاع غزة خاصة المصورين منهم يقول محمد: كثيرة هي المخاطر التي نمر بها أثناء تغطيتنا للأحداث بغزة وخاصة إذا عرفنا أن الجيش الإسرائيلي ليست لديه محاذير ولا يضع أي اعتبار للصحفيين ووجوب احترام عملهم وإعطاءهم الفرصة الكاملة لتغطية الأحداث وتحييدهم بشكل كامل وفق الاتفاقيات الدولية، خاصة إننا خلال عملنا نسعى لان نلبس بزاتنا التي تميزنا بين المواطنين وتعرف عن شخصياتنا إلا انه وبالرغم من هذا قام باستهداف عدد كبير منا خلال هجماته المتكررة.وقصة الصورة الفائزة غير بعيدة عن مسلسل استهداف الصحفيين، حيث قامت القوات الإسرائيلية وأثناء توغلها من جديد بالمنطقة الوسطى في قطاع غزة باستهداف الزميل الصحفي فضل شناعة المصور التلفزيوني بوكالة أنباء رويترز، فور نزوله من سيارته لتغطية تلك الأحداث وكنت بالقرب من المكان وكان ظاهرا استهداف احد ما ، لم يخطر ببالي انه زميلي ومع تصاعد الدخان في المكان كنت قد وصلت إلى هناك رغم ما يشكله هذا من خطر حقيقي على حياتي وزملائي الآخرين ،وقمت كعادتي بالتقاط الصور إلى أن اقتربت أكثر من المكان وأتعرف على سيارة فضل وأتأكد من انه كان الهدف لقذائف الدبابات التي رمته أرضا بعدما حولت المشهد من صحفي يغطي الأحداث إلى حدث تقطعت فيه الأشلاء وتفحمت السيارة.الإنسان الصحفي...وحول شعوره أثناء تواجده في مكان الحدث يقول محمد: أنا كأي إنسان اشعر بالخوف وهذا طبيعي، إلا إنني اشعر بان لدي رسالة لابد لي من إيصالها فتواجدي هناك ليس فضولا ، بل هو واجب وطني، فكم هي تلك المشاعر الاعتزاز التي اشعر بها وأنا أوصل صوت شعبي الذي يعاني عبر صورة صامتة تتكلم فيها الألوان، صورة تفيض بالمشاعر رغم جمودها فهذه هي رسالتي وهذا هو عملي.ويضيف محمد: أما أن تحصل صوري على جوائز فهذا شيء جيد ومطلوب واشعر تجاهه بالسعادة لكن الأفضل أن تعرض تلك الصور في كل المحافل ليشعر العالم بما يعانيه الفلسطينيون تحت الاحتلال، وهذا ينعكس بالإيجاب على مخاطرتي التي يكون وقتها لها ثمن يستحق أن أجرب واقترب أكثر مرة تلو أخرى.يحدثنا وهو يهم بإرسال صور جديدة التقطتها عدسته لوجوه ارتسمت ببراءة لأطفال يلهون فوق الأنقاض وعن هذا يحدثنا قائلا: أحب صور الأطفال بشكل خاص فهم محببين إلى قلبي وفي عيونهم تجد اصدق المشاعر، أشياء لم تختلط بقسوة الحاضر، فالفرح في عيونهم يعني فرحا والخوف يعني خوفا بريئا أمام آلة حرب شرسة تدور لتلتهم منه حقه في الحياة ولعل هذا سبب حصول صورتي لطفل في حالة الم وفزع اثر القصف الإسرائيلي أثناء سقوطه من دراجته الهوائية، وهنا يضيف انظر إلى عينيه وأنت تعرف السبب!!عمل صعبوحول عمل المصور الصحفي وقت الحرب يقول محمد: يعتقد الناس أن عملنا هو عمل بسيط وهين يمكن لأي كان أن يحمل كاميرا ويبدأ في التقاط مجموعة من الصور في منطقة كل ركن فيها يتحدث عن معاناة ، ولكن العمل في هذا الجو النفسي الصعب وعلى حافة الموت ليس هينا فنحن نخرج وقتما يلجأ المواطنون إلى بيوتهم، نتجول في الشوارع فرادا عندما يحتمي الجميع بأسرته، خلال عملنا لنا قلوب تفكر في أطفالنا وزوجاتنا، ماذا تراهم يعملون؟؟ فبداخل كل منا إنسان طبيعي يحمل كل المشاعر المتناقضة بين رغبة في الانجاز وخوف مما هو قادم ولكن يبقى الأمل والطموح في أن يقدم الإنسان منا شيئا مفيدا لمجتمعه وان يحقق ذاته من خلال اسمه الذي يصنعه بتعب وعرق وألم هوا ما انظر إليه لكي لا تشغلني المشاعر كثيرا.فرحة منقوصةمحمد الذي علم بأمر جائزته من خلال الموقع الرسمي لوكالته بدا في تلقى اتصالات التهنئة من زملائه في المهنة إلا انه لم يستطع السفر ليستلم جائزته بنفسه وحول هذا يقول: لقد حصلت على جائزة عالمية وفي هذا انجاز لا يقتصر علي بل هي لكل صحفي فلسطيني، ولكني لم استطع السفر لاستلامها بنفسي نظرا للحصار المفروض على قطاع غزة ومنه منع حرية التنقل حتى للصحفيين، فقد استلم الجائزة عني زميل آخر يعمل بنفس الوكالة الإعلامية وابلغني عبر الهاتف عن الاحتفال وتفاصيله، وهذا ما اعتصرني ألما وأكد لي إنني جزء من المعادلة وواحد من أولئك المحاصرين في سجن كبير يعيشون ويحلمون ويحصدون الجوائز إلا أن فرحتهم بإنجازهم ملاحق كما هم ملاحقون!! .