تعميقا للنقاش الدائر حول الحركات الاحتجاجية بالمغرب ،وبغية الانتقال بالنقاش من المستوى الشفوي إلى مستوى الكتابة والتوثيق ،وباعتبار مسؤوليتي داخل التنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ببوعرفة،إحدى أهم التنسيقيات التي حافظت على استمرارها إلى ألان، في وقت تراجعت فيه اغلب التنسيقيات ،أود أن أساهم بهذه الورقة المتواضعة في أفق إنضاج نقاش جدي، للدفع بتنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار بالمغرب قدما إلى الأمام، لتتجاوز هذه الكبوة المفتعلة والتي لن تخدم في نهاية المطاف إلا من لهم مصلحة في تأبيد عوز وفقر شعبنا . . 1- سياق الميلاد : إن الشعب المغربي هو شعب خلاق ومبدع ،ففي كل لحظة تاريخية، إلا ويبتكر أساليب جديدة للمقاومة الشعبية ، لمواجهة أعدائه الطبقيين . وللاحتجاج ضدا على استغلاله أو لفضح قمع الحريات، فإذا كان الشعب المغربي قد ابتكر لجان مناهضة القمع في بداية السبعينات، لفضح ما كان يتعرض له المناضلون والقوى التقدمية من قمع وتنكيل ،فانه ابتكر لجان التضامن للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين في بداية التسعينات بعد المحاكمة الشهيرة للقائد النقابي محمد نوبير الأموي.وفي سنة 2006 وفي غمرة ومعمعان الصراع الطبقي الملتهب بين المستغلين(بفتح الغين ) والمستغلين (بكسر الغين) ابتكر هذا الشعب العظيم تنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية، والتي لا احد ينكر أنها تشكل إضافة نوعية للنضال الجماهيري وتطويرا لآليات الدفاع الذاتي للجماهير الشعبية.ففي زمن قياسي استطاعت التنسيقيات والتي أصبحت تغطي كل المغرب بمدنه وقراه ومدا شره ،أن تعطي شحنة خلاقة للنضال الجماهيري ،وبرهنت على جدوى النضال المنظم إلى جانب الجماهير الشعبية، وقدرته على تحقيق مكاسب ملموسة، شريطة أن يوظف هذا النضال لخدمة المصالح العليا للكادحين، بعيدا عن البيروقراطية ،والالحاقية، أو الانتهازية بشتى تلاوينها .كما استطاعت التنسيقيات أن تنغرس في تربة المجتمع المغربي بسلاسة وتلقى الدعم من كافة الشرائح المسحوقة والمكتوية بالسياسات الطبقية من :عمال وفلاحين ومعطلين وموظفين ... فما هي المهام التي يمكن أن تضطلع بها التنسيقيات، ومعها عموم الشعب المغربي لكي تحقق أهدافها المسطرة في أدبياتها الفكرية ومذكراتها المطلبية ، ولكي تتبث ذاتها كأداة لامندوحة عنها للمساهمة في تاطير المواطنين ، وتوعيتهم بحقوقهم ، في أفق النضال من اجل انتزاعها ؟.وما هي أفاق هذه التنسيقيات بعد سنتين من النضال الشاق والعسير والذي أثمر انتفاضات في صفرو وافني وخنيفرة وطاطا وبوعرفة وغيرها ....؟ وما هي السبل القمينة بتطوير التنسيقيات لتصبح رافعة للنضال الجماهيري، و قادرة فعلا على خلخلة موازين القوي وترجيح كفتها لصالح الجماهير؟ .بتعبير أدق و أوجز كيف السبيل إلى تجاوز إخفاقات وكبوات الملتقى الوطني الرابع ؟وما العمل لتجاوز نتائج هذا الملتقى ومنها تحديدا واقع تشتت وانشطار التنسيقيات إلى تنسيقيتين :تنسيقية تعد رديفا لأحزاب تجمع اليسار الديموقرطي، وأخرى رديفا لفصائل اليسار الجذري الأخرى (البرنامج المرحلي و التروتسكيين ...) كيف يمكننا أن نعيد الدينامكية من جديد للتنسيقيات المحلية، والتي تأثرت سلبا بنتائج الملقى الوطني الرابع، إلا بعض الاستثناءات القليلة ؟ 2- من اجل فهم ماجرى في الملتقى الوطني الرابع : قبل أي خوض في الأفاق المستقبلية لتنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ،يجب علينا لزاما تفسير وشرح ماوقع خلال الملتقى الوطني الرابع المنعقد بتاريخ 02 مارس 2008بمقر الحزب الاشتراكي الموحد بالدار البيضاء .بل أكثر من ذلك التعامل مع ماوقع بشكل موضوعي، بعيدا عن الحزبوية الضيقة والتحيز الذي يمليه مبدآ انصر أخاك ظالما أو مظلوما . ففي تقديري إن من شان الفهم الموضوعي لما حدث أن يسلحنا بالأدوات التي تمكننا من تجاوز هذا التعثر لانتشال التنسيقيات وطنيا من طابع الركود إلى مستوى الدينامكية والفعل المأمولين .فماذا وقع ياترى في الملتقى الوطني الرابع ؟ - قبل انعقاد الملتقى الرابع بالدار البيضاء ،عقدت التنسيقيات ثلاث لقاءات وطنية بالرباط ، كانت نسبة المشاركة فيها ضعيفة جدا ،حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها في الأغلب الأعم عشر تنسيقيات ,ومع ذلك فإنصافا للتاريخ، فان هذه الملتقيات كانت ناجحة بكل المقاييس ، انطلاقا من عدة مؤشرات ومنها : أهمية البرامج النضالية التي قررتها والتي ترجمت على شكل معارك ممركزة وطنيا أو متفرقة محليا . والمنتوج الفكري المهم الذي انبثق عنها ،والمتمثل في الأدبيات الفكرية والمطلبية والتوجيهية والتنظيمية التي صدرت عن الملتقيات الثلاث، والتي تشكل بالفعل البوصلة الحقيقية التي توجه عمل التنسيقيات . . فإذا كان الأمر هكذا، فعلى العكس من ذلك تماما، فالملتقى الرابع الموما إليه آنفا حضره أزيد من 240مناضلة ومناضل من مختلف الجهات ،يمثلون أزيد من 40 تنسيقية محلية . إلى درجة أن كل من حضر الملتقى يعتقد للوهلة الأولى واعتمادا على الانطباعات الشخصية الأولية ، أن هذا الحضور القوي في الملتقى الرابع مبعثه الزخم النضالي الذي أحدثته التنسيقيات ،لكن إذا أمعنا في الأمور مليا، وتأملنا في كل ماوقع خلال الملتقى بروح نقدية تغلب النقد والنقد الذاتي، فسنصل إلى نتائج مناقضة للانطباعات الأولية كلية . كيف ذلك ؟ هذا ما لن نتوصل إليه إلا بعد فهمنا للأسباب العميقة الثاوية خلف إفشال الملتقى الوطني الرابع لتنسيقيات مناهضة الغلاء .فمرة أخرى لماذا فشل الملتقى رغم الآمال التي علقت علية خاصة من طرف الجماهير الشعبية بعد تعمق أزمتها ووصول السكين إلى العظم ؟ لقد فشل هذا الملتقى في نظري لعدة أسباب، سبق للتنسيقية المحلية لمناهضة غلاء الأسعار والدفاع عن الخدمات العمومية ببوعرفة أن توصلت إليها بعد سلسلة من النقاشات العميقة، والبعيدة عن الانفعال والتعصب ، وأعلنت عنها بكل شجاعة أدبية وفكرية في بيان لها صدر بعد الملتقى مباشرة ويمكن تلخيص هذه الأسباب فيما يلي : *رغبة بعض المكونات السياسية وتحديدا الأطراف السياسية المنتمية لتجمع اليسار الديمقراطي التحكم في التنسيقيات، وجعلها رديفا وقاعدة خلفية لها ،رغبة في استثمار نضالاتها سياسيا واجتماعيا، وتوظيفها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ، بل أن هناك من ذهب ابعد من هذا، واعتبر أن رغبة أحزاب التجمع في الهيمنة على التنسيقيات ليس مصدرها أحزاب تجمع اليسار الديمقراطي ذاتها ،بل هي إملاء لوزير الداخلية ( لقاء وزير الداخلية مع قيادات تجمع اليسار) والذي أوحى لأحزاب التجمع، مسالة ضرورة التحكم في التنسيقيات وقيادة نضالاتها لكي يتسنى ضبط كل الانفلاتات المتوقعة ،خاصة بعد السخط والغليان الشعبي الذي أصبح يعم كل المغرب من أقصاه إلى أقصاه بعد أحداث صفرو المجيدة . . *وللأمانة التاريخية ، والتزاما بالمنهجية الموضوعية ،نظيف إلى ما سبق أن اللوم لا يجب أن يوجه إلى أحزاب تجمع اليسار الديمقراطي لوحدها ، وإنما أيضا إلى بعض التيارات اليسارية الأخرى ،إذ أن بعض مناضليها كانوا أثناء الملتقى الوطني الرابع يعمدون إلى المزايدات والمشاحنات اللفظية ، وهو ما ظهر جليا من خلال رفع شعار (تنسيقيات ثورية ،لااصلاح لارجعية) وهو بالمناسبة نفس الشعار الذي رفع خلال المؤتمر السابع عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي كان مصيره الإفشال ،فهل هي محض مصادفة،أم إن وراء الأكمة ماوراءها ؟ إن مزايدات بعض التيارات اليسارية، للأسف مورست خلال بعض المحطات النضالية للتنسيقيات وخاصة المسيرات الوطنية ومنها طبعا مسيرة 2 شتنبر 2007 أي قبيل الانتخابات التشريعية بأيام معدودة، الشيء الذي رأت فيه الأحزاب اليسارية المشاركة في اللعبة السياسية استهدافا مباشرا لها . *إن ابتعاد الصراع السياسي بين التوجهات السياسية والفكرية المنوجدة داخل التنسيقيات عن تدبير الاختلافات بطريقة تتعارض مع جوهر الديمقراطية ،والرغبة في الهيمنة وإقصاء الأخر، كل ذلك دفع بمختلف المكونات السياسية إلى اعتماد نهج الإنزال ،وهو الشيء الذي أدى إلى إغراق الملتقى الرابع، بمشاركين لا صلة لهم بالتنسيقيات بالبات والمطلق ،لان كل طرف سياسي كان يعول على مدى ماسيحققه من تواجد داخل الأجهزة القيادية خاصة لجنة المتابعة ،والمجلس التوجيهي، بغية التحكم في التنسيقيات لتكون البوابة والجسر لتصريف المواقف السياسية . *من بين مسببات فشل الملتقى أيضا والتي لا يجب القفز عليها غياب الديمقراطية سواء أثناء التحضير، أو إبان أشغال الملتقى .لقد غابت الديمقراطية أولا حين تم تضمين ملفات المشاركين في الملتقى بمشاريع أوراق لم يتم إنزالها إلى التنسيقيات المحلية لمناقشتها قاعديا .كما غابت الديمقراطية ثانيا على مستوى التسيير، إذ أن رئاسة الملتقى حاولت فرض مسطرة الملتقى بطرق ملتوية بعيدة عن الأساليب والمساطر الديمقراطية المتعارف عليها،إن كل هذه الأخطاء زادت في رفع درجة التوتر وشحن الأجواء، مما تسبب في توقف الملتقى لمرات متعددة ،بل ومحاولة تغيير المكان-وسط الأشغال - إلى مقر حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي .إن عدم التحضير الجيد للملتقى على المستوى المادي والأدبي، وارتكاب أخطاء قاتلة من طرف لجنة المتابعة ،حول هدا الأخير إلى حلبة لتبادل العنف بنوعيه المادي والرمزي .وبدل أن يكون الملتقى فضاء لتبادل تجارب التنسيقيات، ومقارعة الحجة بالحجة، للخروج بالخلاصات والقرارات التي تنسجم مع انتظارات شعبنا ، فقد تحول للأسف إلى معترك سادت فيه الحلقية، وتبادل التهم المجانية ،بل وتبادل السب والضرب بين رفاق الدرب والواحد . 3 - أية أفاق لتنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار بالمغرب ؟ بعد محاولة وضعنا اليد على بعض اختلالات الملتقى الوطني الرابع للتنسيقيات، وملامسة بعض المسببات التي فجرت الملتقى وأدت إلى إفشاله ،أرى انه من الواجب لزاما على الجميع ، أن يثوق ويتطلع إلى المستقبل ،رغبة في استشراف أفاقه الرحبة ، فالاكتفاء بنبش أخطاء الماضي، و إغفال مسالة رسم بعض الأفاق المستقبلية سيجعلنا حبيسي النزعة الماضوية ، المشدوهة والمرتكنة إلى أحداث مضت. مما سيزيد في تعمق جمود التنسيقيات، وهو مالا يامله أي غيور على ضحايا القهر الطبقي ببلادنا ، لذلك سأتقدم ببعض المقترحات العملية عساها تسهم في نهوض التنسيقيا ت ،وعودة اللحمة بين مختلف مكوناتها السياسية والنقابية والجمعوية، التي لها قواسم مشتركة متعددة . ا - على المستوى التنظيمي : إذا كان التنظيم يعد مدخلا من بين مداخل أخرى ممكنة لتطوير أداء التنسيقيات ،فأنني اقترح ضرورة ممارسة النقد والنقد الذاتي من لدن كل الأطراف التي أفشلت الملتقى الوطني الرابع للتنسيقيات ، ودعوة لجنة المتابعة المنبثقة عن الملتقى الوطني الثالث إلى ملتقى استثنائي رابع على أساس أن يتحمل الجميع مسؤولية إنجاحه تفاديا للمزيد من التمزق والتشرذم، لكن شريطة أن يكون الملتقى مفتوحا في وجه التنسيقيات الكائنة والفاعلة .وحبذا لو كان هذا الملتقى الاستثنائي مسبوقا بندوة وطنية تساهم في تلطيف الأجواء , وتقريب وجهات النظر .و هذا لاشك سيجعلنا نتمكن من تجاوز وضعية التنسيقيات براسين . ب - على المستوى النضالي : إعطاء مضمون كفاحي للتنسيقيات،بإطلاق دينامكية نضالية قادرة على توحيد الإطارات المناضلة بالمغرب، سواء أكانت سياسية أو نقابية أو حقوقية أو جمعوية .للدفاع عن القوت اليومي للجماهير والدي يتعرض يوميا للانتهاك ،ولحماية الخدمات العمومية من صحة وتعليم وسكن ونقل ..والتي تخضع لتدمير خطير ومدروس بشكل مسبق ، يندرج في إطار الانصياع الأعمى لتوصيات المؤسسات الدولية ، و التي يعتبر المغرب بلدا مجتهدا ونجيبا لها . على سبيل الختم : لقد عانينا كثيرا من الانقسامات ، إلى درجة أن تاريخ الإطارات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية بالمغرب ، أصبح تاريخ الانقسامات (انقسام اطاك المغرب والهيئة الوطنية لحماية المال العام والنقابة الوطنية للتعليم وهلم جرا)، وهي انقسامات ليس دافعها الخلافات الأيديولوجية ، أو التباينات في الرؤى والتقديرات ،بل حب الزعامة ليس إلا.... منسق التنسيقية المحلية ببوعرفة . بوعرفة في 9 نونبر 2008