هناك بناء في غزة، هو ليس مرئيا الا انه في حالة نهوض. نحن نعرف ذلك من الطلب الهائل للاسمنت لأن احداً لا يرى اين يذهب كل هذا الاسمنت فوق سطح الارض. ليست هناك مواقع بناء عمودية في غزة كما ان عدد المباني الافقية محدود. هناك استنتاج واحد لهذه الفجوة: من لا يبني بصورة عموديه يبني في باطن الارض نحو العمق. اغلبية اعمال البناء تتم في هذه الايام بصورة بعيدة عن الانظار تحت سطح الارض. ما الذي يبنونه هناك؟ اسألوا مقاتلي حزب الله الذين ابتدعوا "المحميات الطبيعية" في لبنان. تلك المواقع المخندقة الخفية والحصينة التي غيرت قوانين اللعبة في صيف 2006. هذا ما يحدث الان في ارجاء القطاع. منظومة هائلة من المخابيء الحصينة والسراديب الارضية وعلى وجه الخصوص شبكة لا تنتهي من الانفاق والقنوات القتالية. ان انهار اتفاق التهدئة ودخل الجيش الاسرائيلي الى عمق القطاع فستمتلء هذه الانفاق بالاف المقاتلين الذين يحاولون الحاق افدح الخسائر بالقوات المهاجمة. وفقا لتوقعات استخبارية حديثة – بالامس طرح التقييم الاستخباري لعام 2009 على وزير الدفاع ايهود باراك – هناك احتمالات متزايدة لاستئناف القتال في غزة في شهر كانون الثاني القادم. الخلفية: انتهاء فترة وقف اطلاق النار المحدد بستة اشهر والمجابهة المتوقعة بين فتح وحماس عندما ستصل ولاية رئيس السلطة ابو مازن الى نهايتها. باراك وقيادة الجيش الاسرائيلي ليسوا معنيين باستئناف المجابهه وعلى وجه ا لخصوص لا يرغبون بعملية تتضمن دخول القوات للعمق الفلسطيني. لذلك يعمل باراك من الآن بوساطة مصرية على تمديد فترة التهدئة. حماس حققت من الآن انجازاً واحداً من خلال الانفاق : الانفاق زادت من قوتها الردعية في وجه اسرائيل. وهناك ايضا عمل على الارض على الاقل في قضية الاسمنت في الآونة الاخيرة اثر استخدام حماس للاسمنت الذي تمد اسرائيل غزة به وفقا لاتفاق التهدئة، امر نائب وزير الدفاع متان فلنائي بتقليص الاسمنت وتدارس امكانية ايقافه تماما ان كانوا يبنون التحصينات فيجب الحرص ان لا يكون الاسمنت من اسرائيل على الاقل. "غزة هي مكان ممتاز لحافري الانفاق" قال بوعز حايون صاحب شركة تمار التي اقيمت على يد ضباط سابقين في سلاح الهندسة والتي تعمل في مجموعة من المجالات الهندسية والمتفجرات بما في ذلك التفجيرات في اطار حفر نفق الكرمل الى جانب تنفيذ مهمات لصالح جهاز الامن. "الارض في القطاع رملية جداً الامر الذي يسهل مهمة الحافرين بدرجة كبيرة. بإمكانهم ان يتقدموا في عمق الارض حتى بواسطة وسائل وادوات بدائية او باليدين". مصادر عسكرية تقدر ان حماس تبني الانفاق لاحتياجين اساسيين : الدفاع عن نفسها والهجوم.الانفاق تبنى تحت مراكز المدن مثل رفح او غزة نفسها اللتان يقدر حماس ان القتال الواسع سيجري في شوارعهما عندما يجتاح الجيش الاسرائيلي القطاع. الانفاق داخل المدينة تهدف الى تمكين عناصر حماس من التحرك من شارع الى شارع تحت الارض لمباغتة القوات الاسرائيلية في كل مرة من موقع آخر. القنوات والخنادق القتالية ترتبط مع مراكز سيطرة وقيادة تحت الارض ومخابيء السلاح. في المقابل تبنى خارج مراكز المدن انفاق ترتبط بحفر هائلة في الارض تحت المداخل الرئيسية للقطاع حتى تقوم حماس بتعبئتها بالمواد الناسفة من اجل تفجيرها عند مرور ارتال المراكب العسكرية الاسرائيلية. البناء تحت الارض يتضمن وفقا للتقديرات مئات قاذفات القسام والكاتيوشا المحصنة من القصف الاسرائيلي الجوي. بضعة مواقع كهذه قد كشفت خلال عملية محدودة للجيش الاسرائيلي شمالي قطاع غزة قبل عشرة اشهر. المبدأ الاهم في هذا المشروع هو ان البناء تحت الارض يتم في موازاة تحويل المباني للاغراض القتالية فوق الارض ايضا حتى يكون هناك تناسق.النموذج الشيشاني ان عاجلا او آجلاً، يشير التاريخ الى طبيعة الحرب التي ستنتقل الى منطقة تحت الارض خصوصاً عندما يتعلق الامر بمجابهة بين جيوش كبيرة ومجموعات العصابات. في استعراض مثير للاهتمام حول عمليات القتال في الانفاق الذي اصدره قسم التاريخ في الجيش الاسرائيلي قبل 6 سنوات، جاء ان استخدام باطن الارض كما يحدث في حرب الانفاق قد بدأ منذ فترة العهد القديم وكذلك في الصين القديمة. الانفاق استخدمت للقتال ايضا في الحربيين العالميتين السابقتين. بعد الحرب العالمية الثانية مثلا اكتشفت 3 نماذج بارزه تشير الى ان الانفاق القتالية قد صعبت بدرجة كبيرة عمل الجيوش النظامية. النموذج الاكثر شهرة هو نموذج مقاتلي الفيتكونغ في فيتنام. الانفاق التي شيدوها كانت كثيرة ومتعرجة واغلبيتها على عمق 3 امتار. طولها بلغ 240 كيلومتر. بعد ذلك بسنوات قليلة واجه مقاتلوا الجيش الاحمر ظاهرة الانفاق في حربهم ضد المجاهدين في افغانستان. بعض هذه الانفاق يستخدم من قبل القاعدة حتى اليوم، وكذلك اسامة بن لادن قائد التنظيم. الكهوف والانفاق في افغانستان وفي فيتنام كانت على الاغلب في المناطق المفتوحة. الا ان الوضع كان مغايراً عندما اصطدم الجيش الروسي في التسعينيات بالمقاتلين الشيشان. الشيشانيون اقاموا في عاصمتهم كروزني شبكة معقدة من انفاق الاتصال والمعابر الارضية التي مكنتهم من تحريك قواتهم من بؤرة الى اخرى. بالاضافة الى ذلك اقاموا حواجز تهدف الى توجيه القوات السوفياتية اذا ما دخلت اليها الى مواقع معدة ككمائن مسبقة. عندما كان الروس يدخلون الى منطقة "نظيفة" حسب وجهة نظرهم كان الشيشان يأتونهم من الخلف. رغم ان النموذج الحربي الشيشاني قد يكون ملائما لمدينة مزدحمة كغزة الا ان لحماس نموذجا آخر تحتذيه وهو اقرب اليها: حزب الله. "المحميات الطبيعية" في حرب لبنان الثانية كانت تحديا كبيرا جدا لدرجة ان الجيش الاسرائيلي احجم عن التعامل معها حتى اليوم الاخير من الحرب. عدى عن ذلك من الممكن الافتراض ان بناء المعاقل الدفاعية الحمساوية الحالية يرتكز ايضا على معلومات يقدمها حزب الله لغزة. هدف حماس الاستراتيجي هو ان تحذو حذو حزب الله. ليست لدى قادة حماس مراهنات على هزيمة اسرائيل في معركة عسكرية الا انهم يعرفون انه ان لم تتمكن اسرائيل من هزيمتهم فسيكون بامكانهم ادعاء الانتصار كما فعل نصر الله في 2006. حماس على ما يبدو تعتمد على قيام مقاتليها بالحاق خسائر كثيرة في صفوف الجيش الاسرائيلي بفضل القتال من الانفاق الامر الذي يشكل ضغطاً على المستوى السياسي الاسرائيلي لسحب قواته لان القتال سيبدو عديم الفائدة حينئذ. على المستوى التكتيكي هناك شك ان كان لدى الجيش الاسرائيلي حل ناجع لمواجهة شبكة الانفاق التي تشيدها حماس. تجربة الجيوش الاجنبية المفصلة في كراس قسم التاريخ الذي اعده الجيش الاسرائيلي تشير الى ان الامريكيين اقاموا في فيتنام وحدة "جرذان الانفاق" التي حاولت ضرب الانفاق التي اكتشفت من خلال ادخال سائل متفجر او استخدام قاذفات اللهب. نجاحهم كان محدوداً. بوعز حيون يشير الى ان الجيش الاسرائيلي قد تبنى قبل فك الارتباط رؤية صاغتها شركة تمار والتي تشير الى ان مواجهة مشكلة الانفاق تتم من خلال دس مواد متفجرة على عمق 20 م في باطن الارض وتنفيذ سلسلة من التفجيرات. هذه الانفجارات تؤدي الى وصول الانفجار في باطن الارض نحو فتحات الخروج الامر الذي سيكشف ودفعة واحدة مخارج انفاق كثيرة. هو يوضح، "التجربة تكللت بنجاح كبير ولكن ليس لدي تفسيراً لماذا لا يطبقونها، ربما يعود ذلك الى ان سلاح الهندسة ليس مستعداً لتبني رؤية لم يتم تطويرها في صفوفه. ليس هناك عمق مهني في سلاح الهندسة وليس فيه مهندسين اصلا. عناصره مختصون بالهندسة القتالية اما معالجة قضية الانفاق فهي قضية اختصاصية بحته والعلم قائم بصددها منذ مئات السنين. تدمير نفق من دون معرفة اين يوجد هذه مهمة بسيطة نسبية المطلوب فقط قراءة الكتب وتبني الحل الصحيح". عضو الكنيست البروفيسور يتسحاق بن يسرائيل من كاديما الذي كان في السابق رئيسا لادارة تطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية في وزارة الدفاع يؤكد ان الجيش لا يمتلك اليوم وسيلة ناجعة لحل قضية الانفاق. وعلى حد قوله ما نشر مؤخراً حول اكتشاف سلاح الهندسة الاميركي انفاقاً كثيرة في رفح من خلال اجهزة سونار لا تدلل على انعطافة في هذا المجال. السونار كما يقول ليس ناجعاً عندما تكون هناك حاجة لاكتشاف فراغ على عمق عدة امتار في الارض. وماذا عن امكانية اغراق الانفاق بالمياه؟ حيون يدعي انه حل غير واقعي في الظروف الغزاوية. "الارض في المدن مغطاة بالاسفلت اصلا او مرصوفة بالبلاط ولذلك تجد المياه صعوبة في النفاذ".لا تقولوا: لم نكن نعلم الان عندما اصبحت خطط حماس واضحة الى هذا الحد يطرح السؤال حول ما يفعله الجيش الاسرائيلي بهذا الصدد. هو لا يفعل ما يكفي حسب ما يظهر.الجيش يدرك التحدي الذي تمثله الانفاق وهذا السبب وراء قيام نائب رئيس هيئة الاركان وضابط سلاح الهندسة الرئيسي بمعالجة ومتابعة قضية تطوير رد ملائم من الناحية القتالية لتحدي الانفاق بصورة شخصية (هناك في الجيش اطرافا تعتقد ان الجيش الاسرائيلي هو رائد على المستوى العالمي في مجال القتال في الانفاق). رغم ذلك يدعي مصدر عسكري ان التركيز على هذه القضية قليل ويقول ان هناك وحدة لشؤون الانفاق واسمها "سامور" ولكن العتاد الذي تمتلكه قليل وليست لديها رؤية شاملة لمواجهة المشكلة. في ظل حقيقة بناء مدينة سفلية في قطاع غزة يتوجب ان نتوقع بذل جهود هائلة لخيرة الادمغة في جهاز الامن الاسرائيلي. الا ان هذا ليس بالوضع القائم. "يبدو في بعض الاحيان ان مشكلة الانفاق لا تقلق احداً وكأنها مشكلة دولة اخرى" يقول مصدر امني بارز باحباط. "ان دفعنا ثمناً باهظاً لاننا لا نبذل الجهود ولا نستخدم كل الوسائل المطلوبة سيقولون ان فشلا قد حدث هنا. وكما تبدو الامور الان يظهر هذا الفشل بصورة صعبة ومن الممكن الاشارة له مسبقا".