إن ما ينقص من قيمة ومردودية الفعل النضالي في وسط المجتمع المغربي للأحزاب اليسارية ليس هو مصداقيتها بل هو انحسارها داخل فضاءات وصالونات إن صح تسميتها بالارستقراطية النضالية وغياب تتبع نقدي يقرأ من خلاله الممارسات والمحطات من موقع مسؤول وليس من مواقع احتفالية وبروتوكولية ، فعدد هذه الأحزاب بالمغرب يعد برؤوس أصابع اليد الواحدة إلا أن المشاكل التي تتخبط فيها و تعترض أنشطتها وإشعاعها كثيرة يمكن حصرها في التدبير البيروقراطي الانتهازي للملفات المجتمعية وغياب العمل التطوعي في صفوف الجماهير. فمما لا شك فيه أن الكثير من المفاهيم والمصطلحات اليسارية صارت محدودة الإشعاع والتأثير لأنه بالكاد أصبح (الرفاق) يقفون على همومها وأسئلتها بل لا يدرون مواقعها وأحجامها في النسيج سوسيو- ثقافي المغربي، فالنضال في جميع المحطات النضالية لا يمكن أن يكون لحظة عابرة بل انه صيرورة تاريخية، واللاتوازن في المصالح يخلق نوعا من التوتر الذي ينتج عنه لبعض(الرفاق) الانبطاح لقوى القمع والظلام، وهذا وغيره يلقي بضلاله على ما يجري داخل الحقل السياسي والاجتماعي وهو ما يتم رصده من خلال الكيفية التي تتمأسس بها هذه المواقف والسلوكيات. وقد يكون هذا الاسترخاء و التراجع مبررا إلى حد ما بما يسمى " أزمة اليسار" إلا أن الملاحظ انه رغم المحاولات الرامية إلى تغيير ميكانيزمات النضال وآفاقه عبر خلق تكتلات وتجمعات لهذه الأحزاب فان مستوى تفعيل مجمل التوصيات لا تلقى الاستجابة الكافية لدى بعض(الرفاق) القواعد بحيث تخضع لانتقائية ولحسابات ضيقة كل حسب مصالحه ، بل حتى عناصر الأزمة في طبيعة العلاقات ما بين القيادات ظلت تراوح مكانها وتخفي ورائها الكثير من المشاكل والتي أصبح التطرق إليها يعرف نوعا من التوافق ليس على مستوى مناقشتها بل كيفية تفادي الدخول في حيثياتها. وعليه، لقد أصبح الجسم اليساري ينتظر حدوث انتكاسات ووصول الشارع المغربي إلى حالة معينة من الغليان من اجل التحرك إما عبر شبكة الانترنيت (بيانات، بلاغات...) وفي أقصى الحالات تشكيل لجن للدعم و التقصي، فالاكتفاء بمثل هذه الأشكال من النضال ( وذلك اضعف النضال) وفي غياب التواصل والاحتكاك المباشر مع هموم الجماهير لا يزيد إلا في تعميق الهوة بين الجسم اليساري والطموحات الكبرى للشعب المغربي في التغيير. فإن أردنا وصفا حقيقيا لا مفتعلا، ونقف بدقة و موضوعية على الأحزاب التقدمية اليسارية وعوالمها يجب الإنصات أولا وقبل كل شيء إلى أصوات الجماهير كما ترى هي ذاتها اقتصاديا، اجتماعيا، أخلاقيا، ثقافيا و سياسيا لا كما يتوهم بعض(الرفاق) مناضلي هذه الأحزاب من خلال رفعهم لشعارات جوفاء جامدة وكذا ممارسات أخلاقية تتنافي طولا وعرضا مع السائد بايجابياته و سلبياته، صحيح أن هناك مجهودات بذلت وتبذل للإنصات لأصوات لهذه الجماهير والدفع في اتجاه تحقيق طموحاتهم، لكن الممارسات الشاذة لهؤلاء (الرفاق) المناضلين تذهب عكس الرياح وتضرب الكل في الصفر. مجمل القول، إن التمسك بالأدبيات اليسارية ليس هو الداء بل في ضبط من يتغنى بها و يوظفها في تحقيق مآرب لا تمت بصلة لا من قريب و لا من بعيد بالهم المجتمعي، فالإطارات المحسوبة على الأحزاب اليسارية ( نقابات ، جمعيات ...) تضم في صفوفها (رفاق) مناضلين ينتهكون حقوق الإنسان المغربي في شموليتها أكثر ممن هم خارج هذه الإطارات بل الخطير في كل هذا هو أنهم يلقون على انتهاكاتهم هذه ترحيب وتغطية من المخزن وغض النظر من الأجهزة الحزبية المسؤولة كل حسب أهدافه. - فإلى متى سيظل الرفاق حائرون و لا يتساءلون في هذه الوضعية المرضية ؟ - أولم يحن الوقت بعد لوضع أنفسهم تحت المجهر ؟ كيقول المثل الشعبي " كمشة من النحل أحسن من شوراي الدبان " /ابونضال شفشاون