يطالعنا العام 2008 من المغرب بخبر اعتقال قاض في قضية ترويج مخدرات صدمت المجتمع المغربي وعززت الشكاوى المزمنة من أن الفساد ينخر جهاز القضاء المغربي. ولم يكن القاضي هذه المرة من شمال البلاد وإنما من أقصى جنوبها، وقد ُنقل عن مصادر أمنية مغربية خبر اعتقال هذا القاضي وفي حوزته أربع كيلو غرامات من مخدر الشيرا ( من مشتقات الحشيش). وفي انتظار الكشف عن المزيد من التفاصيل حول القضية، سيمثل القاضي أمام محكمة الاستئناف بمدينة فاس، حيث ضبط بالشيرا في سيارته.سوابقليست هذه هي المرة الأولى التي يتورط فيها قضاة مغاربة في قضايا مخدرات وفضائح، فالرسالة التي حررها العام الماضي بعض المحامين، لم تزعزع جهاز القضاء وحده بل زع زعت البلاد كلها. كانت الرسالة موجهة إلى التاريخ، وكشفت عن حقائق مدعمة بأدلة وبراهين، وعن أسماء ومبالغ رشاوى ضخمة. بدأت الرسالة بهذه العبارة: "سيدي المحترم التاريخ: نرفع إليك هذه الشكاية- ربما لأول مرة- كي نشتكي وضع عدالتنا وقضائنا بالمغرب." لم ترق تلك الرسالة النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بتطوان، فجردت المحامين عبد اللطيف قنجاع، الحبيب حاجي وخالد بورحايل المحررين لها من البذلة السوداء.وكانت السلطات المغربية قد شنت حملة تطهير واسعة شمال المغرب، انتهت بقضية "الرماش" بارون المخدرات. وقد حقق في القضية مع قضاة مرتشين، ضبطت معهم أموال كثيرة، اعفي البعض من مهامه، لكن أسماء أخرى همس بها فقط، لم يتعرض أصحابها للائمة. وقد فر مؤخرا واحد من المحكومين في هذه القضية، قضية منير الرماش من السجن بمساعدة من موظفي السجن، رشاهم، فساعدوه على الهرب، ويتعلق الأمر بمحمد الطيب الوزاني المعروف باسم "النيني" الذي حكم في 2004 بثمان سنوات سجنا نافذة.وقد صدرت يوم الأول من هذا الشهر والعام، أحكام في حق الذين ساعدوه على الفرار تتراوح ما بين شهرين وسنتين سجنا نافذة، وهم ثمانية من موظفي السجن المركزي بالقنيطرة. والرماش والنيني اسمان إلى جانب أسماء أباطرة مخدرات آخرين مثل الشولي و أكوياح، وهي قضايا تورطت فيها أسماء كبيرة من أجهزة القضاء، الشرطة، الدرك وغيرها. اعترافات القضاةوفي إطار قضايا المخدرات، سبق وأعفي مسؤولون كبار من مهامهم بأمر ملكي، مثل مدير أمن القصور الملكية وكبار المسؤولين في الدرك الملكي والديستي جهاز المخابرات المغربية في العام 2006. وفي الخطاب الملكي لافتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، أكد الملك المغربي على أن جهاز القضاء المغربي يحتاج إلى تغيير شامل وعميق.ولعل القضية التي أحدثت الضجة الكبرى حول فساد القضاة، قضية "رقية أبو علي"، امرأة شابة من جبال الأطلس، سجلت شرائط وقدمتها للإعلام، صورت فيها نفسها مع أربعة قضاة ووكيل للملك (وكيل نيابة)، كل واحد على حدة، في ممارسات جنسية، وجلسات حميمة. وقد باح لها القضاة خلالها بحجم الرشاوي التي تقلوها وممن تلقوها وفي أية قضية. وابعد قاض عن ممارسة مهامه، بعدما أحيل على المجلس الأعلى للتحقيق. كان هذا القاضي قد حكم بالبراءة في قضية رقية الأولى قبل سنين، حين أجابته على سؤاله بعد المثول أمامه " هل تمارسين البغاء؟ قائلة: " لا، لكن قد أمارسه مع رجل مثلك". أصبحت بعد ذلك مباشرة عشيقته لمدة ثلاث سنين، وسجلت منه اعترافات كثيرة. وتقبع "رقية أبو علي" نفسها الآن في السجن بتهم على رأسها "ممارسة الدعارة" التي سبق وسجنت مرارا بسببها، إضافة إلى تهمة التسبب عن غير قصد في مقتل شخص في العام 2004.وأما القاضي الآخر الذي اعتقل في فاس، فيقول عنه المراقبون انه دليل على أن الفساد لا يزال ينخر جهاز القضاء، ليس في شمال المغرب فقط، ولكن في البلاد برمتها. فهل سيطوى هذا الملف مثلما طويت الملفات السالفة ضمن الكتمان أم سيشكل بادرة حقيقية لتغيير شامل وعميق للقضاء كما أراد الملك شخصيا.