تتالت موجة الإستقالات في صفوف موظفي البيت الأبيض في الوقت الذي تستعد فيه الولاياتالمتحدة للإنتخابات الرئاسية. ومن بين المستقيلين من لم يعملوا مع الرئيس بوش خلال فترتيه الرئاسيتين فقط بل كانوا معه في تكساس يوم كان حاكما لتلك الولاية. من آخر المستقيلين وكيلة وزارة الخارجية الأميركية، المكلفة بتحسين صورة أميركا لدى العرب والمسلمين كارين هيوز التي قدمت استقالتها نهاية أكتوبر 2007. واستقال المتحدث باسم البيت الأبيض توني سنو في شتنبر 2007. وكانت استقالة أكبر مستشاري الرئيس بوش كارل روف منتصف شهر غشت 2007 ذات مغزى، فقد رافق الرئيس بوش حاكما لتكساس وكان مهندس حملتيه الرئاسيتين ومنسق إستراتيجيته السياسية والمكلف بعلاقة البيت الأبيض بالكونغرس. واستقال وزير العدل الأميركي ألبرتو غونزاليس نهاية غشت 2007. وقبله قدم مستشار الرئيس بوش دان بارتليت استقالته في يونيو 2007. وتمت استقالة وزير الدفاع السابق دونالد رمسفيلد في نوفمبر 2006. كما استقال المتحدث باسم الرئيس الأمريكي الناطق باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان في أبريل 2006. واستقال مساعد الرئيس بوش ورئيس هيئة موظفي نائبه لويس سكوتر ليبي في نوفمبر 2005 في ضوء قضية تسريب إسم عميلة المخابرات المركزية الأميركية فاليري بلام للصحافة. وقد ترك البيت الأبيض في السنة الماضية المستشار دان بارليت ومدير الميزانية روب بورتمان وكبيرة المحامين هارييت مايرز والمديرة السياسية سارة تايلور ونائب مستشار الأمن الوطني جيه دي كراوتش والأمين العام للبيت الأبيض أندرو كارد.تعددت أسباب استقالات موظفي إدارة الرئيس بوش ومن بينها ما وصفته التقارير بالبريء، مثل استقالة كارن هيوز التي أنيط بها تلميع صورة أميركا لدى العرب والمسلمين، فشكلت مهمة تسويق السياسات الأميركية عربيا وإسلاميا تحديا دفعها إلى أن تترك وظيفتها. ومنها ما لم يكن بريئا مثل استقالة المستشار روف ومن قبله ليبي، فقد دفعا منصبيهما ثمنا لقضية تسريب إسم عميلة وكالة الاستخبارات الأميركية السابقة فاليري بلام العميلة السابقة. وقد كان زوجها الدبلوماسي السابق جوزيف ويلسون نفى حصول العراق على اليورانيوم من النيجر، وهي المعلومة التي بررت بها إدارة الرئيس بوش الحرب على العراق. كما دفعت إقالة ثمانية مدعين فدراليين لا تتوافق مواقفهم مع إدارة الرئيس بوش إلى إقالة الوزير غونزاليس.وتعرف الإدارة الأميركية خاصة خلال نهاية ولاية الرئيس الثانية جملة من الإستقالات، حيث يبحث مساعدوه ومستشاروه عن مناصب في الشركات الإعلامية وفي المراكز البحثية وغيرها. وقد شكل نجاح الحزب الديمقراطي في الإنتخابات النصفية سنة 2006 ضربة لإدارة بوش التي لم يعد يفصلها عن الرئاسيات القادمة سوى أقل من سنة. ويرى كبير الباحثين بمؤسسة كارنيغي للسلام العالمي في واشنطن عمرو حمزاوي أن قراءة بنيوية لحالة إدارة الرئيس بوش يوضح أن هنالك أسبابا تقف وراء مسلسل هذه الإستقالات المتتالية، "فسقوط الجمهوريين واستمرار العجز الأميركي أمام ما يحدث في العراق وتراجع أداء إدارة الرئيس بوش خارجيا وداخليا كلها أسباب جعلت إدارة بوش غير قوية ومعرضة للهزات الداخلية". ويرى حمزاوي أن "الرئيس بوش الذي تعرضت إدارته لهذا الإستقالات جراء الأسباب المذكورة يحاول إنقاذ مستقبله وتحسين صورته داخليا وخارجيا بعد أن فقد الأمل، وذلك عن طريق الدعوة إلى مؤتمر آنابوليس لبحث القضية الفلسطينية أو عن طريق ضرب إيران. وبهذا أو ذاك يمكنه أن يترك لكتاب التاريخ ما يسجلونه بعد إخفاقاته المتتالية". وفي نفس السياق،يتهافت الأميركيون على شراء «روزنامة» العد العكسي لإنتهاء ولاية بوش 2008 التي حلت في المرتبة الثانية «للروزنامات» الأكثر شعبية. ونقلت صحيفة «يو.إس.إيه. توداي» عن موقع «كالندرز دوت كوم» الإلكتروني أن روزنامة العد العكسي للرئيس بوش حلت في المرتبة الثانية من حيث شعبيتها، بعد الروزنامة الساخرة «الوجه الآخر للساذج الخائف 2008». وقال المدير العام للموقع الإلكتروني هاليل لفين إن «كره بوش رفع مبيعات الروزنامة» كما أكد على ازدياد شعبية الروزنامات الساخرة بشكل عام. وأضاف أن هذه الروزنامة هي الأولى من نوعها التي تتناول رئيساً لأميركا بهذا الشكل. كما أكد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أن إدارة الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش تسببت في انحطاط المعايير الأخلاقية التي ميزت السياسة الأميركية الخارجية على مدى عقود. وجاءت تصريحات كارتر في مقابلة مع شبكة "إن.بي.سي"الإخبارية تعقيبا على ما جاء في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" بأن الولاياتالمتحدة أقامت مراكز اعتقال سرية في أنحاء مختلفة من العالم لإحتجاز المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب. وأقر الديمقراطي كارتر الذي كان رئيسا للبلاد من سنة 1977 وحتى 1981 بأنه "خلال السنوات الخمس الماضية حدث تغيير كبير وهائل في السياسات الأساسية والقيم الأخلاقية في بلادنا". وأضاف "هذا مجرد مؤشر واحد على ما قامت به هذه الإدارة لتغيير السياسات التي حافظت عليها البلاد طوال تاريخها". وأدان كارتر الإدارة الأميركية بسبب مزاعمها بأن النظام العراقي السابق كان على علاقة بمنفذي هجمات 11 شتنبر سنة 2001. في مقابل ذلك لم ير أي دليل على تلاعب الإدارة الأميركية بالمعلومات الإستخباراتية قبل الحرب على العراق. وأضاف "أعتقد أن المزاعم بأن (الرئيس العراقي المخلوع) صدام حسين كان ضالعا في هجمات 11 شتنبر والمزاعم بأنه كان يمتلك أعدادا هائلة من أسلحة الدمار الشامل يمكن أن تهدد بلادنا... كانت تهدف إلى تضليل الشعب الأميركي ودفعه إلى الحرب". وبالمناسبة،تشير إحصائيات أجرتها جمعية خيرية أميركية إلى أن الأموال التي تنفقها الولاياتالمتحدة في اليوم الواحد على الحرب في العراق يمكن أن تشتري منازل لحوالي 6500 أسرة او تأمين طبي ل423529 طفلا أو تزويد 1.27 مليون منزل بطاقة كهربائية متجددة. وكانت جمعية «أميركان فريندز سيرفيس كوميتي» قد عرضت هذه اللإحصائيات على لافتات كبيرة الحجم في مختلف الولايات. وطبقا لتحليل الجمعية لدراسة أجراها الخبير الإقتصادي الحائز جائزة نوبل في الإقتصاد، جوزيف ستيغليتز، وأستاذة المالية العامة بهارفارد، ليندا بيلمز، فإن الحرب في العراق تكلف 720 مليون دولار أميركي في اليوم، أي 500000 دولار في الدقيقة. ويشمل تقدير التكلفة اليومية للحرب في العراق النفقات المباشرة للحرب فضلا عن تكلفة الرعاية الصحية الطويلة المدى للمقاتلين والفوائد على الديون واستبدال المعدات العسكرية. وقال مايكل ماكونيل، مدير الجمعية في منطقة البحيرات العظمى، أن من بين الجرحى الذين يعادون إلى الولاياتالمتحدة كثيرا ممن تعرضوا لإصابات بالغة في الدماغ والعمود الفقري تحتاج إلى رعاية على مدار ساعات اليوم طوال حياتهم. ويتضمن مبلغ ال720 مليون دولار 280 مليون دولار في اليوم من مشروعات قرارات التمويل الإضافي التي أجازها الكونغرس، بالإضافة إلى 440 مليون دولار يوميا عبارة عن تكلفات طولية المدى واجبة السداد. إلا أن بعض مؤيدي سياسة إدارة الرئيس جورج بوش في العراق يرون أنه حتى اذا كانت الحرب مكلفة، فإن هذه مسألة ليست ذات أهمية من الناحية الجوهرية. ويقول فريدريك كيغان، الأستاذ في «أميركان انتربرايز أانستيتيوت»، أن النظر إالى الحرب في العراق يجب أن يكون زاوية أنها تدعم الأمن القومي الأميركي أم لا. وأضاف قائلا إن الذين يظنون أن الأمن القومي الأميركي لن يتضرر بالإنسحاب من العراق يريدون إنفاق هذه الأموال في جوانب أخرى، وقال أيضا أنه يعتقد أن التركيز على حجم الإنفاق الأميركي في العراق أمر لا صلة له بالقضية الرئيسية. ولا تتضمن التكلفة الطويلة المدى للحرب جوانب مثل أسعار النفط المرتفعة والخسائر التجارية بسبب المشاعر المعادية للولايات المتحدة وخسارة القوة الإنتاجية للجنود الأميركيين القتلى والجرحى. وكان كل من ليندا بيلمز، التي عملت مساعدة لوزيرة التجارة خلال فترة رئاسة بيل كلينتون، وستيغليتز، كبير الخبراء الإقتصاديين سابقا بالبنك الدولي، قد قدرا سنة 2006 التكلفة الكلية لحرب العراق بأكثر من 2.2 تريليون دولار باستثناء الفائدة المستحقة على الديون. وكانت الجمعية الخيرية المشار إليها قد استخدمت تفاصيل وتوقعات الفائدة من مكتب الميزانية التابع للكونغرس لحساب التكلفة اليومية للحرب التي ظهرت على لافتاتهم في بوسطن وسان فرانسيسكو وفيلادلفيا وشيكاغو ومدن أخرى. وتوضح اللافتات الخدمات التي يمكن أن تنفق فيها الأموال حاليا على حرب العراق بصورة يومية مثل الرعاية الصحية وفتح مدارس ابتدائية جديدة وتقديم وجبات مجانية للتلاميذ ودعم مشاريع الطاقة المتجددة. وأعرب منظمو حملة الإحتجاج عن أملهم في إقناع المزيد من الناس بالوقوف ضد الحرب في العراق من خلال توضيح أثرها المالي. وقال غاري غيليسبي، مدير واحد من مشاريع الجمعية في منطقة بلتيمور، إن الناس أصبحوا أكثر وعيا بقضايا الإنفاق العسكري والمدني، ولكن عندما يكون الحديث عن 720 مليون دولار يوميا فإن الأمر مثير للدهشة والصدمة. واختتم غيليسبي حديثه قائلا: «الحرب ليس لها عائد، لأنها لا إنتاج فيها».