ما زالت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيش على وقع المفاجأة التي أحدثها كتاب صدر هذه السنة يحمل عنوان «حقيقة ما حدث... داخل البيت الأبيض في عهد بوش وثقافة الخداع في واشنطن». وليس مؤلف الكتاب سوى أحد رجال بوش السابقين، بل الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض لمدة قاربت الثلاث سنوات، إنه سكوت ماكليلان الذي يكشف في كتابه هذا « كيف ضلل جورج بوش العالم وزور تقارير مخابراتية لكي يغزو العراق». يتطلع كل واحد منا، نحن الذين دخلنا عالم السياسة، إلى زعيم عظيم، زعيم نتخيله أسطوريا ذا شخصية قوية، لا تهزه ريح ولا يميل مع التيار ولا تحركه الأهواء الشخصية، زعيم ملتزم بالنضال من أجل القيم العليا، زعيم مثالي من المدينة الفاضلة حيث قيم الحقيقة والخير والجمال هي السلطة العليا. في الوقت نفسه، يملك أغلبنا من الحنكة والواقعية ما يجعله يعرف حق المعرفة أن مثل هذا الرئيس لا يوجد سوى في خيالنا، ومع ذلك فإنه لا زال لدينا أمل في أن نجد هذا الزعيم، الدرة النادرة، الذي يجمع كل هذه المواصفات الخارقة، والكاريزما الفريدة، والالتزام التام بالاستماتة من أجل الخير والشرف وكل القيم النبيلة. عندما بدأت العمل في فريق جورج بوش، لم أكن أراه على أنه الزعيم الأكثر جاذبية ولا الأكثر حكمة في العالم، لكني كنت أومن بأنه يملك ما يكفي من هذه الصفات لكي يكون حاكما جيدا جدا، بل عظيما. كما كنت أومن بأن لديه وعيا نادرا بما يبحث عنه المواطن الأمريكي العادي في رئيس البلاد وأنه عازم على أن يستجيب لهذا التطلع. نتيجة لذلك، وفي يناير 1999، عندما طلب مني جورج والكر بوش حاكم ولاية تكساس أن ألتحق بفريقه فرحت كثيرا. كنت جالسا في مكتب التواصل المستطيل ذي السقف العالي داخل بناية حكومة تكساس عندما عادت إلي كارين هيوز وقالت: «الحاكم مستعد للقائك». دخلت قاعة الاستقبال في مكتب الرئيس واجتاحت رأسي دوامة من الأفكار. كنت أعرف أن مثل العرض المغري الذي تلقيته اليوم من جورج بوش والذي هو فرصة عمر لا تتاح للمرء مرتين، ما هو إلا جزء صغير من شيء كبير. بالنظر إلى أداء بوش كحاكم لولاية تكساس، أعتقد أنه كانت لديه القدرة لكي يغير واشنطن وينجز الكثير من الأشياء، وعندما كنت مقبلا على اتخاذ قرار العمل في مكتبه وهو حاكم ولاية كنت واعيا بأن إمكانية أن أتبعه إلى العاصمة واردة جدا إذا ما قرر أن يخوض غمار الانتخابات الرئاسية، وكان الجميع آنذاك يتوقع له ذلك. كانت كارين هيوز لمدة طويلة مديرة التواصل لدى جورج بوش، وكنا قد تحدثنا، أنا وهي عدة مرات عن مسألة التحاقي بفريق بوش ككبير الناطقين باسمه. وقد أوصت كارين بي وقامت بتزكيتي لدى لوش، وها قد حان الوقت لكي يعمل بنصيحتها. أنا وبوش عرفنا بعضنا البعض منذ أول مرة يترشح فيها هو لمنصب الحاكم ومنذ الأيام الأولى لعملي كمحلل استراتيجي صغير في تكساس، لكن هذه المعرفة لم تكن على المستوى الشخصي. بشكل رسمي، لم يكن بوش قد قرر بعد أن يخوض غمار السباق نحو الرئاسة، لكن الجميع، بما فيه المقربون منه، كان يعرف أنه كان سيبدأ قريبا في وضع خطة متطورة جدا من أجل ذلك. وكان مستشاره السياسي كارل روف قد بدأ في وضع خطة استراتيجية لحملة انتخابية وطنية. وسرعان ما التحقت كارين هيوز، التي يثق فيها الرئيس كثيرا، بلجنة جس النبض تحضيرا للانتخابات الرئاسية، تاركة وراءها امرأة تواصل أخرى محنكة وهي ليندا إدوارد التي راكمت خلفها تجربة صحافية مشرفة، لكنها كانت تفتقر إلى خلفية سياسية صلبة، فتمت ترقية ليندا إلى منصب مديرة التواصل في مكتب الحاكم، وكان المنصب الذي كان من المفترض أن أشغله هو مدير تواصل منتدب داخل مكتب الحاكم. فهمت أن كارين لجأت إلى تعييني لملء الفراغ الذي كانت ستتركه قريبا بعد أن تلتحق بفريق الإعداد للحملة الانتخابية . وبما أن بوش كان على أبواب دخول السباق نحو البيت الأبيض، بل كان أقوى المرشحين، وذلك بالنظر إلى اسم عائلته الكبير ونجاحه كحاكم لولاية تكساس فكان من الطبيعي أن يقع هو وفريقه وأداؤه تحت مجهر وسائل الإعلام الوطنية، لهذا كانت كارين تريد أن تطمئن على أن مكتب التواصل التابع لها يتوفر على ما يكفي من التجربة السياسية والخبرة لمواجهة أي هجوم للصحافة الوطنية. وأنا مقبل على الالتحاق بمكتب بوش مع بداية ولاية تشريعية جديدة وبعد إعادة انتخابه كحاكم لتكساس، انتابني شعور عميق بالضعف وفي الوقت نفسه بالامتنان، وتساءلت: لماذا تم اختياري أنا بالذات من بين العديد من الناس لكي أعمل بجانب حاكم ولاية تكساس الذي من المحتمل جدا أن يصبح رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية؟ عندما دخلت إلى مكتب بوش، الحاكم آنذاك، كان جالسا على كرسيه يضع ساقا على الأخرى، في جلسة استرخاء سأراها تتكرر كثيرا في السنوات اللاحقة. «كيف حالك يا سكوت؟»، سألني بوش وقال: «تفضل بالجلوس»، فأجبته: «بخير سيدي الحاكم»، مضيفا: «لي الشرف أن أكون هنا»، فقال لي ما معناه أنني هناك لأن مواهبي لفتت انتباهه. تحدثنا قليلا عن والدتي وعن خوضها الانتخابات وأثنى على الطريقة التي سيرت بها حملتها الانتخابية.