من إنجاز: أحمد ذو الرشاد«إن المغرب فقد فيه وطنيا صادقا ومثقفا ملتزما ورجلا مقداما لا يخشى في الله لومة لائم متشبثا بثوابت أمته، غيورا على سمعة وطنه وحرمته». بهذه الكلمات الرقيقة نعى العاهل المغربي محمد السادس المناضل الفذ والكاتب والشاعر محمد الوديع الآسفي، حين وافته المنية يوم الفاتح من ماي 2004، في يوم عيد العمال وهو الذي ظل مرتبطا بالطبقة الكادحة، وناضل من أجلها عبر أروقة ومؤتمرات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وبالنقابة الوطنية للتعليم التي ساهم في تأسيسها بعد أن عزله رضى اكديرة من منصب القائد الممتاز سنة 1962... ولد محمد بلعربي أو محمد الشرقي الملقب بالوديع الآسفي، في أحد أيام سنة 1923 بمدينة آسفي، أخذ أولى مبادئ العلم والتربية على يد مجموعة من العلماء والفقهاء، أمثال الفقيه أحمد بن محمد العبدي الكانوني صاحب الكتاب المشهور، آسفي وما إليه، والفقيه إدريس بناصر، وبعدها بذلك رحل إلى مراكش ودرس على يد العلامة محمد المختار السوسي، والذي يقول عنه في كتابه ذكريات: »كان يأخذ عنه من الآسفيين أربعة، أحمد عيلان ومحمد بن العربي وابن سترة ومحمد فتحا، وكلهم من انبثقت النجابة في آفاقهم على قلة مكثهم عندنا...فأما ابن العربي، فإنه لازمنا حتى فرقت عوادي الدهر بيننا، وكان نشطا ذا مبدأ، وقد كانت برقت منه بارقة نجابة فعهدي به كان في وقت الدراسة كثير الأسئلة فيقبل ويرد، وكان مولوعا فخورا بتحصيله على مبدئه الشريف، وأما أعظم فرحتي يوم حصلت في منفاي برسالة منه... «من كتاب أعلام من آسفي، سعيد الجدياني.وبعد مروره بمراكش، انتقل إلى فاس ليتم تعليمه بجامعة القرويين، ونال منها الشهادة الثانوية سنة 1943م وصادف أن كانت الساحة تغلي، وكانت هناك مظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي، الذي كان يجثم على رقاب المغاربة، واعتقل سنة 1944 بعد أن شارك في إحداها خاصة بعد تقديم وثيقة الاستقلال، وحوكم بسنتين وحرم من مواصلة تعليمه، وبعد خروجه من السجن عمل كأستاذ بمدرسة النهضة بمكناس، لكن عمله الوطني ونضاله ضد الظلم والحيف الذي كان يمارس على الشعب المغربي، جعل الاستعمار الفرنسي يعفيه من مهمة التدريس، وتوالت محنته مع الاعتقالات، خاصة بعد المظاهرات التي نظمها الشعب المغربي، بعد اغتيال المناضل التونسي فرحات حشاد سنة 1951، ونفي إلى مدينة سلا بقرار جائر من لدن إدارة الشؤون الداخلية التابعة للإقامة العامة واعتقل بعد ذلك أيضا في أعقاب أحداث غشت سنة 1953، بعد نفي الملك محمد الخامس..وبعد حصول المغرب على الاستقلال، عين في منصب قائد بمنطقة الخميسات، قبل أن ينتقل إلى سيدي بنور كقائد ممتاز، إلا أن وقوفه ضد مظاهر الاستبداد الجديدة، ونصرته للفقراء والمستضعفين، وانتماءه للاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك، وسهره على مروره الانتخابات في وجو تطبعه النزاهة والشفافية، ورفضه الدخول في مسلسل التزوير الذي كان حديثا، كان وراء إعفائه من مهامه من طرف وزير الداخلية آنذاك رضى كديرة سنة 1963...وظلت لعنة الاعتقالات التعسفية تطارده حيث تم اعتقاله في مارس 1973 بالبيضاء وتم نقله إلى مسقط رأسه، ثم أعيد إلى مطار أنفا ولم يطلق سراحه إلا في يناير 1974، حيث واصل رسالته المرتبطة بالدفاع عن الطبقات المستضعفة عبر بوابة الاتحاد الاشتراكي والنقابة الوطنية للتعليم..ولم يكن محمد الوديع الآسفي مناضلا فقط بل كان شاعرا وكاتبا وصحفيا، حيث بدأ النشر في سنة 1942 بمجلة الثقافة المغربية، التي كانت تصدر من الرباط، بمقالة حول شاعر العاطفة أبو القاسم الشابي، ونشر أيضا بمجلة الأديب وبالصحف المغربية كالعلم والتحرير والمحرر والبلاغ والمغربي والاتحاد الاشتراكي فيما بعد...وكان الوديع الآسفي مناضلا قوميا، حيث أصدر مجلة فلسطين وظل يترأس تحريرها من 1968 إلى 1971، إلى جانب المرحومين عمر بنجلون ومصطفى القرشاوي، حيث صدر منها 134 عددا، وكانت منبرا للأحرار والمدافعين عن الفكر الحر ضد مظاهر الاستبداد والطغيان، وورث عنه أبناؤه وبناته التشبث بالقيام النبيلة وحب الوطن ومنهم صلاح الوديع صاحب رواية العريس وعزيز وآسية، وليس هذا بغريب عن آسرة مناضلة ابتداء من الأب والأم المرحومة ثريا السقاط، صلاح الوديع الذي طالته هو الآخر لعنة الاعتقالات إلى جانب أخيه عزيز، يوم 6 نونبر 1974 حيث صدر فيهما حكم بالسجن لمدة 22 سنة، فمعذرة، إن كان المجال لا يتسع للحديث عن هذه التجربة، ولمحمد الوديع الآسفي قصائد شعرية أهمها قصيدة الجرح العنيد...مؤلفاتهالجرح العنيد ديوان شعر 1979 من معالم الطريق، عبد العزيز الماسي 1982 منطقة أيت باعمران ملحمة البطولة 1986 الأرض ديوان شعر 1983 السلفي المناضل محمد بن العربي العلوي 1986 عمر بن جلون الإنسان المتفتح كما عرفته 1992 عبد الرحيم بوعبيد مدرسة التكوين والتوجيه 1997 مخطوطاتهيطو الزيانية مشعل الثورة الأطلسيةمواقف بطولية حاسمة للمناضل السرفاتيالحركة الوطنية خلال النصف الأول من هذا القرن.