كنا نتمنى أن نبدأ حديثنا اليوم بالتمني بعودة ذكرى الإستقلال بخير، لأن إستقلالنا اليوم وكما كان منذ 22 ت2 1943، ليس ناجزاً بعد... بل أكثر من ذلك فهو هذا العام، يأتي، ومظاهر خرق السيادة والإستقلال وغياب الحرية تتأصل وتزداد وتتفاقم، بما ربط وطننا أكثر بتطورات الوضع الإقليمي، ومن جوانبه المختلفة، أي تلك الجوانب التي باتت تهدد ليس مظاهر الإستقلال فقط بل، وبفعل التواجد الأميركي الفاعل في بلدنا وربطه لمصيره بخطة أميركا، أي بخطة الشرق الأوسط الجديد، وبفعل تقاطع المشاريع الأخرى المواجهة أو المختلفة معه وتأثيراتها الداخلية، هذه المظاهر باتت اليوم تهدد وحدة الكيان الوطني اللبناني وليس فقط الإستقلال الوطني. لقد أضاع التحالف السياسي الطبقي الطائفي الحاكم خلال السنة الماضية، مرة جديدة، فرصة نقل البلد الى مرحلة الإستقلال الحقيقي. وبدل تحصينه من أية تطورات إقليمية عبر وضع أسس الدولة الوطنية الديمقراطية، عمد هذا التحالف الى إعتماد سياسة إعادة توزيع المحاصصة ورعايتها وربط البلد مرة جديدة بمصالح الدول الخارجية وبشكل خاص مصلحة المشروع الأميركي في المنطقة، حيث بات السفير الأميركي بحركته اليومية أنشط من أي زعيم أو وزير لبناني، يقرر السياسة العامة ويتفاوض في التفاصيل مع المعترضين ويعرض الحلول وبإسم السلطة اللبنانية ويحاول تأمين الحماية لها. وشيء طبيعي أن ينتهي هذا المسار، بالحكومة اللبنانية، الى العجز الطوعي عن مواجهة إعتداء قررته حكومة الوصاية الأميركية على وطننا وشعبنا ونفذه جيش العدو الإسرائيلي بأقصى ما يمتلكه من أدوات الإجرام والتدمير. ومرة جديدة كان على المقاومة الشعبية في لبنان أن تملأ فراغ عجز الدولة اللبنانية عن مواجهة مهمة حماية الوطن والشعب، هذا العجز الذي دعونا كيسار لبناني منذ نهاية الستينات وحتى قبل ذلك، وأكدناه في السبعينات على لسان الشهيد الكبير كمال جنبلاط، دعونا الى معالجته عبر تنظيم المقاومة الشعبية وعلى تأمين مقدمات الصمود الوطني، وطورناه في مرحلة حاسمة، مرحلة مواجهة الإجتياح الإسرائيلي سنة 1982 عبر إطلاق ج. م. و. ل. وعلى الدوام كان التحالف الحاكم مراهناً على الخارج، وعاجزاً ومتواطئاً مع العدو، مراهناً على إنتصاراته لتعزيز مواقعه الداخلية. فالقرار السياسي الذي حكم تجربة ثكنة مرجعيون هو نفسه منطق قوة لبنان في ضعفه الذي ميز قرار عدم مواجهة الإعتداء على مطار بيروت نهاية عام 1968، وهو نفسه منطق من نصبهم العدوان سنة 82 حكاماً على لبنان في التحضير الأميركي الإسرائيلي لإتفاقية 17 أيار. وفي كل تلك المراحل كانت المقاومة حالة طبيعية لسد هذا الفراغ، ولم تكن في أية حالة من الحالات رغبة شعبية في ضرب أسس الدولة. بل كان المقاومون في كل المراحل أكثر الناس رغبة في قيام دولة وطنية ديمقراطية، تقر سياسة دفاعية وطنية، بحيث يكون الصمود الشعبي بكل أشكاله عاملاً مكملاً لها. إن مواجهات الصيف، أكدت قدرة المقاومة على الصمود واستعداد الشعب اللبناني والجيش الوطني للعطاء والتضحية، لو تأمنت لهم الظروف المساعدة.إن لبنان المقاومة والشعب إستطاعا إلحاق الهزيمة بالقرار الأميركي وبالجيش الإسرائيلي، رغم سعي الإدارة الأميركية وجهازها الدولي وارتكازاً الى الموقف الملتبس للحكومة اللبنانية للتخفيف من وطأة هذه الهزيمة عبر محاولة تنفيذ القرار 1701 بما يتناسب مع مصلحة إسرائيل من جهة، وبما يورط القوات الدولية في قضايا لبنان الداخلية من جهة أخرى. إنها هزيمة محققة ليس فقط لإسرائيل وأميركا، بل أيضاً للرهان العربي على هذا المشروع وكذلك لمجمل سياسات الأنظمة العربية سواء تلك المتواطئة مع أميركا أو تلك الساكتة عنها او حتى تلك المواجهة لها خارج الحدود. إنها بشكل خاص هزيمة للنظام الطائفي اللبناني الذي فشل في بناء وطن متماسك معرّف بانتماء له بشكل مباشر دون المرور بالوسائط دون الوطنية.إنها هزيمة لنظام "الملالي" نظام أمراء الحروب الأهلية المتتالية وورثتهم، هزيمة لنظام المحاصصة والهدر والسرقات، نظام عشرات المليارات من الديون ومؤتمرات الدعم المفاقمة لها بأرقامها المختلفة. رغم هذه الهزيمة والآفاق التي تفتحها. فنحن مجدداً أمام مرحلة من التوتر الداخلي تضع بلدنا أمام إحتمالات ثلاث:- إما خضوع البلد لمنطق الشرق الأوسط الجديد بالمفهوم الأميركي، وبالتالي الى تفتيت البلد الى زواريب وشوارع وصدامات ذات طابع مذهبي وطائفي، وبالتالي المزيد من الضحايا والدمار والهجرة الشبابية الى الخارج، والمزيد من الفقر والجوع. - إما حصول مساومة إقليمية تنعكس في الداخل على إعادة تجديد لمنطق المحاصصة، يعيد إنتاج التسويات السابقة مع بعض التعديلات مما يهيء الأجواء لأزمات سياسية وإقتصادية وحتى أمنية جديدة وبالتالي لعودة حالة التوتر الراهنة بعد سنة أو بعد عدة أشهر وربما أسابيع. - أو ان تكون هذه المرحلة، بداية حقيقية لدخول بلدنا مرحلة بناء الوطن وإنشاء أسس دولة المؤسسات الديمقراطية، باتجاه لبنان العربي الديمقراطي الموحد والمستقل.نعم نحن امام فرصة جديدة لتجاوز مسلسل الأزمات المتتالية والدورية التي تشكل خاصية البنية الطائفية التحاصصية والزبائنية للنظام اللبناني، فالقضية لم تعد قضية محكمة ذات طابع دولي، فتلك بديهية وضرورة معترف بها، ونحن كحزب كنا اول من دعا لها يوم 19 شباط 2005، وكذلك الأمر لم تعد تسوية بين زعامات الطوائف تعيد إنتاج ظروف التوترات الأهلية كل سنة أو أكثر أو أقل. إننا اليوم أمام أزمة نظام، أمام تحدي بناء الكيان الوطني، أمام إعادة تأكيد الوظيفة والهوية والإنتماء للبنان الذي نريده وطناً حراً سيداً، ديمقراطياً موحداً وعربياً.نعم إنها أزمة نظام تتزامن فيه، أزمة مشروعية ودستورية مؤسساته كلها: - رئاسة الجمهورية ناقصة المشروعية بما ألحقته بها وبالوطن خطيئة التمديد.- حكومة سقطت منذ تأسيسها وتخليها عن منطق بيانها الوزاري وطبيعة تشكيلها. ومنذ فشلها في إعادة توحيد الوطن وعجزها عن التقدم في أي مشروع إصلاحي حقيقي على المستوى السياسي، وعجزها الإقتصادي، وعجزها الأمني. واكتمل سقوطها بسقوط وظيفتها الوطنية في مواجهة العدوان الأميركي الإسرائيلي. - مجلس للنواب مشكوك بشرعيته، بسبب القانون الذي أنتجه وبسبب من الظروف التي تم فيها إنتخابه، وبسبب من الأسس السياسية المشتركة للتحالف الرباعي الذي أنتج أكثريته، أيضاً بسبب عدم إستكمال شرعيته الدستورية بفعل تجميد المجلس الدستوري وعدم البت بالطعون، التي تكتمل معها شرعية أي مجلس نيابي. تجري اليوم نقاشات من مواقع مختلفة، تتغاضى عن مصلحتكم ومصلحة أبنائكم ومصلحة بناء وطن المستقبل، وطن يستحقه أبناؤكم ويفخرون بالإنتماء اليه.اما نحن ومن موقعنا غير المحايد، المستمر في المعارضة الوطنية المستقلة، لهذه البنية الطائفية للنظام، نرى إنتماءنا واضحاً لخيار الدخول في مسار بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، دولة المؤسسات العصرية، دولة الديمقراطية الحقيقية غير المبنية على منطق التكاذب الذي يتشاطرون باستعمال تسميات وهمية له من تعايش مشترك الى ديمقراطية توافقية الى غيرها من المسميات المؤبدة للنظام الطائفي والحاضنة لتوالد أزماته المنعكسة عليكم جميعاً وعلى أمنكم ومعيشتكم وعلى إقتصاد البلد وإستقلاله. وللدخول في مسار حل جدي نجدد طرحنا للمبادرة التي طرحها الحزب حتى قبل تشكيل الحكومة الحالية، المبادرة المنطلقة من مفهوم تكوين أسس الإصلاح الحقيقي، ومن واقع تزامن أزمة المؤسسات الدستورية الثلاث وضرورات الحل المتزامن لها. ونطرح إعتماد الخطوات التالية: أولاً: تشكيل حكومة إنتقالية من قضاة وخبراء إقتصاد ومستقلين ومحايدين تحدد فترة حكمها بستة أشهر كحد أقصى.- تعطى هذه الحكومة صلاحيات إشتراعية واسعة في كل المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية في جلسة الثقة. - بعد إعطائها الثقة والصلاحيات يتقدم رئيس الجمهورية باستقالته ناقلاً صلاحياته حسب الدستور لها. ثانياً: تقوم هذه الحكومة بإقرار قانون عصري للإنتخابات قائم على النسبية والدائرة الواحدة خارج القيد الطائفي والموجبات الإصلاحية التي وردت في تقرير اللجنة الإنتخابية.- تشكل هذه الحكومة الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية التي أقرها ميثاق الطائف والدستور. وتضع قانوناً لمجلس الشيوخ المفترض. - تشكل هذه الحكومة هيئة وطنية عليا للإعمار تشرف على إعادة إعمار البلد.- تشكل هيئة إقتصادية وطنية للإشراف على أي مؤتمر إقتصادي إقليمي أو عالمي لدعم لبنان.ثالثاً: تشرف هذه الحكومة عبر هيئة مستقلة على إنتخابات نيابية مبكرة ضمن مهلة الأشهر الست حيث ينتخب المجلس الجديد رئيساً جديداً للجمهورية، وبعدها يجري تشكيل الحكومة على أساس حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية. إن مبادرتنا اليوم في حال تبنيها، تشكل في الوقت عينه:- حلاً متزامناً للأزمات المتوازية. يحصن بلدنا أمام التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة.- ومدخلاً للإصلاح الديمقراطي الحقيقي الذي تعطل بفعل عدم تنفيذ البنود الإصلاحية للطائف من 16 عاماً حتى الآن. وشيء طبيعي في هذا المجال ان تطرح قضية النزول الى الشارع، المتداولة هذه الأيام. وهنا بضعة ملاحظات سريعة:الأولى: إن التحركات الشعبية ذات الطابع الديمقراطي حق لكل مواطن من أجل الدفاع عن حقوقه المصادرة من قبل السلطات المتعاقبة. وبشكل خاص إن أي تحرك شعبي لإسقاط الحكومة الحالية له تبريراته الوطنية الواضحة. الثانية: إن الخلل الرئيسي في هذا المجال هو ان القوى المذهبية والطائفية، صادرت من خلال تكوينها وشعاراتها هذا الحق الطبيعي، وحصرت التحركات الشعبية بمظاهرات إظهار البيعة ومنعت عبر آليات الإنتظام السياسي في لبنان، الشعب اللبناني من التعبير الشعبي دفاعاً عن حقوقه المعيشية والسياسية. الثالثة: إن أهم مظاهر منع العمل الشعبي اثنان: الأول حصر الحق المقدس بالتظاهر بالشعارات المقدسة، عند كل جمهور، والثاني تكريس منطق الشارع والشارع المضاد والذي كان إحدى بدع النظام الأمني السابق ويبدو أن بعض جماعة الحكومة اليوم، استعادت سواطيرها في التهديد بالشارع المضاد ومفاعيله. أما بالنسبة لنا كحزب، وامام الدعوات الحالية، فنعلن أننا متمسكون بحقنا وبحق الشعب اللبناني بالتعبير الديمقراطي، وبكل الوسائل عن آرائه ومواقفه، ولذلك سيكون لنا تحركاتنا الخاصة في هذا المجال. ولكن من جهة أخرى نعلن عدم قناعاتنا بالنزول الى الشارع إذا كان الهدف مجرد تعديل موازين القوى في لعبة تقاسم وتحاصص جديدة سقفها كذبة الديمقراطية التوافقية. والشرط الرئيسي لمشاركتنا في أي تحرك شعبي هو التزامه كحد أدنى سقف الإصلاح السياسي الموجود في الطائف وأبرزه: قانون إنتخاب على أساس النسبية ولجنة وطنية لإلغاء الطائفية، وكذلك اخذ خطوات جدية للمحاسبة على الفساد ووقف الهدر ومعالجة إقتصادية تأخذ بعين الإعتبار أولوية الأمان الإجتماعي للفئات الشعبية. ونرى ان في تبني المبادرة التي أطلقناها كاملة ودون تشويه أو إنقاص مشوه، هو السقف الذي يمكن لقوى اليسار والشيوعيين التحرك ضمنه. إن غياب الإطار الذي يتوحد ضمنه اليساريون والديمقراطيون والعلمانيون في لبنان هو المسؤول عن تدني سقوف المطالب الإصلاحية في كل المحاولات والتحركات السابقة. ولذلك فإن توحيد القوى العلمانية والديمقراطية واليسارية يشكل بالنسبة لنا الهم الأول والذي يمكن عبره تحسين شروط التقدم على طريق الإصلاح الديمقراطي. وفي هذا الإطار، نكرر اليوم دعوتنا للقوى والشخصيات الديمقراطية واليسارية للتداعي والتلاقي دون إشتراطات مسبقة، أي أن كل من يعتقد في نفسه (إطاراً أو شخصاً) الإنتماء الى بديهيات ثلاث:أ. مواجهة المشروع الأميركي الإسرائيلي. ب. التغيير الديمقراطي في لبنان. من أجل لبنان العربي العلماني الديمقراطي السيد والمستقل.ج. الإنحياز لمصالح الفئات الإجتماعية الشعبية والمتضررة من السياسات الإقتصادية التي أفقرت بلدنا خلال السنوات الماضية وجوعت أبنائه. إنها بديهيات تحدد صفة من نرى أنهم معنيون بالدعوة لهذا اللقاء ليس كمدعوين بل كأصحاب دعوة. وهي بديهيات متكاملة وليست انتقالية.أنها مرحلة حساسة من حياة البلد تفرض على اليسار مرة جديدة وبشكل ملح إعادة صياغة مشروعه الخاص لأعادة بناء الوطن وتطويره لذلك نقترح على كل المعنيين التلاقي للتشاور واعتماد الآليات في الملاحقة المستقبلية وذلك في 6 كانون أول ذكرى ميلاد الشهيد الكبير كمال جنبلاط تمام الساعة الرابعة بعد الظهر في قاعة قصر اليونسكو.