الثلاثاء 29 أغسطس 2006 - أولا كلام معاد ..كما هو الحال بالنسبة لمفاهيم متعددة أخرى مثل مفهوم " العدالة الانتقالية " ، حيث لم يثبت أبدا وجود أية وثيقة أممية أو دولية إقليمية تقول به أو تنص عليه ، لا يتوقف أفراد نخبتنا السياسيون منهم خصوصا عن التحدث و المجادلة و اللجاج في أحيان عديدة حول مفهوم أريد له أن يتخذ عنوانا لطبيعة المرحلة التي يجتازها المغرب ، ألا هو مفهوم " الانتقال الديمقراطي " . و في حين أن مفهوم " العدالة الانتقالية " ما هو في الواقع سوى ابتكار توخى من تفعيله مجموعة من المسهلين ( الوسطاء ) الحقوقيين ذوي الاهتمامات السياسية تيسير مأمورية المصالحة بين فرقاء الصراع في البلدان التي ما تزال فيها أنظمة الحكم تتشبث بمعايير و أساليب و أدوات عتيقة و غير عقلانية في تمثلها للإنصاف و لحقوق و مسؤوليات الأفراد و المجموعات مقابل إعلانها اللفظي على أنها اختارت طي ملف الماضي المأساوي، الأوتوقراطي ... فإن مفهوم " الانتقال الديمقراطي " هو بدوره قد تم تبنيه من قبل "ديمقراطيينا"العرب و من ضمنهم المغاربة ، بشكل متأخر ، أي بعد ثلاثة عقود من إعادة إشاعته ، إثر سقوط جدار برلين ، في أوروبا الشرقية و عديد من دول أمريكا اللاتينية .. و فيما أن تبنيه في الدول الأخرى خارج شمال إفريقيا و الشرق الأوسط كان من أجل تحقيقه هو في حد ذاته ، فإن هذا التبني ، و خاصة بعد أحداث 11 يناير 2002 و على الأخص بعد الغزو الأمريكي للعراق ، إنما جاء ليعطي للأنظمة العربية السائدة ، في سوريا ، مصر ، الأردن ، تونس ، البحرين ،المملكة العربية السعودية ، المغرب ... و غيرها ،مزيدا من الوقت لترتيب بيوتها و ترسيخ وجودها و بالتالي مواصلة تسيير البلاد و العباد بناء على حاجاتها هي و ضمانا لامتيازاتها و مصالح حوارييها .و هكذا ، فبدل الدعوة إلى إعمال الديمقراطية و تفعيلها و المساهمة في ذلك بناء على مبدإ المشاركة المتساوية، يصر سياسيونا على الزعم بما مفاده أن " الانتقال الديمقراطي " ليس هو المطلوب في حد ذاته ، بقدر ما هو مجرد آلية " يتعين الاعتماد ( عليها) في المسار الذي عرفه المغرب على درب بناء المؤسسات و تحديث الدولة دون إهمال ما يشكل جوهر أصالته و تجربته التاريخية التي ضمنت الاستمرارية على مدى القرون ... و إن العقود التي شملتها الخمسون سنة الفارطة تدل على أنها خضعت لفكر متناسق من عبقرية ملوك المغرب الثلاثة بحيث أن الانتقال كان دائما عملية مضبوطة تعين فيها انتقاء العناصر الثابتة المتحكمة في السيرورة الممتدة على الأمد الطويل من العناصر الظرفية العابرة " (1). ولا غرابة في أن معلني " الانتقال الديمقراطي " بهذا المعنى، ليس لديهم أية مطالب جوهرية إزاء النظام القائم و لا إزاء علاقاته و ثقافته المخزنية ، ولكن الغرابة كل الغرابة هي في أن خطابهم يتوجه بالدرجة الأولى إلى الذين يعتبرون في نظرهم متشككين في طبيعة المرحلة أو يؤكدون على ضرورة تعجيل الدولة بإنجاز مهماتها ذات الصلة بالارتقاء بالديمقراطية بدءا بقبولها والالتزام بالقطيعة مع غيرها مرورا بتأسيسها وتنمية مبادئها الوظيفية و تيسير مقتضياتها و إشاعة ثقافتها وصولا إلى ترسيخ قيمها و توطيد آلياتها المادية و المؤسساتية و التربوية .... وإلى تنميتها. و فوق ذلك إن أصحاب هكذا خطاب لا يكتفون ، فقط ، بمحاولة كبح عزائم رفاقهم المعارضين لفلول الاستبداد ، بل يضغطون عليهم من أجل دعم هذه الفلول نفسها ضد خطر آخر لا ملامح له سوى زعمهم بأنه خطر محدق . فهل هناك خطر على الجميع أكبر من غياب الديمقراطية الحقة ؟ و هل هناك نهج اسلم من مساهمة الجميع في وضع قاطرة البلاد فوق سكة فولاذية للديمقراطية و تكون برامجها و محطاتها و مواقيتها و فعالياتها و ارتداداتها و تقويماتها مجدولة و مشهود عليها من قبل الجميع ؟ كيف ذلك ؟ثانيا تذكير لا بد منهفي الأصل إن مفهوم " الانتقال الديمقراطي " و مفهوم " تداول السلطة " يتفرعان عن مفهوم أصيل آخر هو مفهوم " دولة القانون " الذي يعود في ظهوره إلى أواخر القرن التاسع عشر حيث كانت ألمانيا في عهد بسمارك تتجه نحو بناء " دولة قومية مركزية لكن معقلنة و حسنة السير "، و ذلك قبل أن يكتسب هذا المفهوم بعدا آخر هو البعد الليبرالي . و بغض النظر عن تعدد المنظورات الفقهية و السياسية التي واكبت منذها ، سواء بالتنظير أو بالتطبيق ، مسارات دولة القانون ، فإن هذه الميزة قد أضحت اليوم مضمنة في إطار مفهوم جديد هو مفهوم"الحكم الجيد " أو " الحكم السديد " أو " الحكم الرشيد " ، و ذلك باعتبار أن" دولة القانون " هي في البلدان الديمقراطية باتت من المسلمات التي لا جدال فيها ، و أن نوعية الحكم ترتبط اليوم بمدى وجود دولة القانون و بمدى جودة الحكم في ظل هذه الدولة . بناء على ذلك ، ما هي الإشكالية التي يطرحها ، إذن ، مفهوم الانتقال الديمقراطي في بلدنا المغرب ؟ و كيف تتم الدعوة إلى معالجة هذه الإشكالية ؟ في مقابل ما تعنيه بصفة عامة " دولة القانون " من توازن و اعتدال في ممارسة الدولة لسلطاتها أطلق فرقاء العمل السياسي في المغرب العنان لإشكالية ذات حدين مطلقين هي إشكالية عامل القوة و الضعف في ممارسة الدولة لتلك السلطات . فما أن تم تدشين الحكومة التي سميت ب " حكومة العهد " أو " حكومة التناوب " حتى انقسم قومنا إلى تيارين أحدهما ، قادم في قيادته للعمل الحكومي من المعارضة الوطنية الديمقراطية السابقة ، يدعو إلى وجود سلطة قوية تمارس دورها لأداء و ضبط متطلبات التطور الديمقراطي من خلال الإشراف المباشر على الأجهزة و المؤسسات الرسمية و غير الرسمية و متابعة دور المنظمات غير الحكومية، و آخر يتشكل من أطياف اليسار و الحركات الإسلامية المشروعة أو العاملة بحكم الأمر الواقع أو بتساهل معها، يدعو إلى تقليص سلطة الدولة في الإشراف على العملية الديمقراطية على اعتبار أن المؤسسات غير الحكومية و مؤسسات المجتمع المدني قادرة على أداء دورها في ضبط وتقويم متطلبات النمو الديمقراطي .و في حمأة هذا الانقسام الذي اتخذ مع مرور الوقت صبغة ميكانيكية صرفة، فات الجميع الاسترشاد بمحددات شبكة المفاهيم و التعميمات التي يوظفونها في هذا الجدال . و كان من أهم هذه المحددات المهملة : (2)1 أن مفهوم دولة القانون هو مؤشر أساسي في تبين الانتقال أو التحول في الحكم من المشخص / الفيزيائي إلى المجرد / الاعتباري. أي بمعنى أوضح تبين انتقال الحكم من مفهوم ذاتي أو شخصي متصل بالحاكم إلى مفهوم مجرد أساسه القاعدة القانونية و المؤسسة .2 أن هدف دولة القانون هو الانتقال من حكم مطلق أو حكم بدستور يضيق على الحقوق و الحريات و يطلق يد الحاكم لتطال كل شيء إلى حكم تخضع فيه كافة السلطات لبنية قانونية ذاتية تمتد من الدستور إلى باقي مبادئ و قواعد القانون الطبيعي ، و تتقيد بها .3 أن وسائل تحقيق هذا الهدف تتمثل في :أ الفصل بين السلطات ، و ذلك كما يقول مونتسكيو لإجبار الحكم على الاعتدال و التوازن و منعه من الانحراف ، و للوقاية من عدم إساءة استعمال السلطة ، و لكي تحد السلطة من جبروت السلطة .ب ضمان استقلال القضاء و الإقرار بالرقابة القضائية ، أي الانتقال إلى تأسيس سلطة قضائية ، في المجالات الجنائية و الإدارية و التجارية و الدستورية ، تكفل الاستقلال الشخصي و الوظيفي للقضاة و تمارس على الجميع بحيث لا يفلت أي واحد ، مهما يكن ، أو أي عمل من أعمال أشخاص الدولة أو سلطاتها أو أجهزتها من رقابتها .ج الخضوع لسيد واحد و أوحد هو قانون الدولة الديمقراطية ، أي الانتقال من إعلان الطاعة للحاكم ، مهما كان أصله أو فصله ، فردا كان أو مؤسسة أو أسرة ، إلى خضوع كل من هذا الحاكم و المحكوم للقانون الموضوع بطريقة ديمقراطية و كذا للمؤسسة الديمقراطية ، و ذلك علما بأن الانتقال إلى دولة القانون و بها و بشكل متواز إلى الديمقراطية و عبرها لا يحتاج إلا إلى أشخاص عاديين و لا يخفون حقيقتهم خلف أي من الشرعيات الوهمية أو غير العقلانية ، أشخاص يستمدون شرعيتهم أو تسند إليهم السلطة عن طريق الشعب دون سواه و يخضعون ، هم أنفسهم كما هو حال باقي أفراد الشعب ، لسيد واحد ، أعلى و مقدس هو قانون دولة القانون.4 أن تأطير كل من تلك المحددات و تقعيدها يتم بناء على تعاقد دستوري ( مكتوب أو غير ذلك ) . و في حالة عدم الرضا بإحداث جمعية تأسيسية تضم مختلف فرقاء الإطار الحضاري للمجتمع المغربي ، يمكن الاحتذاء ، في إنجاز هذا التعاقد ، بنموذج عملية وضع دستور جنوب إفريقيا لسنة 1996 . فهناك كما هو الحال عندنا ظل الناس مبعدين عن المشاركة المباشرة في وضع دساتير هذا البلد ، و لكن قادته بادروا إلى تعزيز الانتقال الديمقراطي بإبرام مفاوضات استغرقت سبع سنوات ( 1996 1989 ) أجريت خلالها نقاشات ذيلت باتفاقات حول طريقة وضع الدستور و إجرائياتها ، و توجت باتفاق حول دستور انتقالي ، لتختتم بإجراء الانتخابات البرلمانية لأبريل 1994 و اجتماع البرلمان في الشهر الموالي بصفته جمعية تأسيسية ، حيث و بموازاة مع حملات تعبوية للمواطنين للمشاركة ، توصلت لجان الجمعية التأسيسية بعد نشرها لمسودة الدستور الجديد في نونبر 1995 بحوالي مليوني اقتراح من قبل الأفراد و المجموعات و الجمعيات و الهيئات، تم أخذها بعين الاعتبار في إخراج المسودة المعدلة ، و ذلك قبل أن يتم وضع نص الصيغة النهائية في ماي 1996 و الذي راجعته المحكمة الدستورية بين شهري يوليوز و شتنبر من نفس السنة لتصادق عليه في شهر أكتوبر الموالي بعد أن أدخلت عليه اللجان التأسيسية التعديلات المطلوبة ، و ليوقع عليه الرئيس نيلسون مانديلا في دجنبر 1996 و ليصبح بالتالي دستور دولة القانون في جنوب إفريقيا . 5 أن المشكلة ليست في وجود نظام ملكي أو جمهوري أو جمهوري وراثي ، بل المشكلة أم المشاكل هي حين يضفي دستور غير ديمقراطي ، صاغه الأمير أو الملك أو الرئيس على مقاسه ، كل ميزات نظريات الحق الإلهي و التيوقراطية و الأوتوقراطية على هؤلاء الأشخاص ، و حين يختزل هذا الدستور دولة القانون و الديمقراطية في التعددية الحزبية و النقابية لكن دون تعددية فكرية و سياسية و اجتماعية تسمح بإبداء الرأي في هكذا نظام ملكي أو جمهوري أو جمهوري وراثي و التعليق عليه ، و في إجراء الاستفتاءات و الانتخابات لكن في إطار من التضييق على الحريات و بما يضمن دائما تزكية شعبية لمشروع أو مقترح ما و إلا هل هناك من يمكنه التذكير باستحقاق خلص إلى عكس ذلك ؟ و في القول بالفصل بين السلطات لكن عن طريق جعل عملية رسم السياسة العامة للدولة و الأولوية في التشريع و الأمر بتنفيذ التشريعات الأساسية في يد نفس الأمير أو الملك أو الرئيس و جعل كل من الحكومة و البرلمان مجرد هيكلين صوريين ، و بدل قضاء الحرية الذي يحمي الحقوق و الحريات الإصرار على إبقاء الشرطة القضائية و القضاة حماة في القضايا السياسية و قضايا الرأي للحكام ضد المحكومين . أكرر ، إن المشكلة ليست في وجود نظام ملكي أو جمهوري أو جمهوري وراثي ، بل المشكلة ، بالإضافة إلى ما سبق ، هي حين يحرم النظام الأول الناس من التفكير في النظام الجمهوري و التصريح بتثمينهم له أو حين يحرم النظام الثاني الناس من التفكير في النظام الملكي و إعلان تنويههم عنه . ألح في التكرار ، إن المشكلة ليست في وجود نظام ملكي أو جمهوري أو جمهوري وراثي ، بل هي بالإضافة إلى كل ما سبق في أن تتركز أخطر السلطات في يد الأمير أو الملك أو الرئيس و يمنع الناس من قول ما مفاده: لقد أخطأت يا مولانا الأمير ، أو لقد جاوزت الحدود يا صاحب الجلالة ، أو لقد بلغت أقصى درجات تشجيع الفساد يا صاحب الفخامة .6 أن الحرية في إبداء الرأي و التعبير و الحق في الوصول بكامل الحرية إلى المعلومات و الولوج إلى مصادرها يعلوان على أي دستور غير ديمقراطي و كذا على أي قانون تنظيمي آخر يسترشد بمثل هكذا دستور و لا يعلا عليهما . ففي دولة القانون لا يوفر الانتقال الديمقراطي أيا كان من الخضوع للنقد الموضوعي و الموثق . إن كل شخص سواء انتدب نفسه ، للقيام بمهام لها تأثير ما و يفرد لنفسه أو تفرد له امتيازات لأجل ذلك أو بناء على منطق الغالب أو غيره من الأعراف أو التقاليد أو انتدب بطريقة ديمقراطية للقيام بذات المهام أو بأخرى هو ، بالنظر إلى أنه غير معصوم من الخطإ و إلا فلا مكان له بين الناس ، من المفروض أن يخضع للمساءلة مثله في ذلك مثل كافة العالمين من غير الملائكة . 7 أن ما يعتبر في الدول غير الديمقراطية خروجا عن القانون ( أي خروجا عن الدستور و غيره ) ما هو في الواقع في نظرية دولة القانون سوى حركة عصيان مشروعة ضد تشريعات تسلب من الناس حقهم في السيادة و في الاختيار و في المشاركة و في عدم تقديس أي شيء لا يرغبون في تأليهه وذلك خاصة و أن الديمقراطية نفسها لا تحتاج لأن تكون مقدسة مادامت مجرد نمط لحكم سياسي يمارس على مواطنين أحرار . و قد يكون من أسباب لجوء بعض الحكام في الأنظمة غير الديمقراطية إلى اعتماد مساطر العفو لفائدة الخارجين عن طاعتهم إدراكهم بين الفينة و الأخرى لوجود خطإ ما في سندهم القانوني ، و لكنهم بدل أن يجتثوا الخطأ من جذوره أو أن يعملوا على إصلاحه يواصلون ممارسة سياسة شد شعرة معاوية إزاء تداعياته و إزاء ردود خصومهم .ثالثا عود إلى الكلام المعادما هي إذن المكتسبات التي تحققت ، من بين تحديثات دولة القانون المرصودة أعلاه ، في بلدنا المغرب ؟ أكيد أن هناك من آل على نفسه ، عن سبق إصرار و ترصد ، أن يبادر إلى الجزم بأن كل تلك التحديدات قد تم إنجازها ، و أنه في حالة ما إذا لوحظ بعض التأخر في بعضها فذلك إنما يعود ، من بين ما يعود إليه ، إلى ميل بعض الناس إلى المراهنة " على التفرقة و الفوضى " و " على الضجيج و المبالغة و الكذب و المزايدة كسبل للارتقاء الاجتماعي ، و التجرؤ على التلاعب بالوحدة الترابية و بالسلم الاجتماعي و الاستقرار السياسي للبلاد، و مغازلة قوى أجنبية ... ". هل حقا أن الأمر كذلك ؟ ربما ، و لكنه من الأجدر لفت الانتباه إلى ما يلي:• في دولة القانون ، لا يمكن تصور انتقال ديمقراطي بدون معارضة ؛• في دولة القانون ، لا يحتاج الانتقال الديمقراطي إلا إلى أن يكون ديمقراطيا و وجهته بالأساس هي الارتقاء بالديمقراطية ؛• في دولة القانون لا يحتاج الأمير أو الملك أو الرئيس إلى ثلة من الأفراد تعلن تحيزها بشكل سافر إلى جنابه و توكل لنفسها مهمة رصد و تصيد كل نقد كبير أو صغير يصدر عن المعارضة تجاهه ثم تحوله إلى ضجة إعلامية سرعان ما يدرك الجميع ، بمن فيهم أفراد الثلة إياها و ذلك بفعل التكرار ، أن الغرض منها لا هو تقديم الدعم للانتقال الديمقراطي و لا للسلطان و إنما الغرض هو تجميع الدعم لزعماء نفس الثلة و تمكينهم من شرعية ما أمام السلطان. و على العكس من ذلك ،إن ما يحتاجه الأمير أو الملك أو الرئيس، فعلا ، هو الديمقراطية و مقتضياتها التي تكفل للمعارضة ، أفرادا أو مجموعات ، حرية إبداء الرأي و التعبير بكل موضوعية و شفافية و عفة و تجنب للقذف أو السب أو التشهير بما هو غير موثق و مؤكد.• في دولة القانون ، بما فيها " الدولة " التي يوافق فيها الناس بمضض على أن يستمر في الحكم حاكم لم يصل إلى هذا المنصب بناء على تفويض من الشعب ، لا يسع الحاكم إلا أن يصم أذنيه عن المتملقين له فهؤلاء لا نفع من وجودهم ، و أن يتأمل مطالب مناوئيه فهؤلاء يعكسون بالضبط جملة اختلالات لم يطلها الاهتمام و مجموعة مصالح لم يشملها الاعتناء ، و أن يلبي ما أمكن الحد الأدنى الضروري من هذه المطالب لضمان اعتراف متبادل و تعايش سلمي بين مختلف مكونات الإطار الحضاري للمجتمع في سبيل انتقال ديمقراطي يعيد تشكيل و ترتيب حاجات الجميع على اختلافها بناء على أولويات التنمية البشرية للوطن .• في دولة القانون قد يحتاج الانتقال الديمقراطي إلى انتصاب وسطاء يسهلون حل النزاعات بين فرقاء الصراع السياسي في البلاد بطرق سلمية لا تهديد فيها و لا وعيد . و لكن أجندة مثل هؤلاء الوسطاء لن تتكلل بالنجاح ما لم يتم الإقرار فيها بإيجابية النزاعات في إظهار كل طرف حاجاته لدى الطرف الآخر ، و ما لم يتم التشبث في هذه الأجندة بمبدإ أن يتقدم كل طرف تجاه الطرف الآخر بنسبة 50% من مسافة الخصومة أو سوء التفاهم بينهما .و لأن الملاحظات أعلاه تقع في صلب محدد آخر من محددات دولة القانون و الانتقال الديمقراطي هو مفهوم تداول السلطة ، يكون من الأجدر كذلك لفت الانتباه إلى ما يلي :• في دولة القانون ، لا يعني " التناوب " تداولا بين أحزاب لتنفيذ سلطة هي بيد الحاكم وحده ؛• في دولة القانون ، يعني " التناوب " أو التداول " تناوبا أو تداولا على السلطة هي نفسها ؛• في دولة القانون يقصد ب " تداول السلطة " انتقال السلطة ، أي رئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة أو هما معا من شخصٍ لأخر، و انتقالها من جماعة سياسية ، أي من حزب أو تشكيلة حزبية لأخرى وفقاً للطرق المحددة في الدستور الديمقراطي . و هو كما يقول شارل دباش : " مبدأ ديمقراطي لا يمكن،وفقه ، لأي حزب سياسي أن يبقى في السلطة إلى ما لا نهاية له ، و يجب أن يعوض بتيار سياسي آخر". و يقصد به كما يقول جان لوي كرمون ذاك المبدأ الذي يدخل " تغييرا في الأدوار بين قوى سياسية في المعارضة أدخلها الاقتراع العام إلى السلطة و قوى سياسية أخرى تخلت بشكل ظرفي عن السلطة لكي تدخل إلى المعارضة ". إن الأمر يتعلق ، في النهاية ، " بالجانب الوظيفي للتداول من حيث كونه آلية لإدارة الدخول و الخروج إلى السلطة والى المعارضة بين تيارات سياسية مختلفة " و ليس آلية لامتحان مدى كفاءة هذه التشكيلة الحزبية أو تلك في تدبير السياسة العامة للبلاد التي يرسمها الأمير أو الملك أو الرئيس ..• في دولة القانون ، قد يكون تداول السلطة مطلقا كما هو الحال في المملكة المتحدة ، و قد يكون نسبيا كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، و قد يكون بتدخل آخر كما كان الحال في ألمانيا ... و لكن في كل من هذه الحالات و مثيلاتها يسعى المتداولون إلى تطبيق مشاريعهم هم و يتحملون مسؤولياتهم هم بصدد مآلها بحيث يساءلون حولها من قبل قواعدهم الحزبية و من قبل المصوتين لفائدتهم كما من قبل معارضيهم،و كل ذلك في إطار احترام الدستور الديمقراطي للبلاد .رابعا مواصلة التذكير بما لا بد منهفي غمرة المونولوجات الداخلية ، و التي لا ترقى إلى مستوى النقاش العام و المفتوح بما يفيد الحاكم و المحكومين، حول الانتقال الديمقراطي في بلدنا المغرب ، غالبا ما يتحاشى المتكلمون و المتراجمون بالمفاهيم وضع أنفسهم مكان توقعات الناس من دولة القانون و من الانتقال الديمقراطي و كذا من تداول السلطة . و حتى في الحالات التي يزعمون فيها بأنهم يضعون تلك التوقعات نصب البال ، غالبا ما يتغافلون مجريات الحياة اليومية المعتادة و المألوفة لأغلبية الشعب المغربي في مونولوجاتهم و حروبهم الكلامية هاته . فالتعددية الحزبية و النقابية و الانتخابات النزيهة و الحرة و الصادقة و البرلمان ليست بأي حال مكتسبات تم التصدق بها على مواطنينا بقدر ما هي استرجاع من قبل هؤلاء المواطنين لحقوق، هي بمثابة مسلمات ، كان بعضها مسلوبا منهم . و على العكس من ذلك ، فإن الإقرار بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية للناس و بمساواتهم فيها إذا ما تحقق و تم الحسم في مسألة على من تقع مسؤولية التقرير في سرعة إنجازه ؟ و تم إعماله في سياق من الديمقراطية يمكن اعتباره بحق أحد مكتسبات دولة القانون و الديمقراطية و تداول السلطة . و بعبارة أخرى ، لن تتحقق مثل هذه الدولة ما دام جزء مهم من ساكنتها يعيش الفقر المدقع، و مادام متعلموها و الحاملون لشهادات عليا من خريجي جامعاتها و غيرهم يعانون من التهميش و العطالة و ما دامت الأمية بكل أنواعها و مستوياتها تضرب أطنابها في أكثر من نصف هذه الساكنة ، و ما دام ضمان الصحة يعوز معظم أفراد أغلب الأسر ، و ما دام تفشي الفساد يعيق تأهيل المقاولة ، و بالتالي لن تتحقق الدولة إياها مادام الغنى الفاحش يزداد ، بغير حق ، تراكما لدى المحظوظين و الفقر يزداد انتشارا ، بدون حق كذلك ، بين الأغلبية الساحقة للسكان . في مؤلفه " العقد الاجتماعي " يقول روسو : "أما في ما يتعلق بالثروة فإن المساواة تعني ألاٌ يبلغ أي مواطن من الثراء ما يجعله قادراً على شراء مواطن آخر وألاٌّ يبلغ مواطن من الفقر ما يدفعه إلى بيع نفسه. "و الآن و قد دخلنا بدعوة من الملك محمد السادس مرحلة معالجة قضايا تحديث البلاد في إطار مفهوم " التنمية البشرية " ألا يكون لزاما تنمية مفاهيم دولة القانون و الانتقال الديمقراطي و تداول السلطة على ضوء مفهوم الحكم الرشيد ، و ذلك مع الحرص على إعمال معيار " التمكين " ؟ أي الحرص على تمكين الناس من تعدد الاختيارات ، لأن التنمية البشرية تتم بالناس و ليس فقط من أجلهم ، فالناس في هذه التنمية عامل فاعل فيها و ليسوا مجرد متلق بدون خيار أو قرار ...*المصطفى صوليح El Mostafa Soulaihكاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق الإنسان و المواطنة – من أطر اللجنة العربية لحقوق الإنسان[email protected]هوامش :( 1 ) محمد معتصم : " الذكرى ال50 لثورة الملك والشعب تجسد معلمة خالدة في تاريخ المغرب تعبر عن العروة الوثقى بين العرش والشعب على مدى العصر " ، مداخلة ضمن ندوة علمية لأكاديمية المملكة ، يوم 23 / 08 / 2003 .( 2 ) د. بسام دلة " دولة القانون الضرورة و المقدمة للشروع في التنمية " ، ☻ المصدر : موقع اللجنة العربية على الويب .