وقفة مع مقال الأمير هشام العلوي "البيعة بين الممارسة الديمقراطية والحكم الثيوقراطي"
محسن الندوي باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
بعدما قرأت مقال نسب إلى الأمير هشام العلوي ، أردت أن أقف عنده لأهميته، واردت أن أتفضل ، مع اتساع صدر الأمير الباحث، ببعض الافكار والملاحظات والتوضيحات. أولا، بداية انه لمن المستغرب أن يكتب الأميرالباحث، المقال باللغة الفرنسية لغة الغرب العلماني ، وهو يتحدث عن موضوع يهمّ المغاربة بصفتهم مسلمين، بحيث جاء في المقال بترجمته العربية ما يلي: "خص الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك محمد السادس، النسخة الفرنسية من موقع "لكم" بمقال يرد فيه على ماجاء في الدرس الذي ألقاه احمد التوفيق أمام الملك في إطار ما يعرف ب"الدروس الحسنية" فالامير الباحث ينبغي أن يتشبع أولا ويعتزّباللغة العربية ، لغة العرب والمغاربة قبل أن يتحدث عن مواضيع تتعلق بحياتهم السياسية والاجتماعية . ثانيا ، تحدث الأمير الباحث، عن الحراك العربي معتقدا وواهما بأن الامة العربية تسعى من خلال ثوراتها إلى إسقاط الدين من حياتها السياسية والاجتماعية عندما قال :" ويتميز هذا المطلب في خاصية جوهرية تلخصها ضرورة رسم الحدود بين السياسي والديني،" والواقع أن الاسلام بالنسبة للعرب والمسلمين كالأوكسجين الذي لا يمكن استمرار الحياة السياسية والاجتماعية العربية بدونه، ومثال على ذلك ، عودة حزب النهضة ذو التوجه الاسلامي الى الساحة السياسية بتونس، وبروز دور قوي للاسلاميين من الاخوان والسلفيين في ميدان التحرير بمصر، والتهليل بالله أكبر للثوار بليبيا، وغيرها، فلا يمكن مقارنة الاسلام في عالمنا العربي بالمسيحية في الغرب، لأن المسيحية دين تمارس طقوسه في الكنائس ، وشعاره هو ليس هذا العالم مملكتي، أي أنه دين يمكن رسم الحدود فيه بين الديني والسياسي ، أما الاسلام فيجمع بين الحياة السياسية ( تخليق الحياة العامة، سنّ قوانين تمنع الخمور ، الربا، القصاص ..) والحياة الآخرة وشعاره الآية الكريمة :" ربنا آتنا في الدنيا حسنة والآخرة حسنة "، بحيث ستكون فتنة في الامة المغربية والعربية ، إذا حاول أي مسؤول رسم الحدود بين الديني والسياسي ، لأن ذلك مخالفة صريحة لتعاليم القرآن الكريم. ثالثا، اعتبر الامير الباحث، ان الدروس الحسنية الرمضانية توظّف الدين في السياسة ، وللتذكير فقط فإن الدروس الحسنية لم تعرف اليوم بالمغرب فقط وإنما منذ عهد الحسن الاول وما قبله ، وقد حاضر فيها كبار العلماء امثال ابو الحسن الندوي، وابو الاعلى المودودي، و متولي الشعراوي..ومثل هؤلاء العلماء معروفون بغيرتهم على الدين حقا ومن الصعوبة استخدامهم كأوراق دينية في الشأن السياسي. رابعا، عندما تحدث الامير الباحث، عن محاضرة وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية، هذا الوزير الذي سبق لي أن تحدثت عنه في احدى مقالاتي بانه في الواقع لا يمثّل الشؤون الاسلامية في شيء ، وانما يمثل فقط الاوقاف والحبوس . فهو مجرد موظف سام يلتزم بالتعليمات بدقّة في الشؤون الدينية ولا يستطيع – خوفا على منصبه - أن يتجرأ باقتراح مثلا مشاريع دينية لصالح المغاربة ويعلنها للملأ ويبرئ ذمته أمام الله تعالى منها مشروع صندوق يفرض الزكاة على الاغنياء ومشروع تأسيس بنك إسلامي بالمغرب ، او مشروع منع بيع الخمور بالاسواق الممتازة وغيرها . خامسا ، بالنسبة للبيعة موضوع محاضرة وزير الاوقاف في الدرس الاول من الدروس الحسنية ، ينبغي القول بان مفهوم البيعة المتّبع بالمغرب مفهوما مستحدثا وليس تقليديا ، بمعنى أن البيعة بمفهومها التقليدي كما جاءت في صدر الاسلام تقوم على عقد يتم بين الحاكم والمحكوم على أساس أن الحاكم مادام يطبّق التعاليم الاسلامية في البلاد، فطاعته واجبة، والعكس صحيح، في المغرب هناك مفهوم مستحدث للبيعة لا ينبني على ما هو تقليدي بل يمكن اعتباره مفهوما خاصا "حداثيا" للبيعة.بحيث ان البيعة بالمغرب باتت مقرونة باحترام ضمان الاسلام واستمراره في البلاد كعقيدة وليس كشريعة.وهو ما أسميه بالمفهوم الحداثي للبيعة، وهو مختلف تماما عن مفهوم البيعة في التراث الاسلامي والتي عرّفته سابقا. سادسا، عند حديث الامير الباحث، عن الحكم في الاسلام بناء على محاضرة الوزير ، حيث استغرب الامير الباحث من "تصريح المحاضر أنه يمكننا أن نستنبط من البناء النظري لأهل السنة أن الحكم في الإسلام ليست له طبيعة ثيوقراطية، وأنه في التصريف العملي أقرب إلى النمط الديمقراطي. أولا، أن نصف حكما ما بأنه غير ثيوقراطي لا يبين لنا بتاتا أسلوبه؛ وثانيا، عوض أن يأتي المحاضر بدلائل ملموسة، يكتفي باستعراض الطرائق النظرية للبيعة، مبينا أنها تصدر عن الخاصة ذات الحنكة في المجال السياسي، أي من نسميهم عادة أهل الحل والعقد. ولكن إذا كانت هذه الطريقة أقرب إلى الديمقراطية، كما يزعم المحاضر، فإن الديمقراطية ما كانت لتمارس عن طريق الاقتراع العام كما هو معمول به اليوم في أغلب بلدان العالم" فينبغي التوضيح هنا أن الحكم في الاسلام ثيوقراطي و ديموقراطي في آن واحد ، ثيوقراطي صارم في تطبيق شريعة الله وفقا للآية الكريمة:" ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها" بمعنى ان الدين وشريعته يجب أن يطبّقها الحاكم ولا ينبغي أن تاخذه في الله لومة لائم، ولنا في أبي بكرالصديق خير دليل على الحكم في الاسلام ، عندما أمر بقتال كل من يفرّق بين الصلاة والزكاة. أما المقصود بالحكم الديموقراطي وفقا للحديث النبوي :" انتم اعلم بامور دنياكم " بمعنى أنه يمكن للأمة أن تأخذ بأي نموذج ديموقراطي مبني على الانتخابات وصناديق الاقتراع المتّبع في الغرب، ما دام هذا النموذج لن يزعزع العقيدة الاسلامية او يخّل بتطبيق شريعتها ، كما يمكن للأمة ان تصيغ نموذج خاص بها للديموقراطية ، وهو مالم يحدث لحد الآن في أي بلد عربي. سابعا، اعتبر الامير الباحث، أن فكرة المحاضرالذي تحسّر على غياب " حماية الدين لأن الدين هو الغائب المأسوف عنه في الديمقراطية في البلدان العلمانية" "هي فكرة مغلوطة"، حيث علل الأمير الباحث حكمه هذا، بأن "الدساتير العلمانية تسنّ القوانين لمنع استعمال الدين في السياسة، عن طريق فصل نسبي معقول بين المجالين. فهي تحمي الحرية الدينية وتحمي الأديان من هجمات يمكن أن يشنّها ضدها غير المتدينين أو أديان مخالفة تنافسها داخل المجتمع الواحد. " وهذا تبرير خاطئ ومغلوط من الأمير الباحث ، بحيث أنه للجواب على سؤال لماذا تفصل الدساتير العلمانية بين الدين والسياسة في الغرب؟ هو لأن الدين المسيحي يفرض سنّ قوانين لا يمكن أن تتقبلها أهواء المواطنين بالغرب ، مثلا الدين المسيحي يحرّم الزنا وشرب الخمر جاء في سفر أعمال الرسل ما يلي :" أن تمتنعوا عمّا ذبح للاصنام، وعن الدم، والمخنوق، والزنا، التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون كونوا معافين" وجاء في سفر الامثال تحريم الخمر عند المسيحيين:" ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح".كما حرّم التعامل بالربا حيث ورد في سفر التثنية ما يلي :" لاَ تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبًا، رِبَا فِضَّةٍ، أَوْ رِبَا طَعَامٍ، أَوْ رِبَا شَيْءٍ مَّا مِمَّا يُقْرَضُ بِرِبًا، لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِبًا، لِيُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ يَدُكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا". وخلاصة القول ، ينبغي أن نذكر أنه لا الإسلام مطبّق كما يجب، ولا الديموقراطية مطبّقة كما يجب، وإنما هناك مزيج من العلمانية المقنّعة التي يناصرها الوزير، والعلمانية الغربية التي يناصرها الأمير، ولكن العدل هو المبتغى الذي يريده العلي القدير.