نظم المجلس الاقتصادي والإجتماعي والبيئي، اليوم، بالعاصمة الرباط، لقاءا تواصليا من أجل تقديم رأي المجلس، بخصوص "اقتصاد الرياضة: خزان لتحقيق النمو وتثمين فرص الشغل"، وذلك بمشاركة عدة متداخلين في المجال، في مقدمتهم رؤساء وممثلي بعض الجامعات الرياضية الوطنية، بالإضافة لأبطال سابقين، على غرار العداء العالمي هشام الكروج. وقال أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس، في كلمته الافتتاحية، إن "لقاء اليوم يأتي في إطار تقديم مخرجات رأي المجلس حول موضوع اقتصاد الرياضة باعتباره خزانا للنمو وفرص الشغل ورافعة قوية للإدماج والتماسك الاجتماعي خاصة بالنسبة للشباب والنساء ومنصة لتحقيق الإشعاع الوطني وتنمية الشعور بالانتماء، ويأتي هذا الرأي استكمالا للعمل الذي سبق أن أنجزه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في سنة 2019، في إطار الإحالة الواردة من مجلس المستشارين حول السياسة الرياضية بالمغرب، وذلك من خلال الانكباب على مكونات اقتصاد الرياضة والوقوف على واقع حال مختلف عناصر سلسلة القيمة من أجل اقتراح المداخل الكفيلة بتنظيم هذا القطاع وهيكلته وإضفاء الطابع الاحترافي عليه وجعله صناعة قائمة الذات مما بنسجم مع توجهات النموذج التنموي الجديد". وتابع، قائلا "على الرغم من الامتياز الديموغرافي التي يمثلها الشباب المغربي بالنسبة لبلادنا من أجل النهوض بقطاع الرياضة، فهذا الأخير لايزال يعاني من عديد الاختلالات والنواقص التي لا تجعل منه بعد رافعة لخلق الثروة وفرص الشغل ومحركا للدينامية الاقتصادية ولتحفيز التطوير والابتكار"، مضيفا "على المستوى التنظيمي، يلاحظ مختلف المتدخلين أن الأنظمة الأساسية النموذجية المعمول بها بموجب القانون 09-30 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة لا تتلاءم مع مختلف الأصناف الرياضية وهو ما يساهم في تأخير عملية تحول الفاعلين في القطاع الرياضي من جمعيات إلى شركات خاصة مع مع ما يقتضيه ذلك من تبني قواعد الحكامة والشفافية وتعبئة الموارد المالية اللازمة". وأضاف "من هذا المنطلق، فإن هذه الوضعية تؤثر على جاذبية القطاع إزاء المستثمرين الخواص، مما يحد من إمكانية التمويل، وهكذا فإن ضعف البعد الاحترافي لهذا القطاع يشكل عقبة أمام الأنشطة المرتبطة بشكل مباشر مع الرياضة لاسيما ما يتعلق بالرعاية وحقوق البث وبيع التذاكر والتسويق الرياضي، لكن أيضا الأنشطة المرتبطة بشكل غير مباشر، كالنسيج والمعدات الرياضية والمطاعم والإيواء". فيما يتعلق بالبنى التحتية الرياضية، سجل المجلس تباينا كبيرا سواء على مستوى أصنافها أو جودتها، على غرار الملاعب الرياضية التي تواجه عدة إكراهات، تهم بالخصوص تعدد أنماط التدبير وما يرافقها من اختلاف وتباين في الأهداف، ما لا يمكن من اعتماد مقاربة متجانسة وواضحة تجاه زبناء هذه الملاعب، أما على مستوى الطلب، سجل تقرير الCESE أن المواطنات والمواطنين لا يخصصون سوى حيزا قليلا من الوقت الحر للنشاط الرياضي، يضيف الشامي. واستطرد المسؤول نفسه، قائلا "وفي ظل هذه الوضعية، لاتزال قدرات معظم الجامعات الرياضية محدودة في استقطاب عدد كاف من المنخرطين، كما يظهر من خلال تدني عدد الرياضيين المجازين الذي لا يتعدى 340 ألف في سنة 2016، أي ما يمثل 1 بالمئة من مجموع الساكنة، علما أن العدد يصل في فرنسا إلى 23 بالمئة وفي تركيا بنسبة 4 بالمئة وفي تونس 3 بالمئة"، مردفا "يظل هذا المؤشر بعيدا عن هدف مليون مجاز الذي سطرته الوزارة الوصية لسنة 2020". هذا، ونبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في حضور بعض الممثلين عن الجامعات الرياضية الوطنية، إلى غياب نظام أساسي خاص بالرياضيين المحترفين ورياضيي المستوى العال، يضمن لهم استقرارا ماليا واجتماعيا، يجعل من مهنة الرياضي "مهنة ضعيفة في الاستقطاب والتثمين". بناء على هذا التشخيص، يوصي المجلس باتخاد جملة من الإجراءات، منها على المستوى التشريع والتنظيمي؛ إجراء مراجعة شاملة للقانون 09-30 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة وكذا الأنظمة الأساسية النموذجية المعتمدة بموجب هذا القانون، مما يجعلها تتلاءم مع مختلف الأصناف الرياضية، كما يتعين تعديل القانون 95-17 المتعلق بشركات المساهمة من أجل تيسير الانتقال من الجمعيات الرياضية إلى الشركات الخاصة. على مستوى الرأسمال البشري، يدعو المجلس إلى وضع استراتيجية للتكوين والمواكبة في مجال مهن الرياضة، من خلال إشراك الفاعلين المعنيين، التنقيب على المواهب منذ سن مبكرة من خلال العمل على الخصوص على تعزيز برامج المسابقات المدرسية والجامعية وإعادة التركيز على البطولات الموجهة للشباب في مؤسسات التعليم الثانوي وجعل مدارس الأندية وملاعب القرب مشاتل لعمليات استقطاب المواهب. ويقترح المجلس، أيضا، العمل على إحداث نظام أساسي خاص بالرياضيين المحترفين والرياضيين من المستوى العالي، يضمن الاستقرار المالي والاجتماعي لهؤلاء الممارسين، بما في ذلك توفير الحماية الاجتماعية التي تتلاءم مع خصوصيات مهنة الرياضي ومخاطرها وتيسير سبل تغيير المسارات المهنية ذات الصلة بالرياضة. هذا وركزت الخطوط العريضة للتوصيات، على النهوض بصورة المرأة المغربية في الرياضة، من خلال تسليط الضوء على إنجازات البطلات المغربيات في مختلف الأصناف الرياضية وتمكين النساء من الولوج العادل لها على غرار الرجال. على مستوى الحكامة والتمويل، يطالب المجلس بإعادة النظر في الطريقة والجدولة الزمنية المعتمدة في توزيع الدعم العمومي، بهدف تمكين الجامعات الرياضية من وضوح الرؤية، لاسيما الجامعات الصغرى، ووضع قواعد ومعايير أكثر إنصافا لتوزيع الدعم، فضلا عن إعادة النظر في الاستراتيجية المعتمدة في مجال توزيع حقوق البث التلفزيوني وبيع التذاكر. ويتطلع المجلس، عبر التنزيل الفعلي لهذه التوصيات بكيفية مندمجة ومتوازية، إلى الرفع الملموس لحصة مساهمة الرياضة في الناتج الداخلي الإجمالي، التي قدرت في سنة 2020 بحوالي 0,5 بالمئة، وهو ما من شأنه ارساء الإلتقائية بين القطاع الجمعوي الحالي الذي يعتبر الرياضة نشاطا ترفيهيا وبين الرياضة كقطاع اقتصادي يستقطب الاستثمارات الخاصة وقادرا على خلق الثروة ومناصب الشغل بصفة مستدامة.