على الرغم من المبادرات العديدة التي اتخذها المغربُ خلال السنوات الأخيرة في مجال التنمية البشرية، إلّا أنّ النموذج التتنموي المغربي المعتَمَد في الوقت الراهن لمْ يرْقَ بعْدُ إلى المستوى المطلوب ولم يُسْهم في تحقيق الأهداف المنشودة. ففي الدورة السادسة والأربعين العادية للجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، دعا المجلسُ إلى إعادة النظر في النموذج التنموي ليضطلع بدوره في تحقيق الإدماج الاجتماعي للمواطنين والمواطنات. وتضمّن التقرير الذي قدّمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول "الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: رافعة للنمو المندمج"، معطيات تبيّن أنّ ثمّة تحدّيات كبرى لا زالَ المغربُ مدعوّا إلى تخطّيها لتحقيق أهداف التنمية. ففيما يتعلق بتحدّي النموّ الاقتصادي، أشار التقرير إلى أنّ النموّ في المغرب ما زالَ مرتبطا بالقطاع الفلاحي والتغيّرات المناخية، وهو ما يجعل نسبة النموّ متذبذبة، في ظلّ عدم استقرار القطاع الفلاحي. أما فيما يتعلق بالادماج الاجتماعي، فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتقليص نسبة الفقر، إلّا أنّ تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أشار إلى أنّ نسبة الفقر في المغرب ما زالتْ مرتفعة، إذ لا يزال 2،5 مليون مواطن مغربي تحت عتبة الفقر. وسجّل التقرير وجودَ خصاص كبير في مجال الحماية الاجتماعية؛ ففيما يتعلق بالرعاية الصحية، أوردَ التقرير أنَّ نسبة 40 في المائة من المواطنين المغاربة لا يلجون إلى الخدمات الصحية، فيما لا تتعدّى نسبة المتوفّرين على تغطية صحيّة 33،7 في المائة. وبخصوص التربية والتعليم، نبّه التقرير إلى استمرار الهدْر المدرسي، إذ يغادر 400 ألف تلميذ فصول الدراسة كلَّ سنة، وأشار التقرير في هذا الصدد إلى أنّ مراكزَ التكوين المتوفّرة تعجز عن استيعاب الأعداد الهائلة من التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة. وعلاقةً بمجالِ التعليم، يظهرُ أنّ برنامج محوِ الأمّية الذي أعلنَ عن تفعيله منذ سنوات لمْ يُثمر نتائج كبيرة، إذْ جاء في التقرير أنَّ نسبة الأميّة في العالم القروي ما تزالُ مرتفعة جدّا، إذْ تصلُ إلى 63 في المائة. إلى ذلك، قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بدراسة مقارَنة بين وضعية مؤسسات الاقتصاد التضامني والاجتماعي في المغرب مع تجارب دولية ناجحة في هذا المجال في عدد من البلدان المتقدّمة وأخرى سائرة في طريق النموّ. وكشف التقرير أنّ هناك تجارب في الاقتصاد التضامني والاجتماعي رائدة على المستوى الدولي، بفضل وضع الدّول التي أجريتْ بها الدراسة المقارنة، قوانين وإطارات تشريعية تشمل جميع بنيات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ووضعها سياسةُ عمومية في هذا المجال، كما هو الحال في البرازيل، "وهذا ما لا يتوفّر للأسف في المغرب"، يقول محمد مستغفر، الذي قدّم التقرير. ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في توصياته الثلاث التي قدّمها في اجتماع جمعيته العامّة في دورتها السادسة والأربعين، (دعا) إلى وضع إطارٍ قانوني شامل على شكل قانون لإطارٍ أو مدونة للاقتصاد التضامني والاجتماعي، يُشكّل اعترافا قانونيا بهذا النوع من الاقتصاد. كما دعا المجلس إلى جميع شتات المؤسسات الفاعلة في مجال الاقتصاد التضامني والاجتماعي، والاعتراف به، كما هو الحال في عدد من البلدان الرائدة في هذا المجال، وتعزيز منظومة الحكامة الوطنية والجهوية، وتنسيق وتطوير عمل الفاعلين في القطاع، بهدف الإدماج بصفة كاملة.