عاد الصراع المغربي الجزائري حول خط الغاز الطبيعي الذي ينقل هذه المادة الحيوية من نيجيريا إلى أوروبا، إلى الواجهة بقوة مؤخرا، فبعد الرجة العنيفة التي أحدثتها الحرب الروسية ضد أوكرانيا على سوق الطاقة العالمية وشروع دول الاتحاد الأوروبي في البحث عن بدائل بعد قرار ألمانيا وقف تراخيص خط "نورد ستريم 2" واستعمال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لصادرات الغاز كورقة ضغط عبر إجبار الدول المُشترية بدفع الفاتورة بالروبل، برزت إلى العلن تصريحات نيجيرية رسمية زادت الأمر غموضا. وخلال مشاركته في المنتدى العالمي للطاقة بالإمارات العربية المتحدة مؤخرا، قال ميلي كياري، الرئيس المنتدب لشركة النفط الوطنية في نيجيريا، إن بلاده تعمل حاليا على إنجاز بنى تحتية ضخمة لنقل الغاز الطبيعي، ليس فقط من أجل ضمان إمداد السوق المحلي بهذه المادة، ولكن أيضا في سبيل تصديره إلى الأسواق الدولية، لكن الأهم في تصريحاته هو تأكيده على وجود محادثات مع المغرب والجزائر في آن واحد للوقوف على الصيغة الأمثل لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا. ويؤكد هذا الأمر عودة الصراع المغربي الجزائري على الظفر بخط الغاز إلى الواجهة، إذ تعول الجزائر على إحياء المشروع المجمد منذ 2009 مع أبوجا لإنشاء خط أنابيب يبلغ طوله الإجمالي 4128 كيلومترا، والمار من 3 دول فقط هي نيجيريا والنيجر والجزائر، قبل أن يصل إلى الأراضي الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط، وقد عادت الجزائر إلى تحريك هذا الملف خلال السنوات الثلاث الأخيرة في سياق صراعها مع المغرب والمتعلق أساسا بقضية الصحراء. ورغم أن المشروع المغربي النيجيري يواجه بعض التحديات، من قبيل مسألة العثور على التمويل وطول الخط البالغ 5660 كيلومترا، إلا أنه يملك أيضا سلسلة من الامتيازات تجعله الأقرب للتحقق منطقيا، بعضها يمثل الوجه الإيجابي للإكراهات التي يواججها، فالأمر يتعلق بمشروع سيضمن الأمن الطاقي ل13 دولة إفريقية أخرى كونه ينطلق من نيجيريا ليعبر من البنين والطوغو وغانا والكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا وبوركينا فاسو ومالي، قبل أن يصل إلى المغرب. ولهذا السبب تحديدا يحظى هذا المشروع بدعم دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا منذ فبراير من سنة 2021، بالإضافة إلى كون هذا الأمر يعني عائدات أكثر للحكومة النيجيرية، التي ستكون أيضا أمام قدرات أكبر على نقل الغاز إلى أوروبا، كون المشروع الذي يربطها بالمغرب والذي سيُكلف 25 مليون دولار، سيسمح لها بنقل 40 مليار متر مكعب من هذه المادة سنويا، في حين لا تتجاوز سعة الخط النيجيري الجزائري 30 مليار متر مكعب سنويا. وتلعب السياسة والدبلوماسية دورا آخر لصالح المغرب، خاصة وأن الخط سيعبر عبر أقاليم الصحراء قبل أن يصل إلى شمال المملكة ومنها إلى جنوب إسبانيا، وحاليا أضحى المغرب يحظى بدعم إسباني لمخطط الحكم الذاتي للمنطقة تحت السيادة المغربية، والذي انضاف إلى دعم مماثل من لدن فرنساوألمانيا بالإضافة إلى اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بسيادة الرباط على المنطقة، والتي أكدتها إدارة الرئيس الحالي جو بايدن على الرغم من توقعات جزائرية سابقة بالتراجع عنها. وإلى حدود الآن، لا تزال نيجيريا تعترف رسميا بجبهة البوليساريو، لكن الملاحظ لتحركاتها بخصوص هذا الملف داخل الاتحاد الإفريقي سيكتشف أنها أوقفت عمليا أي صدام محتمل مع المغرب بخصوصه، في ظل الشراكات الاقتصادية المتعددة التي أضحت تربط البلدين، منذ زيارة الملك محمد السادس لأبوجا في 2016 ولقائه بالرئيس محمدو بخاري، هذا الأخير الذي زار بدوره الرباط سنة 2018 ليشرف مع العاهل المغربي على توقيع اتفاقية خط الغاز. ومن الأمور التي لا تلعب دورا إيجابيا لصالح الجزائر بخصوص مشروعها المشترك مع نيجيريا، ضعف ثقة دول الاتحاد الأوروبي فيها، وهو الأمر الذي نتج عن قرار الرئيس عبد المجيد تبون في أكتوبر من العام الماضي عدم تجديد عقد العمل بخط الغاز المغاربي الأوروبي المار من الأراضي المغربية، في سياق صدامه مع المملكة، الأمر الذي لم يكن المغرب هو المتضرر الأكبر منه، بل إسبانيا والبرتغال باعتبارهما المستفيدين الأولين من هذا الخط. وأدت هذه الخطوة إلى لجوء الإسبان لأسواق أخرى من أجل استيراد حاجياتها الطاقية، إذ منذ يناير الماضي أصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية هي المزود الأول لإسبانيا بالغاز بنسبة 60 في المائة، الأمر الذي يترك احتمال تكرار السيناريو نفسه مع خط الغاز النيجيري أمرا مطروحا في حال حدوث مشكلة دبلوماسية مع أي طرف، كأن تسحب أبوجا اعترافها بجبهة "البوليساريو" مثلا، فالجزائر حاليا تُلوح بوقف إمدادات الغاز إلى إسبانيا ردا على موقف مدريد الجديد بخصوص الصحراء.