كان وليد عوض من «الشوافع» في الصحافة اللبنانية. أي من كتبة التسامُح والتصافح وتجنب الافتراء والإيذاء والابتزاز، بصرف النظر عن سياسة، أو طبيعة، أو أخلاق المطبوعة التي يعمل فيها. وعندما أصبحت له مجلته الأسبوعية الخاصة، «الأفكار»، حرص على أن تكون مثله تماماً، راقية ومتزنة وغاية في الاجتهاد. عاش سنواته الطويلة مجتهداً ومؤدباً وباشاً ولا يحسد موظفيه على نجاحهم أو أرزاقهم. ولم يرسل مرة الاتهام الظالم أو الإجرامي المجاني على زميل أو صديق أو عدو. واعتبر أن السبق الصحافي في الاجتهاد والجمال، وليس في البشاعة وعدمية القيم والأخلاق. وأدرك مبكراً أنه قادر على التميز في «الريبورتاج» فتكرس له. وبرع فيه. وحافظ على مستوى أخلاقي رفيع في علاقاته مع السياسيين والحكام والدول: إذا عارض، كان شريفاً، وإذا والى، كان أديباً. وشاع عنه طوال العمل المهني المديد أنه صحافي بلا أعداء أو خصوم. ولما أصدر «الأفكار» وضع فيها كل خبرته الصحافية، وكل ضوابطه الأخلاقية وقيَمه الوطنية. ولم ينسَ مرة أنه جاء من طرابلس وتقاليدها وكونها أكثر المدن محافظة في لبنان. وسع آفاقه المهنية بالثقافة والقراءة والسفر. وتقرب من أهل السياسة الذين يفيدون في معرفة التاريخ. وانصرف خلال حقبة طويلة إلى المقابلات التي تثري عمله وقراءه معاً. وظل مجتهداً ومقتصداً في كل شيء. فلم يقلد الناشرين في البذخ والإسراف، ولا عمل بقاعدة «اصرف ما في الجيب يأتِ ما في الغيب». جعل حجم طموحه في نطاق مقدرته، مع أن كفاءته كانت أكبر بكثير. ظل حسابياً في كل شيء، ومهنياً في كل عمل. لا مبالغة ولا اعترار. لم يذل نفسه للذين أكرموه، ولم يحاول أن يذل الذين حجبوا عنه، أو تجاهلوا الاعتراف به، مع أنه عاش وعمل وبرز، في عصر كانت الصحافة خلاله تقوم أحياناً بقطع الطرق، وتحرض أحياناً على قطع الأعناق. هو، بقي في جانب العقل منها، وفي جانب التعقل من حياته. ولم يكن ذلك سهلاً في جيله. فقد كان التنافس بين من يكون عدوانياً أكثر من الآخر، وبين من يخيف الأوادم أكثر من غيره، وبين من يتخيل صنوف الافتراء أكثر من سواه. هو كان من «شوافع» المهنة. وظل نقياً برغم التلوث الذي أحاط بها حتى قضى عليها. وبالإضافة إلى ما ترك من مؤلفات جميلة وعمل أنيق، يترك أثره الأهم، «الأفكار»، ونتمنى أن يكون الأبقى أيضاً.