لم يكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في فاتح يناير 2021، خبرا سيئا للمغرب على المستوى الاقتصادي، حيث وجدت لندن في المملكة المنتمية إلى القارة الإفريقية والأقرب جغرافيا إلى أوروبا، شريكا استراتيجيا جديدا يستطيع أن يعوضها عن العديد الحاجيات الأساسية التي كانت تستوردها من شركائها السابقين، وأهمها المنتجات الغذائية حاليا والطاقة الكهربائية مستقبلا، لكن "البريكست" كان خبرا سعيدا للرباط من الناحية السياسية أيضا. واستبق المغرب الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي باكرا، عندما وقع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، وكاتب الدولة لدى وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث المكلف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أندرو موريسون، اتفاقية شراكة شاملة في أكتوبر من سنة 2019 تهم الآليات القانونية الخاصة بعملياتهما الاقتصادية المشتركة بعد دخول "البريكست" حيز التنفيذ. اعتراف "اقتصادي" بمغربية الصحراء وكان واضحا أن المملكة المتحدة تستعد للتحرر من الموقف الأوروبي المتعلق بقضية الصحراء، والذي لا يزيد على الدعوة ل"حل متفاوض بشأنه ومقبول للطرفين وفق قرارات مجلس الأمن وداخل منظومة الأممالمتحدة"، فعند توقيع اتفاق الشراكة الشاملة وافقت لندن على إدراج منتجات الأقاليم الصحراوية في مبادلاتها التجارية مع المغرب، ولم تكن تلك إلا خطوة أولى نحو "الاعتراف الاقتصادي" الضمني بسيادة المغرب على الصحراء. وتزامن اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية، الحليف الأقوى لبريطانيا، بمغربية الصحراء في دجنبر من سنة 2020، مع بدء سريان "البريكست" الأمر الذي أعطى حكومة المحافظين التي يترأسها بوريس جونسون، سببًا آخر لرفع تحفظاتها السابقة بخصوص قضية الصحراء، خاصة في ظل حاجتها للتعامل تجاريا مع الرباط التي ستصبح أحد موردي الطاقة النظيفة الأساسيين للندن والتي تُنتج في محطات توجد جنوب المغرب. السوق البريطانية تفتح ذراعيها وأضحت المملكة المتحدة تتعامل ببراغماتية أكبر مع هذا الملف، خاصة في ظل رغبة الرباط الدخول معها في لعبة مصالح شعارها "رابح – رابح" من خلال فتح أقاليم الصحراء أمام استثمارات البريطانيين، وهو ما اتضح من خلال مشروع نقل الطاقة النظيفة عبر مشروع هو الأكبر من نوعه في العالم، عبر "كابل" بحري سيربط المملكتين وسيُمكن من تزويد البلد الأوروبي ب10,5 جيغاواط من الكهرباء عبر مشروعين للطاقة الريحية والشمسية بإقليمي وادي الذهب وطانطان. وأصبحت بريطانيا سوقا كبيرة للمنتجات المغربية بمجرد أن غادرت الاتحاد الأوروبي، إذ حسب أرقام المؤسسة البريطانية الملكية للإيرادات والجمارك، فقد عرف شهر يناير من سنة 2021، وهو أول شهر بعد "البريكست"، صعود المغرب للرتبة الثانية كثاني أكبر مزود للبريطانيين بالخضر والفواكه بعد إسبانيا، بعد أن رفع إجمالي صادراته الفلاحية من 20.236 طن إلى 30.648 أي بنسبة 51 في المائة، الأمر الذي يُنتظر أن يزيد مع تدشين أحد أهم المشاريع المشتركة بين البلدين. نحو مشاريع أكبر واليوم الخميس أشارت السفارة البريطانية في الرباط إلى ذلك، حين تحدثت عن أن التجارة البحرية بين المملكتين شهدت نموا ملحوظا منذ يناير الماضي، حيث ارتفعت الصادرات الغذائية بنسبة 40 في المائة تقريبا، لكن الأهم هو أنها تحدثت عن إطلاق خط مينائي مباشر بين البلدين يربط طنجة المتوسط بميناء "بول"، والذي سيُمكن من تعزيز التبادل التجاري من خلال قدرته على نقل 100 حاوية، إلى جانب إحداث خدمات لنقل المسافرين بين البلدين. وأضحت المملكة المتحدة تشكل بديلا أكثر جدية للمغرب بخصوص الشراكة في العديد من المشاريع الاستراتيجية المتعلقة بالربط القاري، وتحديدا مشروع ربط مدينة طنجة بجبل طارق، والذي تعثر تنزيله مع إسبانيا بعد عقود من الأخذ والرد، وهو الأمر الذي أكده وزير السياحة في حكومة المنطقة البريطانية ذاتية الحكم المطلة على البحر الأبيض المتوسط في يوليوز الماضي.