تجدر في التمثلات ووهن في الإجراءات لا شك ان تفعيل منطوق الدستور بإدماج بعد الإعاقة و حقوق الإنسان للأشخاص في وضعية إعاقة بشكل أفقي في مختلف السياسات المنفذة من طرف الدولة وعلى كافة المستويات لن يتأتى الا بمشاركه كاملة وفاعلة للمعنيين و المساهمة في بلورة و اتخاذ القرارات في الشأن العام لاسيما التي تعنيهم وجعلهم يشعرون بأنهم جزء من المجتمع وطرف فاعل في كافة مناحي الحياة الاجتماعية الاقتصادية والسياسية . وترجع أهمية المشاركة السياسية للأشخاص ذوى الإعاقة إلى فهم جوهر المشاركة بأنها طريقة حياة تتخلل كل نسيج المجتمع ووسيلة لتعبير الفرد عن مشاعره وأفكاره والإدلاء برأيه ، كما تتيح لكل مواطن أن يشارك فى صنع القرارات التي تؤثر فى حياته دون تمييز بين المواطنين على أساس العرق أو النوع أو الإعاقة أو غيرها فالمشاركة حق ومسئولية، خاصة مع تلازم الإعاقة مع الفقر، الحرمان، الأمية و التهميش، هذه الاشكاليات المعرقلة التي لا يمكن الخروج منها الا بما يناسب من الإجراءات والتدابير لمكافحة كل أشكال التمييز المادي والمعنوي المبني على أساس الإعاقة وعدم عزل أوضاع الإعاقة وحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة في تشريعات في حاجة إلى نصوص تفعيل أخرى تظل حبيسة دواليب آليات التشريع ببلدنا، والحرص على إدماج مبدأي عدم التمييز على أساس الإعاقة وتكافؤ الفرص في جميع النصوص التشريعية والتنظيمية، وخاصة في أفق المراجعة المقبلة لعدد من نصوص القوانين التي تتعلق بالمؤسسات الوطنية للحكامة تفاديا لانتكاسات شبيهة لما حصل في تشكيلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والآلية الوطنية لحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، والتي تميزت بالإقصاء الكلي للأشخاص ذوي الإعاقة والتراجع عن المكتسبات المحققة في هذا المجال، ما يعتبر خروجا عن مقتضى المادتين 29 و33 من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة التي تنص على ضمان المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة وإنشاء آلية رصد مستقلة وفق معايير باريس الناظمة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. هذا واعتبارا لكون قضية الإعاقة ينبغي أن تطرح بصفتها مسألة حقوقية مثلما تطرح بوصفها مسألة مرتبطة بالتنمية الاجتماعية، ومن أجل المرور بوطننا من إقرار الحقوق للأشخاص ذوي الإعاقة إلى إعمالها في أسرع الآجال، فإن كافة القوى الفاعلة في المجتمع المدني مدعوة إلى تبني ما ورد في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تدعو إلى الحسم مع ماض متخلف كان فيه المعاق في أحسن الحالات رقم تؤثث به الإحصائيات العامة ووسيلة لإبراز الفعل الخيري وأداة دعاية للنافذين. والنهوض بثقافة حقوق الإنسان وترسيخ قيم المواطنة، من خلال إذكاء الوعي لدى المعنيين وأصحاب القضية والمجتمعات المحلية بحقوق الأشخاص وضعية إعاقة، والسير بجهود كافة الفاعلين الحكوميين نحو إقرار حقوق الأشخاص وضعية إعاقة، والفئات المهمشة الأخرى في المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية، وإشراكهم في عملية صناعة القرارات، وجعل ذلك في صلب العمل الحكومي، من أجل دمج منظور الإعاقة في كافة السياسات الحكومية وإعمال سياسات وخطط إنماء دامجة تحترم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتجعل روح التنمية الدامجة وفلسفتها في صلب الجهد الوطني التنموي الرامي الى تفعيل النموذج التنموي الجديد، ولن يتأتى ذلك كما اسلفنا ما دمنا بعيدين عن اعتماد فعلي لما نص الدستور عليه من صلاحيات برلمانية في متابعة وتوجيه العمل الحكومي في اقتراح قوانين تهم كل المجالات ومتابعة العمل الحكومي بخصوص النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة, الشيء الذي لن يتم كما برهن السياق الاجتماعي السياسي ببلدنا إلا من خلال ولوج الاشخاص في وضعية اعاقة الى غرفتي البرلمان لإسماع صوتهم وتتبع ملاحظة إيفاء بلدنا بالتزاماتها في خضم انخراطها في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، حيث كان المغرب في هذا الصدد من ضمن أوائل البلدان التي وقعت على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وذلك بتاريخ 30 مارس 2007، معبرا بذلك عن التزامه بالنهوض بحقوق الأشخاص المعاقين وحمايتها. تلت ذلك بعد سنة من توقيعه مصادقة المملكة على الاتفاقية في 8 أبريل 2009، في أعقاب قرار صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالمصادقة على الاتفاقية في الرسالة الملكية الموجهة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتاريخ 10 دجنبر 2008 بمناسبة الذكرى ال60 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ليأتي بعدها دستور 2011 الذي التزم فيه المغرب بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بإقرار سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، إلى جانب إرساء دعائم وآليات ومؤسسات تتولى مهمة النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها. ومن المقلق حقا أن تظل الأوضاع على أرض الواقع وفي الحياة اليومية للأشخاص في وضعية إعاقة ببلدنا رغم كل هذا الزخم فإن بعيدة عن ردّ الاعتبار لأكثر من مليونين ونصف معاق مغربي، يعانون من التهميش والإقصاء. ما يحتم ان يرافق انخراط بلدنا في المنظومة الحقوقية الدولية عملية تطبيق و أجرأة مباشرة وحقيقية لنصوص الشرعة الدولية المتعلقة بحقوق ذوي الإعاقة سواء في جوانبها الاجتماعية ( الولوجيات، التغطية الاجتماعية..)، أو الاقتصادية (تعزيز حظوظ الشخص المعاق في التوظيف..) وترسيخ مسلسل المشاركة السياسية للأشخاص في وضعية إعاقة. التي تضمنها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة 29 بشكل صريح بفرضها على الدول الأطراف كفالة إمكانية المشاركة بصورة فعالة وكاملة فى الحياة السياسية والعامة للأشخاص في وضعية لإعاقة على قدم المساواة مع الآخرين، وذلك بعدة سبل ميسرة لمكاتب التصويت ومرافقه ومواده مناسبة وميسرة وسهلة الفهم والاستعمال، وأن تعمل أطراف الاتفاقية على نحو فعال من أجل تهيئة بيئة يتسنى فيها للأشخاص في وضعية إعاقة أن يشاركوا مشاركة فعلية وكاملة، دون تمييز وعلى قدم المساواة مع الآخرين، و تشجيع مشاركتهم فى الشؤون العامة، بما فى ذلك المشاركة في الجمعيات و التحالفات المناصرة لحقوقهم و الأحزاب السياسية، والانخراط في أنشطتها و هياكلها السياسية الموازية. هذا وخلال الانتخابات المحلية و الجهوية 2015 و التشريعية 2016، و لأول مرة بالمغرب برزت بشكل لافت مشاركة الأشخاص في وضعية إعاقة في الاستحقاقات الانتخابية حيث ضمت لوائح المنتخبين 42 مرشح في وضعية إعاقة خصوصا ذوي الإعاقة الحركية و البصرية، تمكنوا 07 مرشحين من بينهم من الحصول على مقاعد بالمجالس المحلية و الجهوية فضلا عن حصول مرشحة واحدة من ذوات الإعاقة الحركية على مقعد بغرفة البرلمان. و تعود هذه الحركية الى رفع اذكاء الوعي و تقوية القدرات للجمعيات المناصرة لحقوق ذوي الإعاقة ، و فتح نقاشات مع الأحزاب السياسية و تشجيع المشاركة السياسية للأشخاص في وضعية إعاقة، كما عمل المجتمع المدني على اعداد دلائل معيارية الأولى من نوعها بالمغرب "دليل المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة في المسلسل الانتخابي «وحث الأحزاب السياسية على العمل بمقاربة مندمجة و استقطاب الكفاءات من ذوي الإعاقة و تعديل الاتجاهات و الصور النمطية السلبية تجاه الأشخاص في وضعية إعاقة داخل الأحزاب الاستفادة من كفاءات هذه الفئة في مختلف الميادين التي تهم المجتمع ككل. هذا ولتسهيل تصويت الأشخاص في وضعية إعاقة تم اعتماد مجموعة من الإجراءات التيسيرية منها :احترام المعايير المعمول بها من ولوجيات معمارية و تبسيط المعلومات و جعلها في متناول الجميع فضلا عن التأكيد على أهمية المرافق للمصوتين ذوي الإعاقة المركبة والحث على ضرورة ضمان حرية التصويت لذوي الإعاقة البصرية. واذا كان جل الملاحظين قد اعتبروا انتخابات 2015 محطة تاريخية هامة في البناء الديمقراطي للمملكة سيؤرخ لها بالانتخابات الجهوية بعد أن أقر المغرب إصلاحات إدارية هامة مست نظامه الترابي الجهوي و اعتبارها أول انتخابات جماعية تجرى في ظل الدستور الجديد، فإنها كذلك شكلت نقلة وطفرة بالغة الأهمية في المشاركة السياسية للأشخاص في وضعية إعاقة وقف عندها المناضلات والمناضلون من اجل المشاركة الكاملة لذوي الإعاقة وقد حملت أجوائها صورا حملت معان عميقة فيما يخص تنامي تعديل نظرة المجتمع السلبية واتجاهاته تجاه الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة ، تمثلت هذه النقلة في مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في التصويت وممارسة حقهم الدستورية هذا بسلاسة وتعاون من القائمين على مكاتب التصويت ، إضافة إلى مبادرات في غاية الأهمية أقدم عليها العديد من الأخوات والإخوة في وضعية إعاقة، بالترشح ضمن لوائح أحزاب وطنية كبيرة لشغل مقاعد بالمجالس الجماعية والجهوية ، وقد توجت هذه الحركة فعلا بنجاح مجموعة من هؤلاء في الحصول على مقاعد، سيساهم نشاطهم في إطارها في النهوض بأوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة ببلدنا وسيسمح ذلك بالترافع من داخل هذه الهيئات المدبرة للشأن العام من اجل تنمية دامجة ببرامج ومشاريع إنمائية تستحضر حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، في المشاركة و مواكبة المشاريع التنموية عامة وتلك المرتبطة بقضاياهم خاصة تخطيطا تنفيذا وتقيما، ومن خلال ذلك إرساء مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص و دمج الأشخاص في وضعية إعاقة في المجتمع وضمان تفاعلهم الإيجابي مع محيطهم. ونامل ان تعزز الاستحقاقات الانتخابية المقبلة هذه التجربة بولوج عدد أكبر من المرشحات والمرشحين في وضعية إعاقة والاستفادة من الزخم التنموي الذي تعيشه بلادنا من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و إستراتيجية الأوراش الكبرى لمواكبة وتتبع السياسات القطاعية والبرامج المحلية والجهوية للأخذ في الحسبان حقوق الأشخاص المعاقين والفئات المهمشة الأخرى في المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية والعمل من داخل القضايا الرئيسية التي تحددها السياسات العامة للدولة في اتجاه تحقيق نهوض فعلي لحقوق هذه الفئة من المواطنين. ونحن واثقون بان الأخوات والإخوة المرشحين للإستحقاقات الانتخابية 2021 سيحققون نتائج جيدة في مهامهم التي نالوا ثقة مجتمعاتهم لشغلها ، وسيساهمون من مواقعهم في الجهود المبذولة من قبل كافة الفاعلين في الحركة الحقوقية للأشخاص ذوي الإعاقة للنهوض بأوضاعهم ، فالطريق لا زال طويلا ، والجهود يجب أن تتحد وتتآزر لمحاربة التمييز على أساس الإعاقة وفتح المجال أمام هذه الشريحة من المجتمع لتساهم في حركية مجتمعها والتعامل مع قضاياها من منطلق حقوقي وليس على أساس إحساني، لتحقيق مواطنتهم ومشاركتهم في صناعة القرار السياسي ببلدهم وهذا من صميم حقوقهم. كما على الحركة الحقوقية للأشخاص ذوي الإعاقة بكافة الفاعلين فيها تطوير نفسها وطرق اشتغالها والانكباب السريع على خلق آليات عمل حقوقية فعالة، قادرة على ممارسة يقظة اجتماعية في مجال الإعاقة والإشكاليات المرتبطة بها بصفة عامة، وخلق فضاءات للتفكير الدائم في أنماط محينة ناجعة في مناصرة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، واعتماد أساليب عمل من شأنها حشد التأييد والتأثير على الرأي العام لدفع ذوي القرارات تطوير مبادئ تكافؤ الفرص وضمان المشاركة الفعلية والفعالة للأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف أوجه الحياة المجتمعية والدفع بوضع برامج ومخططات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جهوية ومحلية دامجة . *محاضر وناشط حقوقي في مجال الإعاقة