إذا كان جل الملاحظين قد اعتبروا الانتخابات الجماعية والجهوية ل 4 شتنبر 2015 التي شهدتها بلادنا محطة تاريخية هامة في البناء الديمقراطي للمملكة سيؤرخ لها بالانتخابات الجهوية بعد أن أقر المغرب إصلاحات إدارية هامة مست نظامه الترابي الجهوي ،بعد سنوات من تدارس مسألة إقرار جهوية متقدمة، تحقق التوازن بين الجهات إضافة إلى اعتبارها أول انتخابات جماعية تجرى في ظل الدستور الجديد، فإنها كذلك شكلت نقلة بالغة الأهمية في المشاركة السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة وقف عندها المناضلات والمناضلون من اجل المشاركة الكاملة لذوي الإعاقة وإعمال حقوقهم ، المدنية والسياسية، وقد حملت أجوائها صورا حملت معان عميقة فيما يخص تعديل نظرة المجتمع السلبية واتجاته تجاه الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة ،التي تغدي معاناتهم من الإقصاء والتهميش على مستويات عديدة ، وتعرض حقوقهم المنصوص عليها الإعلانات والأدبيات الأممية ذات الصلة بالإعاقة لانتهاكات .هذه الوضعية التي لا يمكن أن تستمر في مغرب اليوم بعيدا عن تملك مكونات الفاعلين السياسيين في الشأن العام التمثل الجيد للأدبيات والتشريعات والمبادرات الدولية والوطنية المبنية على المقاربة الحقوقية لقضية الإعاقة ، تمثلت هذه النقلة في مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في التصويت وممارسة حقهم الدستورية هذا بسلاسة وتعاون من القائمين على مكاتب التصويت ، إضافة إلى مبادرات في غاية الأهمية أقدم عليها العديد من الأخوات والإخوة في وضعية إعاقة، بالترشح ضمن لوائح أحزاب وطنية كبيرة لشغل مقاعد بالمجالس الجماعية والجهوية ، وقد توجت هذه الحركة فعلا بنجاح مجموعة من هؤلاء في الحصول على مقاعد، سيساهم نشاطهم في إطارها في النهوض بأوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة ببلدنا وسيسمح ذلك بالترافع من داخل هذه الهيئات المدبرة للشأن العام من اجل تنمية دامجة ببرامج ومشاريع إنمائية تستحضر حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، في المشاركة و مواكبة المشاريع التنموية عامة وتلك المرتبطة بقضاياهم خاصة تخطيطا تنفيذا وتقيما، ومن خلال ذلك إرساء مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص و دمج الأشخاص المعوقين في المجتمع وضمان تفاعلهم الإيجابي مع محيطهم. لذا وعلى الصعيد المحلي والجهوي ينبغي الاستفادة من الزخم التنموي الذي تعيشه بلادنا من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و إستراتيجية الأوراش الكبرى لمواكبة وتتبع السياسات القطاعية والبرامج المحلية والجهوية للأخذ في الحسبان منظور الإعاقة،وحقوق الأشخاص المعاقين والفئات المهمشة الأخرى في المشاركة الفاعلة في الحياة الاجتماعية والعمل من داخل القضايا الرئيسية التي تحددها السياسات العامة للدولة في اتجاه تحقيق نهوض فعلي لحقوق هذه الفئة من المواطنين، من خلال دمج منظور الإعاقة في سياسات التنمية المحلية والجهوية، إن قضية الإعاقة ببلدنا تظل تحديا من التحديات أمام سعيه لتحقيق مجتمع عادل يضمن المساواة ويحقق تكافؤ في الفرص للجميع ،كما تشكّل حاجزا حقيقيا للفرد في سبيل انبثاق شخصيته وتطوير إمكانياته والمشاركة في تحقيق التنمية المستدامة، الشيء الذي لن يتحقق إذا لم ترافق انخراط بلدنا في المنظومة الحقوقية الدولية بالتوقيع والمصادقة عملية تطبيق و أجرأة مباشرة وحقيقية لنصوص الشرعة الدولية المتعلقة بحقوق ذوي الإعاقة سواء في جوانبها الاجتماعية ( الولوجيات، التغطية الاجتماعية..)، أو الاقتصادية (تعزيز حظوظ الشخص المعاق في التوظيف..) وما لم يتم تفعيل المنطوق الصريح للدستور بإدماج بعد حقوق الإنسان للأشخاص في وضعية إعاقة بشكل أفقي في مختلف السياسات و القيام بما يناسب من الإجراءات والتدابير لمكافحة كل أشكال التمييز المادي والمعنوي المبني على أساس الإعاقة وعدم عزل أوضاع الإعاقة وحقوقهم في تشريعات غير مفعلة والحرص على إدماج مبدأي عدم التمييز على أساس الإعاقة وتكافؤ الفرص في جميع النصوص التشريعية والتنظيمية. ونحن واثقون بان الأخوات والإخوة سيحققون نتائج جيدة في مهامهم التي نالوا ثقة مجتمعاتهم لشغلها ، وسيساهمون من مواقعهم في الجهود المبذولة من قبل كافة الفاعلين في الحركة الحقوقية للأشخاص ذوي الإعاقة . فالطريق لا زال طويلا ، والجهود يجب أن تتحد وتتآزر لمحاربة التمييز على أساس الإعاقة وفتح المجال أمام هذه الشريحة من المجتمع لتساهم في حركية مجتمعها والتعامل مع قضاياها من منطلق حقوقي وليس على أساس إحساني، لتحقيق مواطنتهم ومشاركتهم في صناعة القرار السياسي ببلدهم وهذا من صميم حقوقهم. *محاضر وناشط حقوقي في مجال الإعاقة