الداخلة.. مؤتمر التحالف من أجل الحكم الذاتي في الصحراء يدعو إلى تجديد للمقاربة الأممية بخصوص النزاع حول الصحراء المغربية    أخنوش يحث القطاعات الحكومية على مواصلة الحوار مع الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين    حملة ليلية لتحرير الملك العمومي بمدينة الحسيمة (صور)    تيزنيت : إطلاق النسخة ال 17 لعملية " من الطفل إلى الطفل " للموسم الدراسي 2024/2025    السجن النافذ لمسؤول جمعية رياضية تحرش بقاصر في الجديدة    بورصة الدار البيضاء .. أداء إيجابي في تداولات الافتتاح    نجاح دورة جديدة لكأس الغولف للصحافيين بأكادير    حكيمي: "رغم الفوز على أرسنال.. لدينا شوط آخر في باريس"    نزار بركة يدعو لدعم الحكم الذاتي في مؤتمر أوروبي    دعوات لإحداث تحالف برلماني لاتيني-إفريقي لمواجهة التغيرات المناخية وتعزيز الأمن الغذائي    في قلب مدريد .. المغرب منصة واعدة للمستثمرين الإسبان    بني ملال.. التحقيق في تهديد شرطي والاستيلاء على سيارته الخاصة وسلاحه الوظيفي    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    الإمارات تعلن إحباط محاولة تمرير أسلحة للجيش السوداني وتعتقل أعضاء خلية    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    حاجيات الأبناك من السيولة بلغت 129,8 مليار درهم    وزير النقل: 88 في المائة من حالات التأخير في الرحلات الجوية مرتبطة بمطارات المصدر    البواري: دعم حكومي مرتقب لتشجيع الشباب القروي على إنشاء مقاولات فلاحية    سيميوني يستفز برشلونة قبل مباراتهما في نصف النهائي    تقرير: 17% فقط من الموظفين المغاربة منخرطون فعليا في أعمالهم.. و68% يبحثون عن وظائف جديدة    التحالف الديمقراطي الاجتماعي العربي يدعم الوحدة الترابية المغربية    مارك كارني يتعهد الانتصار على واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الكندية    مسؤول أممي: الوضع في غزة أشبه بيوم القيامة جراء أزمتها الإنسانية والمجاعة التي تفرضها إسرائيل    وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تدعو المواطنين إلى توخي الحذر بخصوص بعض الإعلانات المتداولة بشأن تأشيرة الحج    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    برادة: الوزارة ستعمل على تقليص الهدر المدرسي إلى النصف    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): باريس سان جرمان يعود بفوز ثمين من ميدان أرسنال    الأهلي يقصي الهلال ويتأهل إلى نهائي كأس دوري أبطال آسيا للنخبة    إيقاف روديغر ست مباريات وفاسكيز مباراتين وإلغاء البطاقة الحمراء لبيلينغهام    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    استئنافية خريبكة تؤيّد الحكم بسنة حبسا في حق البستاتي بسبب تدوينات مناهضة للتطبيع وداعمة لفلسطين    إحراق 19 طنا من المخدرات و652 قرصا مهلوسا كانت محجوزة لدى الجمارك بأسفي    هكذا انهارت الشبكة الكهربائية لإسبانيا في خمس ثوان.. أسباب محتملة    وزارة الأوقاف تحذر من إعلانات متداولة بشأن تأشيرة الحج    أمريكا تهنئ حزب رئيس وزراء كندا    البيضاء…..ختام فعاليات الدورة السادسة من مهرجان إبداعات سينما التلميذ للأفلام القصيرة    كيف يمكن لشبكة كهرباء أن تنهار في خمس ثوان؟    خبر مفرح للمسافرين.. عودة الأمور إلى طبيعتها في مطارات المغرب بعد اضطرابات الأمس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب من خلال إسبانيا الرسمية وإسبانيا الواقعية 1906 – 1898
نشر في الصحيفة يوم 15 - 06 - 2021

مواقف الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية الاسبانية من القضية المغربية عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين
الجزء الأول
سنتناول في هذا العمل مواقف مختلف الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية الاسبانية تجاه المغرب عند نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وما كان لهذه المسألة من تأثير على القرارات الحكومية و ردود فعل هيئات المجتمع المدني. كل ذلك لنسائل بعض الأطروحات التي لم تُولِ للمسألة المغربية الاهتمام المستحق معتبرة أنها شأن ثانوي ينساق بشكل عفوي مع تاريخ إسبانيا السياسي والاجتماعي المعاصر.
1-الحزب اللبرالي الإسباني
لم تكن مسألة الإصلاح في إسبانيا –خلال المرحلة التي نحن بصدد دراستها-تقتضي التخلص من الماضي؛ بل كانت بمثابة حافز يجعل الدولة تُعيد النظر في ما حدث لها في كوبا سنة 1898، حتى تتمكن من الوقوف على العراقيل التي حالت -ولازالت-تحول دون تقدم إسبانيا. وهي المسألة التي أثّرت في اللبراليين بشكل مباشر؛ إذ توجب عليهم التصدي لمختلف الإتهامات التي وجهت إليهم. فحسب ساگاسطا "Sagasta"، "كانت الدولة بصدد مواجهة معضلة كبيرة، إما الحرب بجميع نتائجها أو التعرض للذل والإهانة".
لم يكن تصريح رئيس الحكومة اللبرالية حول هزيمة 1898 مقنعا بالنسبة للمعارضة التي انتقدت بشدة واقع الحزب اللبرالي الذي كان يمر بأسوء لحظاته التاريخية. فالضغوطات التي تعرض لها ساگاسطا وزملاؤه جعلته يتنازل عن السلطة.
شهد الحزب اللبرالي الإسباني في بداية القرن العشرين جملة من التغييرات المهمة؛ كما أن مواقف بعض أعضائه المتميزين على الساحة السياسية أمثال موريط، ومونتيرو ريوس "Montero Ríos"، وكناليخاس"Canalejas "، وڤيانويڤا "Villanueva"، ورومانونيس "Romanones" ورفائيل گاسيط "Rafael Gasset" أسهم في بروز توجهات مختلفة داخل الحزب. وبعد وفاة ساگاسطا تطورت الأوضاع بشكل واضح، إذ طفت على السطح بعض الخلافات التي تعود إلى النزاع حول رئاسة الحزب بين موريط ومونتيرو ريوس.
هيمنت الانشقاقات داخل الحزب اللبرالي خلال الفترة الممتدة ما بين يونيو 1905 ويناير 1910، إذ تشكلت خمس حكومات ليبرالية في غضون سنتين. وقد تكرر الوضع نفسه ما بين أكتوبر 1909 ويناير 1910. واقترح أعضاء بارزون في الحزب على الملك ألفونسو الثالث عشر عزل موريط وتعيين كناليخاس. وعموما فالظرفية التي أضحى يعيشها الحزب اللبرالي، أسهمت بشكل كبير في جزء من تلك التحولات التي عرفها المجتمع الإسباني.
جاء انتشار الوعي السياسي غير الرسمي في مختلف أنحاء البلاد، ليؤكد على الطابع الانتهازي والمتأصل لحكومة التناوب. وكان ذلك عندما قررا الحزبان المتناوبان على تسيير دواليب الدولة وإعادة النظر في مخططاتها. فالحزب اللبرالي مثلا قد تبنّى هذه المرّة برنامجا أكثر مرونة يوفّق فيه بين التقرب من تيارات اليسار التقدمي من جهة واليمين المحافظ من جهة ثانية، والذي يشاركه مهام التناوب الحكومي. فهو يراهن على إمكانية التواصل مع التكتلات اليسارية غير الملكية دون قطع العلاقات مع نظام التناوب الحكومي أو التقليل من الدور الوقائي للجيش. ويبدو إذن أن السياسة التي راهن عليها اللبراليون لا تقل دهاء عن غيرها، إلا أنها تفتقد الإنسجام من خلال تلك الخلافات الحاصلة بين أهم أعضاء الحزب.
2-1 –اللبراليون والقضية المغربية
تقلّد ساگاسطا زعيم الحزب اللبرالي من جديد في شهر مارس 1901 رئاسة الحكومة الإسبانية. فعين الدوق المودوڤار "Duque de Almodóvar" وزيرا للدولة في الخارجية. وبعد خمسة أشهر من تشكيل هذه الحكومة اللبرالية الجديدة نشر زعيم الحزب المحافظ فرانثيسكو سيلفيلا Francisco Silvela" مقالا في إحدى المجلات تحت عنوان: "القضية المغربية" "La Cuestión de Marruecos"عالج فيه تدخل إسبانيا في الشؤون المغربية بطريقة مثيرة للجدل في أوساط الرأي العام الإسباني. ولم تمر إلاّ لحظات على نشر هذا المقال حتّى جاء الرد على لسان وزير الدولة في الخارجية، الدوق المودوڤار الذي عبر عن رفضه للموقف المحافظ بخصوص قضية المغرب معتبرا أن "المقال افتقد إلى المصداقية؛ وصاحبه يطمح إلى وضع اللبراليين أمام التزام حقيقي ومعقد تجاه الدولة".
وتلقى اللبراليون سنة 1901 أولى العروض المتعلقة بتقسيم المغرب من فرنسا. وقد كان للمراسلات المتبادلة ما بين وزير الدولة في الخارجية وسفيره في باريس دورا كبيرا في التخفيف من حدة الاكتئاب الذي خلفته هزيمة 1898، عن طريق التخطيط لمشروع استعماري جديد في الضفة المقابلة لمضيق جبل طارق. وأولى هذه المراسلات هي التي بعث بها سفير إسبانيا في باريس فرناندو ليون إكاستيو "Fernando León y Castillo" إلى وزير الدولة الإسباني، يخبره فيها بأن الحكومة الفرنسية مستعدة للتعامل حصريا مع إسبانيا بخصوص تقسيم محتمل للمغرب. وقد أدلى السفير الإسباني في هذا الصدد بالتصريح التالي:"إن للحكومة الفرنسية وباتفاق مع الصحافة والرأي العام لديها اقتناع بأنها ستهيمن على شمال إفريقيا وأن سيطرتها لا يمكن مقارنتها بأية وضعية أخرى، وسيكون ذلك بالحرص على حقوق إسبانيا في النسق السياسي والجغرافي والتاريخي مع ضرورة التنسيق والتعاون أثناء تعامل أمتنا مع تلك الجمهورية′′.
كان اليبراليون على وعي تام بما قد يثيره العرض الفرنسي فيما يخص مسألة تقسيم المغرب من انعكاسات جد وخيمة. لذلك فضّلوا تناول هذه المسألة بشكل عقلاني قبل الخوض في أية مغامرة استعمارية. أما وزير الدولة الدوق المودوڤار فقد أدلى في أكثر من تصريح بأن حكومته مطالبة بحل مشاكلها الداخلية قبل الاستعداد لأي مشروع توسعي، وأنه "يجب أن نهتم أولا بإعادة بناء اقتصادنا وعتادنا العسكري حتى نقوم بمشروع استعماري في ظروف جيدة".
إن العرض الذي قدمته فرنسا لإسبانيا بخصوص تقسيم المغرب كان مغريا للغاية. وقد أبلغ ليون إكاستيو حكومته بموافقته على ما اقترحته فرنسا، محذّرا إياها من النتائج التي قد تترتب عن رفضه.
وكانت الحكومة اللبرالية على وعي بالتوتر الدولي الذي أثارته القضية المغربية، فاتفاق محتمل بخصوص التقسيم يمكن أن يترتب عنه ردود فعل قوية من طرف قوى أوروبية أخرى لديها مصالح في المغرب. وقد دفعت الظرفية السائدة بالوزير المودوڤار، الى مراسلة سفير إسبانيا في باريس ليبدي موافقته على مشروع التقسيم مع فرنسا، شريطة ضمان الأمن والتصدي لأية ضغوطات أو تهديدات أجنبية. وقد عبر عن ذلك قائلا: "يصعب على إسبانيا إفشال مخططات فرنسا ومنعها من الحصول على فوائد أو أراضي في المغرب. وسيتم منعها بالتأكيد، ليس فقط لمعارضة الجمهورية الجارة أو الحيلولة دون تقدمها؛ بل أيضا لتجنب قوات أخرى تطالب بتعويضات وتبحث عنها بالتحديد في الأقاليم التي تعتقد إسبانيا بأن لها الحق في امتلاكها [...] ثم إن العلاقات المعقدة بين المسألة المغربية والتوازن في البحر المتوسط جعلت منطقتنا مركزا لكل تلك الأطماع، لهذا أبدت إسبانيا تخوفها من الخطر الذي يهددها في حال عدم الاعتراف بمصالحها نتيجة التصرف الذي تبنته فرنسا".
عموما فتخوف الحكومة اللبرالية من صراع دولي بخصوص قضية تقسيم المغرب خفف من حدته ذلك الاقتراح الفرنسي الطموح؛ حيث طلب وزير الدولة الإسباني من نظيره الفرنسي الأخذ بعين الاعتبار الاقتراح الأول والسماح لإسبانيا بأن تستولي على منطقة جد شاسعة. واشترط المودوڤار أيضا أنه لتوقيع المعاهدة مع فرنسا يجب أن تحتل إسبانيا الأقاليم المغربية التالية: "مجرى نهر أم الربيع انطلاقا من مصبه في الأطلس حتى مدخله إلى قبائل بني مخيلد، كلها تبقى تابعة لمنطقتنا؛ بالإضافة إلى قبائل ايت يوسي الممتدة على طول نهر ملوية حتى مصبه في البحر المتوسط، ويبقي من نصيب إسبانيا كذلك: فاس ومكناس وإقليم الشاوية، وأما فرنسا فسيكون من نصيبها مراكش وتافيلالت، وإقليم عبدة ودكالة والإقليم الشاسع ما بين ملوية والحدود الجزائرية".
نجحت الحكومة اللبرالية الإسبانية في الضغط على نظيرتها الفرنسية. والتي أبدت استعدادها لتعديل عرضها الأول والتنازل عن جزء أكبر مما طالبت به إسبانيا في دجنبر من سنة 1901. ففي المراسلة التي بعث بها ليون إكاستيو إلى وزيره في الدولة، أبلغه فيها بأن " "ديلكاسي "Delcassé " أظهر شخصيا رغبته في التوصل إلى حل مع إسبانيا بخصوص قضية المغرب مثله مثل أعضائه في مجلس الوزراء الذين تقبلوا بدورهم تعديل الإقتراحات السابقة، موافقين على أن تكون مدينة فاس داخل منطقة نفوذنا وكذا كل المجال الممتد بينها وبين المنطقة الفرنسية".
كانت المعاهدة الإسبانية الفرنسية المتعلقة بتقسيم المغرب جاهزة في نونبر سنة 1902، ولا ينقصها إلاّ ترخيص وزارة الدولة الإسبانية لتدخل حيز التطبيق. لكن بوصول المحافظين في دجنبر من السنة نفسها إلى الحكم، تم تبني موقف مخالف بشأن ما يتعلق بالمسألة المغربية، إذ رفض كل من رئيس الحكومة الجديدة ووزير الدولة في الخارجية توقيع المعاهدة مع فرنسا محاولين بذلك عرقلة مخططات السياسة اللبرالية. وقد أثارت أسباب رفض توقيع معاهدة 1902 جدلا كبيرا بين سياسيي المرحلة. فاللبراليون لم يترددوا في انتقاد الموقف المتهاون واللامسؤول الذي تبناه المحافظون تجاه هذه المسألة، إذ طلب الدوق المودوڤار توضيحات حول رفض الرئيس المحافظ لتلك المعاهدة. كما انتقد في إحدى الرسائل المتبادلة مع زعيم الحزب المحافظ، فرانثيسكو سِلْڤِيلا "Francisco Silvela" عدم توقيعه للمعاهدة مع فرنسا بعد أن كان مدعوما من طرف منبر المعارضة. ثم إن عدم ثقة الرئيس المحافظ بنفسه وخوفه وعدم درايته بالتقسيم المتنازع عليه جعلهم يضيعون فرصة لا تعوض، وهو ما علق عليه الدوق المودوڤار قائلا: "الدعم الدبلوماسي الفرنسي لم يبْدُ لسيادتكم كافيا لضمان اتفاق مؤكد. أنا لم أطلب أكثر ولم أوافق أبدا على أمور من شأنها أن تؤدي إلى عواقب وخيمة محتملة الوقوع. ثم إن الحكومة اللبرالية التي انتميت إليها رفضت بشكل قطعي حل القضايا المتعلقة بامتداد نفوذنا الشرعي في المغرب بطرق غير دبلوماسية".
عموما يمكن القول، إن الحزب اللبرالي سيّس بشكل كبير مشروع معاهدة 1902 غير الموقعة. وقد يكون من السذاجة اعتقاد أن انتقادات المودوڤار لرئيس الحكومة المحافظة كانت تستجيب لغيرته الوطنية فقط. واستغل اللبراليون رفض المحافظين لذلك المشروع لشن حملة معارضة ضد الحكومة. وبهذه الطريقة فقط سينجحون في البرهنة على تفوقهم أمام منافسيهم لتولي السلطة. إن الكلمات التي وجّهها المودوڤار إلى سيلفيلا كانت كفيلة بأن تفسر لنا خصوصية هذا السياق: "بينما حضراتكم لم تكسبوا الثقة في قدراتكم الخاصة بدون سبب يذكر، فقط لمجرد أنكم ضعفاء نحن على الرغم من ذلك خضنا تجربة سياسية نشيطة، كل واحد حسب طاقاته وقدراته الاستيعابية، وهو بالنسبة الينا إنجاز حقيقي بدل التأسف على إخفاقات الشعب".
طغت الديماغوجية خلال العقد الأول من القرن العشرين على مواقف الحزب اللبرالي تجاه المسألة المغربية. واستغل نواب ومستشارو الحزب منابر البرلمان للتعبير عن اقتراحاتهم السياسية، بحيث خصصوا ما بين نونبر 1903 ومارس 1904، خطابا أكدوا من خلاله على اهتمام الرأي العام الإسباني بقضية المغرب، قصد الضغط على الحكومة المحافظة من أجل إقناع كل القوى الأوروبية بضرورة الاعتراف "بحقوق إسبانيا في المغرب".
وتساءل الدوق المودوڤار في 24 نونبر سنة 1903 في أحد مقاعد المعارضة "حول ما إذا قام المحافظون بجميع التدابير اللازمة حتى تبقى المصالح السياسية والتجارية والإقتصادية لإسبانيا في المملكة المغربية سليمة بشكل كلي"، واتهم الماركيز ڤيانويڤا "El Marqués de Villanueva" في 16 دجنبر من السنة نفسها، الحكومة بالتهاون بخصوص التدابير المخصصة لمدينة مليلية. كما حذّرها أيضا من رداءة النظام الإداري والعسكري بتلك المدينة والذي سيهدد بما لا شك فيه مكانة إسبانيا وسيؤثر على مخططاتها التوسعية في المغرب.
إن مداخلات عضوي الحزب اللبرالي تشترك في نقطة واحدة ألا وهي معارضة السياسة المحافظة بخصوص القضايا ذات الصبغة الدولية عامة، وقضية المغرب على وجه الخصوص.
ترتب عن خيبة الأمل التي سببتها الاتفاقية غير المبرمة سنة 1902 خوف كبير من أن تخطط القوى الكبرى لاتفاقية أخرى بخصوص المغرب، دون أدنى اعتبار لإسبانيا. ففي 21 مارس من سنة 1904 انبعثت من مجلس الشيوخ أولى أصوات الاحتجاج، وكان ذلك عندما أدلى مونتيرو ريوس "Montero Ríos" في أحد تصريحاته بأن هناك إشاعات حول إبرام بعض الاتفاقيات بين فرنسا وبريطانيا العظمى. وأن نفس الإشاعات لم تستبعد إمكانية حدوث اتفاق بين حكومتي لندن وباريس حول مسألة المغرب.وتساءل السيناطوراللبرالي عمّا إذا "تأكدت الحكومة من ذلك الخبر بخصوص تلك الاتفاقية".
وقعت كل من فرنسا وانجلترا في 8 أبريل 1904 المعاهدة المتعلقة بمصير المغرب ومصر. وتحول هذا الحدث إلى قضية الساعة الأكثر تداولا بين أعضاء الحزب اللبرالي الإسباني. فمن منصة مجلس النواب تصاعدت أصوات المعارضة اللبرالية فاتهم الكونت رومانونيس "Conde de Romanones" الحكومة بأنها لم تتصرف حيال المعاهدة الفرنسية-الإنجليزية. وأدلى الكونت رومانونيس بالتصريح التالي: "نفى السيد وزير الدولة بأن تكون هناك مفاوضات بين فرنسا وانجلترا من شأنها أن تؤدّي الى معاهدة. وبالفعل، بعد مرور ثمانية أيام عن تلك المعاهدة المكشوفة على لسان السيّد رودريگيث سان بيدرو "Rodriguez San Pedro" توجت المفاوضات حول المغرب بتوقيع اتفاق أثار حيرة واستغراب الجميع".
واعتبر الكونت رومانونيس في السياق نفسه أن الاتفاق الفرنسي-الإنجليزي ترتب عن الوضع المتردي الذي اتسمت به العلاقات بين فرنسا وإسبانيا منذ فشل مفاوضات 1902، مذكّرا وزير الدولة المحافظ بالمسؤولية التي يتحملها حزبه بخصوص تلك المسألة ومؤكدا أنه "إذا تم التأكد من الخبر الذي جاء على لسان السيد وزير الدولة فيما يتعلق بتلك المفاوضات حول المغرب، سنكون للأسف في وضعية تختلف عن التي نعيشها اليوم. ولو استمرت الحكومة المحافظة في المفاوضات التي بدأتها الحكومة الليبيرالية، لكانت قد انتهت منذ مدة، ولما وصلنا الى هذا الوضع الحزين ولسبقت المعاهدة الإسبانية -الفرنسية، نظيرتها الفرنسية-الإنجليزية".
أثارت معاهدة ثامن (08) أبريل 1904 حملة من الانتقادات تزعمتها مجموعة من النواب البرلمانيين اللبراليين. ففي جلسة سادس (06) يونيو، خصّص ڤيانويڤا " Villanueva" مداخلته لإدانة التصرف اللامسؤول للمجلس التنفيذي الإسباني. فحسب رأيه، اعتقدت الحكومة المحافظة أن القضية المغربية، لن تعالج بدون تدخل إسبانيا، فدعّم أعضاؤها هذه الفكرة ضد كل الشكاوى ومطالب المعارضة؛ لكن صدمتها كانت كبيرة ومؤلمة. وأكد النائب اللبرالي أن المهتمين بالحياة السياسية الإسبانية، وخصوصا منهم أعضاء الحكومة المحافظة، كلهم مطالبون بمساءلة ضمائرهم، بحيث علّق على ذلك قائلا: "اليوم نعيش أحداثا واتفاقيات تحتّم على إسبانيا امتحان ضميرها، بطريقة أو بأخرى. إن التذمر بعد فوات الأوان لا يفيد في شيئ، لذلك يجب على الحكومة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاقية ترضي التطلعات الوطنية والتي من شأنها أن تثير شغفا واعتزازا باعتبارها تعالج جميع مشاكل الأمة الإسبانية".
في ثالث (03) أكتوبر من سنة 1904 وقع كل من سفير إسبانيا في باريس ليون إكاستيو، ووزير الشؤون الخارجية الفرنسي ديلكسي"Delcassé " الاتفاقية المتعلقة بالمغرب. وقد أثار توقيع الاتفاقية الفرنسية-الإسبانية إحساسا ممزوجا بالأمل والقلق. ولقي هذا الإنجاز استحسانا من طرف المعارضة، التي طالبت الحكومة بإيضاحات في شأن بنود تلك الاتفاقية. وهو ما دفع ببعض اللبراليين إلى تقديم اقتراحات جديدة تخص تطلعات إسبانيا في المغرب. واستغل النائب البرلماني مركيس دي ڤيانويڤا "Marques de Villanueva" جلسة ثامن (08) أكتوبر للتساؤل حول النظام الذي ستتبناه إسبانيا عند توغلها في المغرب.وخلاصة القول، إن تساؤل مركيس دي ڤيانويڤا لا يعكس في واقع الأمر سوى مدى اهتمام الحزب اللبرالي بالمخططات التي يجب نهجها للتدخل في المغرب واحتلال أراضيه.
* يوسف أكمير هو باحث في تاريخ العلاقات المغربية الاسبانية وأستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر/ أكادير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.