أعلنت الرئاسة الجزائرية، أمس الأربعاء، التشكيلة الجديدة للحكومة التي يترأسها أيمن عبد الرحمن، والتي ضمت 33 وزيرا من بينهم 16 لم يكونوا موجودين في النسخة السابقة، وكان أبرز منصب شمله التغيير هو منصب وزير الخارجية، الذي عاد إليه الدبلوماسي المخضرم رمطان العمامرة بعدما أُبعد عنه صبري بوقادوم الذي لم يعمر فيه إلا لعام ونصف، راكمت خلالها الدبلوماسية الجزائرية العديد من الانتكاسات خاصة في صراعها مع المغرب، ما جعل إنهاء مهامه أمرا متوقعا. ورسخت التشكيلة الحالية عودة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى الوجوه القديمة المحسوبة على فترة الرئيس السابق عبد المجيد بوتفليقة، وذلك رغم الغضب الشعبي المستمر المطالب ب"إسقاط النظام" والرافع لشعار "ينتحاو كاع"، والعمامرة هو أحد تلك الوجوه، حيث كان آخر وزير خارجية جزائري في المرحلة السابقة عندما شغل هذا المنصب ل20 يوما فقط ما بين 11 و31 مارس 2019 حين كان نور الدين بدوي وزيرا أولا، وقبلها مباشرة عُين وزيرا للدولة ومستشارا لرئيس الجمهورية للشؤون الدبلوماسية، المنصب الذي لم يلبث فيه سوى 25 يوما. لكن العمارة يجر خلفه، رغم ذلك، تاريخا دبلوماسيا طويلا، فقد كان وزيرا للخارجية ما بين 2013 و2017 في عهد حكومة عبد المالك سلال، لكن عودته تعني أيضا محاولة الاستفادة من خبراته في مواجهة الدبلوماسية المغربية ومحاولة تدارك ما خسرته بلاده في ملف الصحراء، فقد سبق له أن كان سفيرا للجزائر في الولاياتالمتحدةالأمريكية ما بين 1996 و1999، البلد الذي اعترف بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ولم تفلح الدبلوماسية الجزائرية في إقناع خلفه جو بايدن بالتراجع عن ذلك، بل إن وزارة خارجية واشنطن أعلنت مؤخرا بشكل رسمي عدم وجود أي تغيير في موقفها من هذا الملف. وتحتاج الجزائر أيضا لخبرة العمامرة في إفريقيا، القارة التي فقدت فيها نفوذها بشكل كبير بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير من سنة 2017، وهو ما بدا منذ دجنبر 2019 تاريخ افتتاح جمهورية جزر القمر لقنصليتها في مدينة العيون، لتتبعها 20 دولة أخرى دشنت تمثيلياتها الدبلوماسية ما بين العيونوالداخلة أغلبها إفريقية، ومن بينها الكونغو الديمقراطية والكوت ديفوار والسنغال والغابون وزامبيا، لذلك يُعَول قصر المرادية على التاريخ الدبلوماسي لوزير خارجيته الذي سبق أن كان مفوضا للسلم والأمن الإفريقي ما بين 2008 و2013 وسفيرا في إثيوبيا ما بين 1989 و1991. ولا تبدو مهمة العمامرة سهلة، ففترة صبري بوقادوم راكمت إحباطات دبلوماسية بالجملة، رغم أن هذا الأخير كانت له أيضا تجربة طويلة في دهاليز وزارة الخارجية كما ظل في منصب الممثل الدائم لبلده في الأممالمتحدة لأزيد من 5 سنوات ما بين 2013 و2019، لكنه أخفق في العديد من المواجهات مع المغرب بخصوص ملف الصحراء، وآخرها فشله في دفه مجلس الأمن للإقرار بوجود "حالة حرب" في المنطقة بعد واقعة "الكركارت". وشكل تدخل القوات المسلحة الملكية المغربية في "الكركارات" لطرد عناصر جبهة "البوليساريو" الانفصالية، ذروة هذا الفشل عندما كانت الجزائر هي الدولة الوحيدة التي أدانت الرباط دون أن تقف إلى جانبها أي دولة أخرى بما في ذلك حلفاؤها في القارة السمراء، وبعد ذلك وجد بوقادوم أن ملف الصحراء يفلت من يده أكثر فأكثر بعد إعلان دول عديدة اعترافها بالسيادة المغربية على المنطقة وفتح دول عربية لقنصلياتها هناك، على غرار الإمارات والبحرين والأردن. وبالإضافة إلى فشل الدبلوماسية الجزائرية في عهد بوقادوم في دفع إدارة بايدن للتراجع عن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وجدت نفسها تخسر علاقات دبلوماسية تقليدية على غرار الصدام مع فرنسا في أبريل الماضي بعد إعلان خارجيتها اقتناعها بمشروع الحكم الذاتي كحل نهائي للقضية، وإعلان حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" فتح تمثيلية له بمدينة الداخلة. وامتد الفشل الدبلوماسي الجزائري في عهد بوقادوم إلى نفوذ بلاده الاقتصادي في القارة السمراء، التي اقتحمت الرباط العديد من دولها بما فيها تلك التي تُصنف كحليف تاريخي للجزائر، فلم تفلح زيارته إلى نيجيريا، مثلا، في نونبر من سنة 2020، في ثني الرئيس محمدو بخاري عن إتمام مشروع أنبوب الغاز الطبيعي الذي اتفق على إنشائه مع الملك محمد السادس، بل عقب ذلك أعلن المغرب ونيجيريا الشروعَ عمليا في هذا الورش وقررا الدخول في مشاريع أخرى ثنائية. وحتى عندما حاول بوقادوم جني نجاح دبلوماسي من خلال زيارته إلى إسبانيا في مارس الماضي، حين التقى وزيرة خارجيتها أرانتشا غونزاليس لايا، تحول الأمر إلى كارثة بالنسبة لهذه الأخيرة بعدما افتُضح أمر اتفاقها معه على دخول زعيم "البوليساريو"، إبراهيم غالي، للعلاج بهوية مزيفة لتجنيبه المتابعة القضائية، الأمر الذي أدى إلى أزمة دبلوماسية هي الأسوأ من نوعها مع الرباط منذ 2002، لكنه أيضا تسبب لها في متاعب قضائية وأضحت حاليا المرشحة الأولى لمغادرة الحكومة في التعديل المتوقع قريبا.