انكشف أخيرا سر الطائرة الجزائرية التي كانت متجهة إلى إسبانيا، صباح يوم فاتح يونيو 2021 لنقل زعيم جبهة "البوليساريو" فالأمر، وفق مصادر دبلوماسية إسبانية، لم يكن يتعلق بوجود مشكلة في مدرج مطار لوغرونيو أو بسبب الأحوال الجوية، كما زعمت مدريد، وإنما بضغط كبير مارسه المغرب حتى لا يرحل إبراهيم غالي، دون المثول أمام القضاء وأيضا حتى لا يغادر في طائرة رسمية تجعله يبدو وكأنه رجل دولة. وكشفت صحيفة "أوكي دياريو" الإسبانية المقربة من دوائر رسمية أطلقت عليها صفة "مصادر دبلوماسية" أن مدريد عاشت 17 ساعة من التوتر قبل مغادرة غالي للبلاد، ذلك أن زعيم الجبهة الانفصالية كان ينوي الرحيل دون المثول أمام المحكمة الوطنية العليا لمواجهة شكايات تتهمه بممارسة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في حق الصحراويين، الأمر الذي أكده للصحيفة نفسها في حوار سابق ذراعه الأيمن، سالم لبصير. وبعد علم الرباط بذلك، بعثت رسالة إلى وزارة الشؤون الخارجية الإسبانية عبر القنوات الدبلوماسية مفادها أنه في حال ما غادر غالي "بطريقة مشبوهة" كما دخل، فإن الوضع بين البلدين "سيزداد تعقيدا"، ما دفع حكومة بيدرو سانشيز إلى التعهد بإدارة عملية المغادرة "بشفافية بمجرد مثول غالي أمام العدالة"، لكن الجزائر كانت تخطط لشيء آخر. ووفق "أوكي دياريو" فإن جميع الأطراف الإسبانية المتدخلة في ملف غالي اتفقت على أمر واحد، هو أن على عناصر جبهة البوليساريو مغادرة البلاد بمجرد إدلاء غالي بأقواله أمام المحكمة. وفي فجر يوم الثلاثاء أبلغت الجزائرمدريد أن رحلة عودة غالي تنتظر الإذن بالخروج من قاعدة بوفاريك العسكرية جنوب غرب العاصمة، وهي الرحلة التي لم يكن خط سيرها يظهر عبر نظام المراقبة ADS-B، لكن السلطات الإسبانية كانت تعرف مسبقا أنها قادمة إلى مطار "ألغونسيو" في لوغرونيو حيث يرقد زعيم الجبهة في مستشفى "سان بيدرو". وأبلغت الحكومة الإسبانية نظيرتها المغربية أن الطائرة الجزائرية في طريقها إلى الوصول، لكنها لم تتلقى أي رد من الرباط ينبئ بأنها تقبل بما يجري، إلى أن جاء الجواب الرافض الذي اعتبر أن نقل غالي عبر طائرة جزائرية رسمية "غير مقبول"، كون الأمر يتعلق بطائرة طبية رئاسية ما يجعل نقل زعيم الجبهة على متنها "قريبا من إعطائه صفة رئيس دولة"، وبشكل حاسمٍ أخبر المسؤولون المغاربة نظراءهم الإسبان بأن عليه أن يرحل وكأنه مجرد شخص أجنبي، وهو موقف لم تنجح الدبلوماسية الإسبانية في ثني الرباط عنه. وكان المغرب يعلم أن الطائرة التي ستحل بلوغرونيو، وهي من طراز Gulfstream IV-SP والمسجلة تحت رقم 7T-VPM، هي ذاتها التي دخل بها غالي في 18 أبريل 2021 وهي نفسها أيضا التي استخدمت في نقل الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة للعلاج في سويسرا سنة 2019، وبعد ساعتين من إخبار الجزائر لإسبانيا باستعداد الطائرة للإقلاع ستخبرها مدريد بأن العملية ألغيت، ورغم حديث الجزائريين عن أن الطائرة تحلق بالفعل إلى أن رد الإسبان كان حاسما "عليها أن تعود أدراجها"، وهو ما أغضب الجانب الجزائري، وفق "أوكي دياريو". وأخبرت الطائرة بشكل رسمي بضرورة العودة وهي بالفعل داخل المجال الجوي الإسباني في سماء جزرة "فورمينتيرا" بأرخبيل "البليار"، حين تلقت اتصالا من مركز التحكم في "بالما دي مايوركا"، الأمر الذي فتح أمام الحكومة الإسبانية جبهة جديدة في مواجهة الجزائر تزامنا مع استعداد غالي للمثول أمام القاضي، بينما كان المستشفى الذي يوجد فيه مليئا بعناصر الشرطة الوطنية ذوي الزي المدني، أما وزارة الخارجية فكانت تبحث عن حل "يرضي جميع الأطراف". وكان الحل المقترح هو إرسال طائرة طبية مدنية لغالي، لكن الجزائر لم تكن تمتلك طائرة بهذا الشكل غير التي جرت إعادتها، ما دفع إسبانيا للبحث عن بديل وكانت من بين الاحتمالات المطروحة إسناد هذه المهمة لشركة إسبانية متخصصة في النقل الجوي، لكن في نهاية المطاف تم اللجوء إلى شركة "إيرليك" الفرنسة المعروفة والتي اعتادت نقل المدنيين الفرنسيين الأثرياء من إفريقيا، الخيار ما وافق عليه المغرب لكن بشرط آخر وهو أن يغادر غالي وكأنه "مُرَحَّل" ودون أي مرافقة رسمية من الإسبان. وبعد الوصول إلى هذا الحل، ساد هدوء نسبي ممزوج بانتظار متوتر، وفي الساعة ال11 و41 دقيقة من مساء الثلاثاء دخلت الطائرة الفرنسية الأجواء الإسبانية قادمة من مطار بوردو، باتجاه مطار بامبلونا، هناك حيث ظل زعيم البوليساريو ينتظر طيلة ساعة داخل سيارة إسعاف وقد وضع له أنبوب في فمه لمساعدته على التنفس وآخر في جهازه البولي لقضاء حاجته، ليغادر صوب الجزائر لكن بشروط المغرب، وفق "أوكي دياريو" التي أوردت أن المملكة سجلت "انتصارا" في هذا الملف، وأن كل ما جرى جعل وزيرة الخارجية رانتشا غونزاليس لايا "المرشحة الأولى لمغادرة الحكومة".