مَوقِفان مُتَعارِضَان في الساحةِ "الكُورُونيّة" العالَمِيّة.. أحدُهُما يَجزِمُ أنّ "كُورُونَا" فَيرُوسٌ لا شكّ فيه، موجودٌ وله ضحايا.. وآخَرُ مُتشكّكٌ ومُشكّكٌ.. لا يرَى دليلاً مَلمُوسًا مُقْنِعًا.. وهذا الاختلافُ بين مَوقفَيْن مُتناقضيْن، يكشفُ عن إشكاليةِ الثّقةِ في مُؤسّساتٍ عندَنا وفي دُوَلٍ أخرى.. "غيابُ الثّقة" يجعلُ النّاسَ تشُكّ في المَعلُوماتِ المُتداوَلة، والآراءِ التي يُقدّمُها بعضُ المُختصّين، أو المسؤولين، ومَنابِرُ إعلامية.. هي غامِضة.. وغير مُؤكّدَة.. والنّتيجَة: شَرخٌ واضِحٌ بين الخطابِ الحُكومِي وتّوَجُّهِ فئاتٍ اجتماعيّة مُختلِفة.. وتبقَى"كُورُونَا" على رأس ما يَتداولُه الخاصُّ والعامّ.. ولا حديثَ إلاّ عن غُمُوضِ الفَيرُوس.. وكلّ يومٍ تُورِدُ الأخبارُ نِسبةَ الإصابات.. ومَواقِعُ التّواصُلِ الاجتماعِي تَنشُر يوميًّا أنباءَ التّعازِي: وفَيَاتٌ بالجُملةِ في مُختَلَفِ أنحَاءِ البلَد.. أسمَاءُ مَشهُورةٌ فارَقَت الحيَاة، وجُلُّها مَعرُوفٌ على الصّعيدِ الوطني.. والإصاباتُ لا تَتَوَقّف.. وفي بعضِ الدّول، أصبَحَت المُستشفياتُ خارجَ السّيطَرة.. والتجارةُ شديدَةُ التّضرُّر.. والبِطالةُ في تزايُد.. والرّكودُ الاقتِصادي يَستَفحِلُ.. والتّعليمُ يشتَغلُ حيناً.. ثم يتَوقّف.. ويَتأرجَحُ بين الحُضُورِ والدّراسةِ عن بُعد.. وفي الناسِ مَن يَعجِزُون عن مُواجهةِ مُتطلّباتِ الحياةِ اليومية.. ومَشاكلُ تكثُرُ هُنا وهُناك.. وتأخُذ أبعادًا نفسيّةُ ضَغطِيّة.. وفي بعض العائلات يزدادُ التوتُّر، نتيجةَ ضُعفِ القُدرةِ الشّرائية.. * والتّشكُّكاتُ لا تَتوَقّف! وبَرزَت تِجارةٌ هي نوعٌ جديد.. لم يسبق له مثيل: اقتصادٌ يُركّزُ على أجهِزةٍ التّنفُّس، والمُعقّمات، والكَمّامات، وغيرِها... وكلُّها مُرتبطةٌ بالجائحة الكُورُونية.. وأكبرُ الاقتصاديّات في بعضِ الدول مُهدّدَةٌ بانهيّار.. ودولٌ كُبرى، لم تَشفَع لها تِجارةُ الطّيرَانِ والفضاءِ والبِحار والرّوبوتاتِ وتكنولوجيا النّانُو وغيرِها، في مُواجهةِ كارثةٍ بشريّةٍ صِحّية، بسبَبِ فيرُوس "كُورُونَا" الذي يحتارُ فيه العُلماء: مَن أنتَجَه؟ هل مُختبراتٌ صِينيّة؟ أم أمريكية؟ أم غيرُها؟ وهل العالَمُ مُقبِلٌ على حرب بيُولوجيّة؟ أم هو مُقبِلٌ على تغيِيرِ خارطةِ الكبارِ والصغار، وتحديدِ الكيفيةِ التي يكونُ عليها عالَمُ الغد؟ وتساؤلاتٌ تُواكبُها ضرورةُ تغيِيرِ الحالةِ القائمةِ في العالَم، سياسيّا واقتِصاديّا واجتماعيّا وثقافيّا... "كُورُونَا"، حتى وهي غامضة، أو شبهُ مَجهُولة، لا مَفَرّ لها من إنتاجِ خارطةٍ عالميّةٍ جديدة.. التّغيِيرُ في كلّ المَجالات، أمرٌ لا مَفرّ منه.. المُستقبلُ قائمٌ على التّغيير.. * وتَبرُزُ مِن جديدٍ "نظريّةُ المُؤامَرة"! وهي مُصطلَحٌ يَشرَحُ "كُورُونَا"، من زاوِيةٍ مُؤامَراتيّة.. فئاتٌ عِلميّةٌ وأمنيّةٌ وسياسيّةٌ وغيرُها تقرأ بعضَ الأحداثِ الغامِضة من زاويةِ التّشكِيك، ومنها حاليّا ظاهرةُ "كُورُونَا" التي لم تتَحرّر من غُمُوضِها وتعقِيداتِها.... وتَطرحُ جُملةَ تسَاؤلاتٍ تَشكِيكيّة: هل ظَهرَت "كُورُونَا" بالصُّدفَة؟ أم خلْفَها نوايَا مُبيَّتة؟ ومَن لهُ مصلحةٌ في إنتاجِ الفَيروس؟ وما هو المُختبَرُ الذي قد يَكونُ هو المُنتِج؟ وما الهَدف؟ مَن هو الطّرَفُ المُتآمِر؟ ومن هو المُستَهدَف؟ مَن الضحيّة؟ وما معنَى غُمُوضُ "كُورُونَا"؟ أليست هناك حقيقةٌ يُرادُ إخفاؤها؟ أسئلةٌ اتّهاميّةٌ تَقودُ إل فاعِلٍ مَجهُول.. وتحليلاتٌ سياسيةٌ قد تعملُ على تَصديرِ الاتّهامِ إلى جهاتٍ خارجيّة، وقد تَصِفُهُ بمُصطلَح "العَدُوّ الخارِجِي".. وهذا تستَخدمُه نُخبةٌ سياسيّةٌ من قبيلِ ثُلّةٍ من أحزابِنا التي تَسعَى لتوجيهِ الأنظارِ إلى الخارج، لإيهامِ الناس بوُجودِ عدُوّ خارِجي يتَرَبّصُ بالبلد.. وفي الواقع، لا وُجودَ إلاّ لعَدُوّ داخلي: كُتلةُ أحزابٍ مُغرِضَة، لا تقومُ بواجباتها.. وقد تنَبّهَ مُجتمَعُنا إلى كَونِ جُلّ أحزابِنا مَسؤولةٌ أولَى عن إهمالِ الشّأنِ المَحلّي، والتّفرّغِ لخدمة مَصالحِها، ومَصالحِ مُقرَّبِيها، فازدادَت ثراءا، وأفقَرَت الفُقراء! * ولْنفتَرِضْ وُجُودَ مُؤامرةٍ "كُورُونيّة".. في هذه الحالة نَصطَدِمُ بِوَجودِ نِزاعٍ مَصلَحِي، أو تعارُضٍ لمَصالِحَ بين طرَفٍ وطرَفٍ مُضادّ.. وفي حالةِ وباءٍ "كُورُونِيّ شامِل"، لا يُوجَدُ فقط مُستَهدَفٌ - هو فردٌ واحد - بل مَلاييرُ المُستَهدَفين، هُم كلُّ سُكانِ كوكبِنا الأرضي.. وأخبارُ "مُؤامرةِ الصّمت" تَحتَمِلُ وُجودَ شبكةٍ إجراميةٍ عالميةٍ تسعَى لتَصفيةِ جُزءٍ من العالم.. ما مَصلَحتُها في كلّ هذا؟ هل تَستطيعُ أن تعِيشَ وحدَها في هذا الكَوكَب؟ هذا تَوَجُّهٌ لا يَستَسِيغُه عقلٌ سَلِيم.. وإذا كانت هناك نيّة إجراميّة، فما الهدَف؟ ماذا يَستفيدُ الإجرامِي؟ هل يستطيع أن يكونُ المُستَهلِكَ الوحيدَ لثَروَاتِ العالم؟ يُوجُدُ خلَلٌ في ربطِ "كُورُونَا" بالاستِيلاءِ الفردي أو الأُسَرِي أو الشّبَكاتي على ثرواتِ كلّ سُكانِ العالم.. * هذا خيالٌ سَلبِي مُهترئ.. ولا يستَقِيمُ ربطُ "نظريةِ المُؤامَرة" بِكلّ هذا الجَشَع.. وهذا من أخطاءِ هذه النظرية التي لا تَعتمدُ مَنطقًا مُتوازِنا سليمًا.. ومعَ ذلك، هُناك فئاتٌ مُصِرّةٌ على أنّ "كُورُونَا" لا تَقِفُ وحدَها، بل معَها "نظريّةُ المُؤامَرة".. ولا تتَوفّرُ - حتى الآن - مَعلوماتٌ مُقنِعة حولَ مَصدَرِ الفَيرُوس: كيف تَحَوّلَ من جُرثومةٍ قادرةٍ على الانتقال إلى حيوان، ومن الحيوانِ إلى إنسان، ثم من إنسان إلى كل البشر.. ما الهدَفُ من كلّ هذا؟ هل هو تجربةُ الخَفافيشِ في مُختبَر؟ إنّ التجاربَ على الحيوانات معمولٌ بها في مُختَبرات، من أجلِ صناعةِ أدوية، أو جراثيم، ولكن هل يُعقلُ أن يكُون الهدَفُ اغتيالَ ثُلُثِ أو ثُلُثَيْ سُكانِ العالم؟ هذا لا وُجودَ له إلاّ في بعضِ كتاباتِ "الخيال العِلمي"، وهذه تَحتَملُ التّهيئةَ لحرُوبٍ جُرثوميّة.. وعِندَها، يكونُ هذا الطرحُ الكُورُوني يَضَعُ كلّ سُكّانِ العالم في قُفّةٍ واحدة.. ومرةً أخرى، لماذا؟ وما الهدَف؟ هل أصبحَ كلُّ العالمِ في حالةٍ غيرِ طبيعيّة؟ * ودَخَلت اللّقاحاتُ إلى مَيادينِ الجائحة.. ومعَها دُولٌ تسعَى إلى الرّبحِ السّريعِ في تِجارة "كُورُونَا".. وتُواكبُها من قريبٍ أو بعيدٍ "نظريّةُ المُؤامَرة".. وأينَما اتّجَهْتَ، تجدُ أمامكَ من يُشَكّكُون حتى في اللّقاحات.. وتُواكِبُ عملياتِ التّطعيمِ العمُومي، هُنا وهُناك، إشاعاتٌ تقُولُ باللاّجدوَى.. وفيها ما يزعُم وُجودَ أعراضٍ ومُضاعَفات.. وتستَخلِصُ الإشاعاتُ أن خلفَ اللقاحِ مَصالحَ تجارية، وبالتالي عَدمَ استِبعادِ مؤامرة.. ويَدخُلُ على الخطّ "سياسيُون"، ويزعُمون أن الفيروسَ برُمّتِه واقفٌ على مُؤامرة.. ثم تعُود "كُورُونَا" إلى مُنطلَقِها، بإشاعةِ "نظريّةِ المُؤامَرة".. وقد اعتَادَت جُلُّ أحزابِنا الرُّكوبَ على الأمواج.. ويَتبَعُهُم ذَوُو المَصالِح.. ويَظهَرُ في النقاشاتِ اختلافُ وجهاتِ النظر، ويُحرّكُها سُؤال: ما مدَى جَودةِ اللّقاحات؟ وتبقَى "كُورُونَا" مُتأَرجِحةً بين براءةِ اللّقاح واللاّبرَاءة.. وبين المُؤامرةِ واللاّمُؤامَرة.. ومع ذلك، تقُودُ التّناقُضاتُ إلى البحثِ عن طريقٍ واحدة، إلى هدفٍ مُشترَك.. وطريقُنا السالكةُ هي الديمُقراطية التي تفسَحُ المجالَ للاختِلافِ من أجلِ الاتّفاق.. ما أحوَجَنا إلى ديمُقراطيةٍ حقيقية، تَخدُمُ مَصالحَ الوطنِ والمُواطنِ والإنسانيةِ جَمعاء! [email protected]