منذ الخميس الماضي، دخلت عناصر القوات المسلحة الملكية إلى مدينة طنجة من أجل دعم السلطات المحلية في حربها على الموجة الجديدة من فيروس كورونا التي تضرب المدينة، ومنذ ذلك الوقت يتوقع الطنجيون سماع خبر عن تدخل العسكريين من أجل توقيف بعض المخالفين، لكن الأخبار التي انتظروا سماعها من البر جاءتهم أول أمس السبت من البحر، حيث نفذت عناصر الجيش الملكي عملية اعتراض مثيرة، لم يكن الهدف منها منع محبي السباحة من التسلل إلى الشواطئ، بل القبض على مستغلي الوضع الحالي لتهريب المخدرات. ووسط مياه المحيط الأطلسي، وغير بعيد عن مغارة هرقل المعلم السياحي الأشهر لمدينة البوغاز، انتبه عناصر البحرية الملكية لزورق مشبوه على متنه 3 أشخاص، وعند إيقافه اتضح أنه يحمل طنا و200 كيلوغرام من المخدرات، التي كانت متجهة إلى جنوب إسبانيا في عملية جديدة تؤكد عودة نشاط تهريب المخدرات من وإلى المغرب بقوة، خلال أشهر جائحة كورونا، بل إن المهربين الذين صارت تغريهم أسعار الممنوعات المضاعفة خلال هذه الفترة، أصبحوا يلجؤون لطرق مختلفة من أجل إيصال الشحنة إلى مقصدها. تسلل الذهب الأبيض ومع إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية نتيجة قرار المغرب إقفال حدوده انطلاقا من 13 مارس الماضي، بعد 11 يوما من تسجيل أول إصابة مؤكدة بفيروس "كوفيد 19"، أضحت عمليات تهريب المخدرات في الاتجاهين أكثر صعوبة، الأمر الذي دفع العديد من أباطرة المخدرات لاستغلال المنافذ "الاستثنائية" المخولة بموجب حالة الطوارئ الصحية، مثل ما كان عليه الأمر يوم فاتح غشت الجاري عندما أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني عن ضبط حوالي 16 كيلوغراما من الكوكايين في حوزة مواطن مغربي مزدوج الجنسية قادم من بلجيكا يبلغ من العمر 35 عاما. وضبطت عناصر الأمن هذه الكمية، التي قالت مصادر مطلعة ل"الصحيفة" إنها كانت عبارة عن كوكايين خام أو ما يعرف ب"الكريستال"، داخل واقي الصدمات الخلفي للسيارة التي تحمل لوحات ترقيم أجنبية، والمتورط شخص استغل فتح الحدود بشكل استثنائي لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج لينقل هذه الكمية من بلجيكا إلى ميناء سيت جنوبفرنسا ومنه إلى ميناء طنجة المتوسط حيث جرى اكتشافها أثناء تفتيش السيارة. ويبدو أن عمليات تهريب الكوكايين تحديدا نحو المغرب أصبحت تغري الكثرين في زمن كورونا، لدرجة أنهم يغامرون بمحاولة تجاوز المراقبة الأمنية والجمركية المشددة في المعابر البحرية، كما كان الشأن مع شاحنة للنقل الدولي للبضائع التي ضبطت يوم 11 ماي الماضي بميناء طنجة المتوسطي، وعلى متنها 25 كيلوغراما ونصف الكيلوغرام من "الذهب الأبيض"، إذ استغل أصحابها سماح السلطات المغربية لناقلي السلع بالعبور بين ضفتي مضيق جبل طارق. ولم تحدد المديرية العامة للأمن الوطني الدولة التي استُقدمت منها هذه الكمية تحديدا، لكنها في المقابل أكدت أن مصدرها هو أوروبا، وكانت مخبأة في مقصورة قيادة سائق الشاحنة المغربي الجنسية البالغ من العمر 42 عاما، والذي جرى إيقافه، لتعطي هذه المحاولة الدليل على أن سوق الكوكايين بالمغرب ما زال رائجا رغم الأزمة، كما تؤكد أن الأسعار الجديدة لهذه المادة أضحت مصدر إقناع للكثيرين للمغامرة بمستقبلهم المهني وبحريتهم. جمركيون في شرك الممنوع وحتى بعد تجاوزها الحدود، أضحت عمليات نقل المخدرات، والكوكايين تحديدا، محفوفة بالمخاطر بسبب السدود الأمنية الموجودة بين المدن، وهو الأمر الذي لا يعدم تجار الممنوعات الحيلة لتجاوزه كما كان بالنسبة لعملية نقل 470 غراما من هذه المادة من مدينة طنجة إلى تطوان، والتي جرى اكتشافها يوم 5 غشت الجاري، بعد تدخل المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني التي وفرت المعلومات اللازمة لمصالح الأمن الوطني. ولكي يتجنب المهربون عناصر الأمن لجؤوا لحيلة اعتقدوا أنها ستترك ممنوعاتهم بعيدة عن أعين الشرطة، حيث خبؤوها داخل قنينة ليبدو الأمر وكأن الأمر يتعلق بعصير فواكه، قبل أن يفاجؤوا باكتشاف أمرهم على مدخل مدينة تطوان، ما قاد عناصر الأمن إلى الإطاحة بعصابة للاتجار في الكوكايين بعدما قاد التحقيق مع أول موقفَين إلى اكتشاف عنصر ثالث بمدينة طنجة، والذي ضبطت معه الشرطة 195 غراما إضافية من هذه المادة. لكن أحيانا تكون مفاجآت عناصر الأمن أكبر، حين تكتشف هويات الأشخاص الذين أسقطتهم مغريات الاتجار في المخدرات خلال جائحة كورونا، مثلما كان عليه الأمر يوم 24 يونيو الماضي، حين أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني عن إيقاع المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة وجدة ب8 أشخاص متورطين في حيازة المخدرات والاتجار بها بما في ذلك الكوكايين والشيرا والأقراص المخدرة، ومن بين الموقوفين كان هناك عنصران من الجمارك. وكشفت التحقيقات أن الموقوفين كانوا يتعاملون مع مروج صدرت بحقه 7 مذكرات بحث وطنية للاشتباه بتورطه في الاتجار بالمخدرات القوية، أما الجمركيان فكانا يزودان الشبكة بالممنوعات مستغلين منصبهما الوظيفي، حيث كانا يعملان في مستودع للأشياء المحجوزة، ما يعني أنهما كانا يقتطعان كميات من المخدرات المصادرة قبل إتلافها ويسلمانها لباقي الموقوفين من أجل الاتجار فيها مقابل نصيب من العائدات. طوفان الأقراص المخدرة وإلى جانب الكوكايين عرفت عمليات تهريب الأقراص الطبية المخدرة بدورها نشاطا كبريا خلال جائحة كورونا، ومع تشديد المراقبة على الحدود الشرقية للمملكة وإقفال المعبرين الحدوديين مع مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، أضحى الطريق المفضل لتجار المخدرات هو الميناء المتوسطي عبر شاحنات البضائع القادمة من إسبانيا، والتي يسمح لها بتجاوز الحدود على الرغم من إغلاقها، وهو الأمر الذي بدا جليا يومي 17 و18 يونيو الماضي. ففي 17 يونيو اكتشفت عناصر الأمن الوطني بميناء طنجة المتوسطي محاولة لتهريب 5400 قرص طبي من نوع "ريفوتريل" على متن شاحنة للنقل الدولي مسجلة بالمغرب ويقودها مواطن مغربي، والتي عُثر عليها مخبأة داخل مقصورة القيادة، وكانت الشاحنة قادمة من أحد موانئ جنوب إسبانيا. وبعد 24 ساعة على هذه العملية اكتشفت مصالح الأمن كمية أخرى من الأقراص الطبية كان سيجري تهريبها عبر ميناء طنجة المتوسطي أيضا، والتي أسقطتها معلومات وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني هذه المرة، وبلغ إجمالي الأقراص المحجوزة 2295، وبدورها كانت مخبأة داخل شاحنة للنقل الدولي قادمة من إسبانيا. الحشيش.. إلى الضفة الأخرى وإذا كانت أزمة كورونا قد شجعت مهربي المخدرات على نقل شحنات من الكوكايين والأقراص المخدرة نحو المغرب بسبب ارتفاع ثمنها، ففي الاتجاه المعاكس أيضا شجعت هذه الظرفية أباطرة الحشيش على نقل شحنات كبيرة نحو أوروبا، مدفوعين بالاقبال المتزايد عليها مع ارتفاع ثمنها بشكل كبير بسبب ظروف حالة الطوارئ الصحية والتباعد الاجتماعي التي فرضتها العديد من الدول. وبدأ المهربون يستغلون انشغال السلطات المغربية، خاصة بالمدن الكبرى مثل طنجة والدار البيضاء، بتبعات جائحة كورونا لاستعادة نشاطهم، ففي العاصمة الاقتصادية مثلا وضعت مصالح الأمن أيديها على حوالي 5 أطنان وربع من المخدرات بضيعة بمنطقة "أولاد ميمون" كانت معدة للتهريب، وذلك يوم 6 غشت الجاري، وكان من بين الموقوفين الثلاثة مواطن فرنسي من أصل مغربي. وبلغة الأرقام، فإن ثمن الغرام الواحد من الحشيش ارتفع في إسبانيا من 6 يوروهات كحد أقصى إلى 15 كحد أقصى في شهر مارس الماضي، أي في أول شهور أزمة كورونا، وذلك وفق تقرير نشرته صحيفة "إلباييس" الإسبانية التي قالت أيضا أن واحد من كل 10 إسبان راشدين يستهلك الحشيش أو الماريغوانا، الأمر الذي يفسر عودة نشاط تهريب المخدرات من المغرب نحو إسبانيا خلال فترة الجائحة بعدما كان قد ضاق عليها الخناق بشدة خلال سنة 2019 وبداية 2020، بأوامر من الملك محمد السادس والتي حركت سلسلة من العمليات الأمنية، وفق ما ذكرته صحيفة "دايلي ريكورد" البريطانية في أبريل من العام الجاري.