يقف الحزب الاشتراكي الموحد على حافة الانشقاق بعد اشتداد الصراع بين داعمي اندماج أحزاب فيدرالية اليسار الديموقراطي الراغبين في أن يبادر القيادي محمد الساسي إلى جمع شمل مكونات اليسار، وبين الداعمين لنبيلة منيب وأغلبهم من أعضاء المكتب السياسي والمجلس الوطني للحزب، المعارضين لفكرة الاندماج، والراغبين في معاقبة الداعين لتأسيس حزب جديد. ووفق المعطيات التي حصلت عليها "الصحيفة" من داخل الحزب، فإن الأمر بدأ برسالة حملت عنوان "من أجل عودة الأمل"، وجهها أعضاء من المكتب الوطني واللجنة المركزية لحركة الشبيبة الديموقراطية التقدمية، إلى جانب أعضاء في حزبي الطليعة والمؤتمر الوطني الاتحادي، للساسي استنادا إلى مداخلته ضمن أشغال الجامعة الفكرية المنظمة في يوليوز 2019 من طرف فيدرالية اليسار الديموقراطي، وورقته السياسية المقدمة في فبراير 2020. وجاء في الرسالة التي حصلت الصحيفة على نسخة منها "إننا اليوم، في حاجة إلى تنظيم جديد يطمح أن يكون مؤثرا في مستقبل المغرب، في حاجة لحزب يساري جامع، متطور، متقدم ومواكب للتحولات المجتمعية، يدافع عن الديمقراطية داخليا وخارجيا، ويقدم حلولا وإجابات للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمغاربة بتواضع واعتدال". وتابع الموقعون "إننا في حاجة لحزب يدعم المبادرات المدنية ويبني شرعيته انطلاقا من حضوره على المستوى المحلي، بالإضافة إلى برنامج وطني واضح الملامح وبممارسات وطرق جديدة لإقناع فئات أوسع، من مجتمعنا المغربي"، معتبرين أن الساسي "قادر على فتح آفاق جديدة من أجل تجاوز الجمود الحالي وقيادة مرحلة انتقالية لحزب يساري جديد ومتجدد يحمل مناضلوه ومناضلاته هم تغيير ديمقراطي حقيقي لهذا الوطن". ورغم أن الساسي لم يعلن تبنيه لفكرة الرسالة، إلا أن انتشارها كان كافيا في إحداث انقسام داخل المكتب السياسي والمجلس الوطني للحزب، وهو ما تؤكده مراسلة موقعة من طرف 80 عضوا من أعضاء المجلس الوطني، في خطوة قادها محمد بولامي عضو المجلس الوطني المحسوب على صف الأمينة العامة نبيلة منيب، وأحد أشد المعارضين لفكرة الاندماج. واعتبرت الرسالة الموجهة للمكتب السياسي أن الوثيقة التي سُلمت للساسي تمثل "خطوة غير مسبوقة في تاريخ حزبنا وسلوكا دخيل على ثقافتنا التنظيمية وقيمنا النضالية"، على حد تعبير الموقعين، مضيفين أنها تهدف إلى "خلق آليات خارج المساطر التي تعتمدها أجهزة الفدرالية المخول لها إيجاد السبل المشتركة للأفق المنظور للاندماج من جهة، ومن جهة ثانية خارج ضوابط النظام الداخلي للحزب". ودعا الموقعون أعضاءَ الحزب الاشتراكي الموحد إلى سحب الرسالة الموجهة للساسي والقيام ب"نقد ذاتي"، داعين إلى "التعاطي بجدية ومسؤولية مع هذه السابقة التنظيمية" كما وصفوها، استحضارا لموقع مجموعة من الموقعين كأعضاء بالمكتب الوطني لمنظمة الشبيبة الديموقراطية التقدمية، المعروفة اختصارا ب"حشدت". وكشفت هذه الوثيقة بشكل صريح أن موقعيها يصطفون في الخندق المناوئ لفكرة الاندماج، حيث طالبوا المكتب السياسي بإعلان تشبثه بقرار المجلس الوطني المنعقد ما بين 30 نونبر فاتح دجنبر 2019 في شأن الاندماج في فيدرالية اليسار الديموقراطي، مضيفة أن "لا قوة أخرى غير هذا القرار قادرة على توجيه الحزب"، قبل أن تخلص إلى "ضرورة تطبيق القانون على كل من يقحم تنظيمات سياسية أخرى للتأثير على استقلالية الحزب في اتخاذ قراراته بحرية تامة". ووفق مصادر "الصحيفة" فإن هذه الوثيقة لم تنجح سوى في خلق انقسام جديد، حتى على مستوى المكتب السياسي، فأحد أعضائه البارزين، وهو محمد حفيظ نائب الأمينة العامة، والمحسوب على تيار "الوفاء للديموقراطية" الموالي للساسي والمساند لفكرة الاندماج، رفض مناقشة المراسلة إلا إذا أُرفقت بمناقشة كل المراسلات السابقة التي توصل بها المكتب. وأكثر من ذلك، توضح مصادر من داخل الحزب أن العديد من أعضاء الشبيبة بدؤوا يلوحون بالرحيل عن "الاشتراكي الموحد"، على اعتبار "تغول" أعضاء منظمة العمل الديموقراطي سابقا الذي يعتبرون أنفسهم "المؤسسين الحقيقيين"، والرافضين لفكرة الاندماج بشدة، وهو الأمر الذي قد يتم عمليا في حال ما أوقع المكتب السياسي إجراءات تأديبية في حق موقعي الرسالة الموجهة للساسي.