استفهاماتٌ بلا حُدود.. إلى حُكومةٍ مُتهوّرة.. وبلا عقل.. ولا هدَفٍ بنّاء.. الخللُ قد حدَث.. ويَحدُثُ عندما يتَوقفُ الإنسانُ عن رسالته الإنسانية.. وتَبرُزُ المَصالح، ويَتمَطّطُ الجشَع، وتَشرئبُّ أزمةُ بُعدِ نظَر.. وهذه تُنتِجُ أزمةَ ضميرٍ مِهني، وسيّاسي، وتَدبِيرِي، وتَسيِيري.. وأزمةٌ في المسؤولية.. وفي التّواصُلِ البَنّاء بين حُكومةٍ ذاتِ نوايا غيرِ سليمة، ومُجتَمعٍ مُتضَرّرٍ يَتصوّرُ أن خيرًا - رُبّما - ما زالَ مُمكِنًا.. وربّما يأتي، غدا أو بعد غد، حتى من "حُكومةٍ لامَسؤولة"، تُؤزّمُ نفسَها، وتُؤزّمُ غيرَها ومُحيطَها البشرِي.. مُشكلٌ مُتجذّرٌ في علاقاتِ مُجتَمعٍ حيّ نابِضٍ يُنتِجُ ويَقترِحُ حلُولاً، وحُكومةٍ مُنغلِقةٍ شارِدَةٍ تحسِبُ أنها وحدَها تعرفُ وتستَطيع.. وهي مُعقّدةٌ مُورّطَةٌ في أزمةِ الرّبط بين الواقعِ والخيال.. - شللٌ فكرِي يُجْهِزُ على حُقوق الإنسان.. وحُقوقِ كلّ البلد.. أزمةُ عقلٍ وتدبيرٍ وتسيِير، هي أزمةٌ سياسيةٌ داخلَ الحكومة.. تنعكسُ سلبًا على أداءاتِها.. وتتَصرّفُ على هواها.. وتتَعاملُ مع المُواطنين، وكأنهُم كلّهُم لا يَفقهُون، ولا يَعلمُون، ولا يَبحثُون، ولا يُحلّلون، ولا يَستَنتِجُون.. حكومةٌ مُنزلقةٌ إلى أغوارِ المَخاطرِ المُحدِقةِ بالبلد.. وأزمةٌ جاثمةٌ على صَدرِ مُجتَمعٍ هي لا تَفهَمُه، وبَلدٍ هي تَجهَلُه.. وخلفَها كائناتٌ تمّ إنزالُها من السّحاب، لكي تلعبَ دورَ من أسماهُم رئيسُ الحُكومةِ الراحِلة: "التّماسيحُ والعفاريت"! هذه أزمةُ اللاّعَقل.. واللاّتفكير.. واللاّخَلْق.. واللاّأخلاق.. واللاّإبداع.. واللاّابتِكار.. واللاّمَخرَج.. واللاّحَلّ.. حكومةٌ قد خسِرَت بتهَوّراتِها كلّ الأورَاق.. فارغةٌ مُفرَغة، رغم ما فيها من كفاءاتٍ أكاديميّة.. وماذا تَستَطيعُ الكفاءات، أمام نفسيةٍ وعقليّةٍ حُكوميةٍ تُديرُها نوايا غيرُ مُتوازِنة، وغيرُ سليمة؟ هل تستطيعُ الكفاءاتُ أن تُعلّمَ الحكومة، ومن معها، أبجِديّاتِ سلامةِ التفكير؟ وتساؤلاتٌ تتَكاثرُ يوما بعد آخر: أين أجهزةُ الحكومة؟ ألاَ تعرفُ أن لكل البلدِ تساؤلاتٍ تَنتظِرُ إجابات؟ ولماذا البلادُ مُتوقّفة؟ لماذا الشّللُ التام؟ إذا كانت "تماسيحُ الحكومة" هي المَسؤولة، أليست الحُكومةُ معها مُتواطِئةً وشريكة؟ ولماذا لا تُجيب؟ لماذا هي ليست حُكومةَ أجوِبة، بقدرِ ما هي حكومةُ إلهاءاتٍ ومَضيَعاتٍ للوقت؟ إلى متى اللاّتَواصُل؟ والطريق المسدُود؟ والنّفَق المُظلِم؟ وانعِدام أيّ أُفقٍ انفِراجي؟ وماذا تَنتَظرُ الحكومة؟ ماذا تفعل؟ لماذا تُكرّسُ أزمةَ تضارُبِ وتعاكُسِ المَصالح؟ وسُوءِ النيّةِ في الاستجابةِ للمَطالبِ الاجتماعيةِ المشرُوعة؟ لماذا تَجنَحُ إلى القمع والردع، بدلَ الإجابة على تساؤلاتٍ اجتماعية بسيطةٍ وتلقائية وواضِحة: أين الثروة؟ ولماذا الفسادُ مُستَشرٍ في البلد؟ ولماذا الرشوة؟ لماذا المبالغة في تشييدِ مَساجدَ وزَوايا فخمة، بدلَ مَصانعَ ومَعامِلَ ومُقاولاتٍ تَشغيليّة؟ لماذا نهبُ الأراضي؟ وما دورُ "المُحافظة العقارية" إذا كانت لا تُحافظُ على عَقاراتِ المالِكين؟ ولماذا إغراقُ البَلدِ في قوانينَ جديدةٍ تُعارضُ الدّستورَ والمَواثِيقَ الدولية؟ ولماذا كثرةُ الدّيون الخارجية؟ ولماذا الفوارقُ الاجتماعية؟ والرّواتبُ الخيالية؟ وسَرقةُ مَعاشاتِ "الضمان الاجتماعي"؟ ولماذا سياسةُ الإلهاء؟ وتضييعِ الوقت؟ أسئلةٌ لا تُجِيبُ عنها حكومةٌ لا تهُمّها الحُلول.. وأن تبحثَ أكثر، عن عُمقٍ أدَقّ.. يَهمّها فقط أن تُرضيّ شُركاءَها في الداخل والخارج.. الشعبُ لا يَعنِي بالنسبةِ إليها أن يكُون هو على حق، أو تكُونَ له أفكارُ حلُول.. يهُمّها أن تُعقّدَ الحياةَ العامةَ والخاصّة في ربوع البلد.. وهي لا تَفهَم، ولا تُريدُ أن تَفهَمَ أن التّعقيدَ سوف يَرتَدّ عليها وعلى الجَميع.. تَعتَقدُ أن الناسَ سوفَ يَمِلّون من الانتظار، ومن الاحتِجاج، وأنهم في الأخير سوفَ يَستَسلمُون للأمر الواقع، وسيَقبَلون بكل ما تريدُ الحكومة، وما يُرضِي "تماسيحَ الحكومة".. ولهذا السبب وغيرِه، لا تُجيبُ على أسئلة المُجتمع.. وإذا أجابت على بعضِها، ففي الغالب ما هي إلاّ إجاباتٌ مُلتَويةٌ غامِضة، قابلةٌ لعدةِ تفسِيرات، ولا تحمِلُ فكرةً مِحوَريّةً واضِحة.. الحكومةُ لا تُسايرُ المُجتَمع.. ولا تَستَجيبُ لمَطالبِ المُجتمع.. تَجنَحُ إلى التّفَرعُن، والجَبَروت، والطّغيان، بدلَ الحقّ والعدل.. وإجاباتُها ليست إجابات، هي نوعٌ من المُعاكسة: تقولُ وتُقنّن وتفعلُ ما لا نَطلُب ولا نتمنّى.. تَسِيرُ عكسَ التوجّهِ العامّ.. تُقدّم لك غَمزاتٍ باسمة، وكأنها معكَ وفي خدمتِك.. وفي أحوالٍ أخرى، تأتيك بوابلٍ ممّا يُنغّص الحياة.. وكأنّ الحكومةَ تقول لك، وبالواضِح: أنا أَحكُمُك، وعليك أن تَرضَح.. وإذا لم ترضَخ، فأنت مُتَمرّد، وسوف أُكسّر ضلوعَك وعظامَك.. أو تقولُ لك: من حقي أن أفعل بك ما أريد.. والمسؤولُ دائمًا هو أنت.. أنتَ انتَخَبتَني بتصويتِك.. وقد أدّيتُ لك الثّمن.. لقد بِعتَني أصواتَك.. إنك شريكِي في مُقايضةٍ انتِخابية.. وترى الحكومةُ أنّ هذا التّصويت، بهذا التلاعُب والتواطؤ، يُخوّلُها أن تَفعلَ ما تَشاء.. وأن تُفكرَ كما يحلُو لها، لا كما يجب أن يكون التفكير، وهو الاستجابةُ لطلباتِ الشعب، خاصةً في مَجالِ العدالةِ الاجتِماعية.. ونتيجةً لهذه الأزماتِ الفِكرية، في عَوالمِ حكومةٍ مُختَلّة، أُدخِلت البلادُ في فراغاتٍ مُهوِلة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأصبحنا بدون أُفُق.. الحكومة تبدو عاجزة.. ليست لها حلول.. ولا تملك القُدرةَ على التّفكير والاستِنتاج واتّخاذِ مُبادرات.. - حكومةُ العجزِ المطلَق! ولا إجاباتٌ عن أسئلةِ الخُبراء.. وعن تساؤلاتِ فئاتٍ مُختلِفةٍ من بناتِ وأبناءِ البلد.. وما زالت في أعماقِنا استفهاماتٌ كثيرة، وفي مجالاتٍ مُتنوّعة.. والحكومةُ تغُضّ الطرفَ عنّا.. ولا تَعبأ بمَشاكلِ البلد، حتى التي هي نفسُها تسبّبت فيها، ومنها أساسياتُ الحياة الاجتماعية اليومية، والتّبذيرُ الحكومي، والقروضُ الدولية، وأزمةُ التعليمِ والصحةِ والشغلِ والكسادِ والرّكودِ وغيرِها... وبهذه العقلية، وهذا الجَفاء، وهذه اللاّمُبالاة، قد تكُون حكومَةَ أيّ كان، إلا أن تكُون حُكومتَنا.. لا وجودَ في قراراتِها وقوانينِها ما يخدُم مَصالحَ مُجتَمعِنا، من قريبٍ أو بعيد.. الحكومةُ تخدُم مصالحَ وُزرائِها، والمقرّبين، ومن يُحيطُون بها.. ولا ترى فينا نحن إلاّ تابِعين، خانِعين، مُنبطِحبنَ لسياسةٍ إقطاعيةٍ تَفقيريةٍ تَعجيزيةٍ تجهيليةٍ تكليخيّة.. وتُديرُ شؤونَ بلدِنا على أساسِ مُعادلةٍ لا تتَحرّك، وهي: الدّنيا للحكومةِ ومن معَها، والآخرةُ لنا نحنُ الفُقراءُ المُعوِزُون المَشلولون الأُمّيّون الجاهِلون.. هي ذي مُعادلةُ الحكومة: نعِيمُ الدّنيا لها ولِمَن معها، والأحلامُ بجنّة الآخرة قد تركُوها لنا.. مُعادلةٌ مَصلَحيّةٌ بعيدةٌ كلَّ البُعد عن عدالةِ السماء.. والحكومةَ لا تُطوّرُ نفسَها، ولا مَهاراتِها، ولا تُوقِظُ أخلاقَها وضميرَها، ولا تُحسّنُ أداءاتِها التّدبيريّة، ولا تُراقبُ نفسَها، ولا تقُومُ بالحَكَامةِ النّزيهة.. ولا تأخذُ في الاعتِبار النّمُوّ الفردي والجماعي، والنّمُوّ الدّيمُغرافي، والوعيَ العُمومي، واليَقظَةَ المُجتَمعيّة، والتطوّرَ العالمي، والتّقدّمَ الحاصلَ في مُحيطِنا الإفريقي، والاهتِزازاتِ الشعبية في دول عربية.. ولا تَأخُذ في الاعتبار ضرورةَ العملِ الجادّ لتطوير البلد، وإقرارِ دولةِ المُؤسّسات.. ولا تُفكرُ بأنّ أمامَها مُجتمعًا يُدركُ قيمةَ التّعدّد، على مُستوياتٍ مُتنوّعة، ومنها تعدّدُ الحُلول.. وحكومتُنا لا تُقدّم في مُعالجاتِها إلا مشروعَ حلّ واحد، لا شريكَ له.. وبدُونِ بدَائل! ولا تقييمٍ لآراءَ أخرى مُعارِضة.. ولا تُعيرُ اعتبارا لمُواطِنين مُقتدِرين.. واعين.. مُتخلّقين.. وطنيّين.. وعُقولٍ وكفاءاتٍ ومهاراتٍ في نُمُوّ.. ونزاهات.. وضمائر.. تظُنّ الحكومةُ اللامسؤولية أنها تَستطِيعُ أن تَحشُر كلّ الناسِ في التّخلّف، وفي "قفَص الاتهام".. وتَتصوّر أن الناسَ سيَبقَون لها صامتِين.. والناسُ قد صرَخُوا.. وسوف يَصرُخون.. والبلادُ في مُنتهى اليَقَظة: عُقلاءُ.. حُكماء.. جادّون.. نُزهاء.. في مُستوى المسؤولية.. - والشعبُ مفتُوحُ العَينيْن... [email protected]