هو "رئيس الحكومة القادم"، وهو "السياسي الذي سينقذ المغرب"، وهو "رجل الأعمال الذي أفطر الملك على طاولته".. هكذا يصف أنصار عزيز أخنوش "زعيم" حزبهم الذي نزل ذات انتخابات على كرسي رئاسة التجمع الوطني للأحرار، بعدما أحرز نتائج كارثية في الاستحقاقات البرلمانية لسنة 2016، لينجح عقب ذلك مباشرة في إدخال الحكومة في "بلوكاج" قاربت مدته ستة أشهر نجح في الإطاحة بعبد الإله بن كيران، حتى صار الكثيرون ينعتونه بأنه "رئيس الحكومة الفعلي". ولأن أخنوش صدَّق أن بإمكانه أن سيصبح رئيسا للحكومة سنة 2021، حتى أنه أعلن طموحه بشكل صريح عبر عبد منابر صحفية، فإنه أكثر من خرجاته الإعلامية في إطار حملته الانتخابية السابقة لأوانها، لكن كثرة الحديث والوعود أوقعته مرارا في المحظور فسجل بلسانه أهدافا عكسية في مرماه كان آخرها دعوة "إعادة التربية" التي أثارت ضده غضبا لم يوازِه إلا الغضب الذي رافق تصريحاته من حملة المقاطعة، ما وضع "حلم" رئاسة الحكومة في كف عفريت. "المقاطعة الافتراضية" بدأ أخنوش حملته المبكرة في 2018، بهدف واضح هو حصول حزبه على الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لسنة 2021، وهي الحملة التي أنفق "التجمع" عليها أموالا طائلة ليس فقط من الناحية اللوجيستية، ولكن أيضا بالتعاقد مع مؤسسات دعائية ومؤسسات للتدريب في مجال التواصل، لكن مفاجأة غير سارة كانت تنتظر الحزب وأمينه العام، ويتعلق الأمر بحملة المقاطعة التي استهدفت من بين ما استهدفت شركة "أفريقيا غاز" المملوكة لأخنوش. ودفعت هذه الحملة العديد من قياديي حزب الحمامة إلى إطلاق النار على أقدامهم، وفي مقدمتهم محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية الذي وصف المقاطعين من تحت قبة البرلمان ب"المداويخ"، وهو ما كلفه الإعفاء من مهامه الحكومية، لكنه أخنوش نفسه كان ضحية للسانه في هذه الحملة، حين وصفها بأنها "حملة افتراضية لا خوف منها"، وهي عبارات جعلته على رأسه المستهدفين بالمقاطعة، الشيء الذي كلفه خسارة 100 مليون دولار من ثروته ورصيدا سياسيا كبيرا. "تشويش" تقرير جطو وكان أخنوش الشهر الماضي على موعد مع خروج آخر عن النص، وهذه المرة من تحت قبة البرلمان في غمرة مناقشة مشروع قانون المالية الخاص بسنة 2020، حيث وجدها فرصة لمحالة "أخذ الثأر" من تقرير المجلس الأعلى للحسابات الخاص بسنة 2018 والذي قدمه رئيس المجلس إدريس جطو للملك، كاشفا فيه عن اختلالات كثيرة ارتبطت باسم أخنوش وبتدبيره لقاطعات الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات. ووصف أخنوش ما ورد في التقرير حول مخطط الصيد البحري "أليوتيس" الذي يشرف عليه منذ 2009، بأنه مصدر "للتشويش" بل اعتبر أنه يرسم صورة "سوداوية، ناعتا مخططه أمام أعضاء مجلس المستشارين بأنه "من بين أفضل المخططات الخاصة بقطاع الصيد البحري" بل مضى أبعد من ذلك حين اعتبر أن ما أورده قضاة المجلس له "أبعادا سياسيا"، وهي تصريحات أعادت إلى الإعلام مضامين هذا التقرير بعدما كان يريد أخنوش إقبارها بتصريحاته. خطابٌ مُلقَّن في شتنبر الماضي أراد أخنوش تنظيم واحدة من أكبر تجمعاته الخطابية بمدينة أكادير، وهي عاصمة جهة سوس التي رأى فيها النور، لكن هذا الخطاب لم يسر كما كان يراد له، فزلات الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار كانت كثيرة، إذ خانه تعبيراته وهو يتحدث عن "والدته التي توفيت في زلزال 1960 ولكنها لا تزال حية"، ثم أساء تركيب جمله وهو يخاطب الشباب الذين دعاهم "إلى التخلي عن أحلامهم لو لم يصوتوا لحزبه في استحقاقات 2021". لكن المفاجأة غير السارة لأخنوش كان وراءها مصور الموقع الرسمي لحزبه، ففي الوقت الذي أُريد لخطابه أن يبدوا سلسلا وعفويا وتفاعليا، فضحت إحدى اللقطات "زعيم الحزب" وهو يتلو نصا أُعد له سلفا قبل أن يوضع على جهاز التلقين téléprompteur، وهو ما جعل هذه الصورة محط اهتمام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مضامين الخطاب نفسه. "إعادة التربية" لكن كل التصريحات السابقة كانت في كفة، وتصريح أخنوش يوم السبت 7 دجنبر الماضي بميلانو الإيطالية كان في كفة أخرى، فالرجل قال خلال حملته التي جمعته بمغاربة المهجر "من اعتقد أن بإمكانه قذف وسب المؤسسات ليس له مكان في هذا البلد، ومن أراد بلدنا عليه أن يحترم شعارنا "الله الوطن الملك" وأن يحترم المؤسسات وأن يحترم الديمقراطية"، لكن أخطر ما تفوه به كان عبارة "ليس العدل وحده من عليه أن يؤدي مهمته حين يَسُب شخص ما، المغاربة أيضا يجب أن يقوموا بعملهم، ومن كانت تنقصه التربية يجب أن نعيد تربيته". وأثارت هذه الكلمات غضبا عارما ضد رجل الأعمال الذي يريد أن يكون رئيس الحكومة القادم، بين من استفزتهم عبارة "إعادة التربية" واعتبروها مهينة ومستمدة من عهد بائد، وبين من استغربوا دعوة وزير في الحكومة إلى "إقامة شرع اليد وعدم انتظار قرارات المؤسسة القضائية". وحتى المهاجرون المغاربة الذين أراد أخنوش جلب تعاطفهم عبر فصيل منهم عن رفضه لما صدر عن عبر بيان ل"حركة المغاربة الديمقراطيين المقيمين بالخارج"، التي طالبته بالاعتذار، لكن الأسوأ كان هو رجوع دعوات المقاطعة المستهدفة لشركة "أفريقيا غاز"، والتي سبق أن نجحت في تكبيد "الوزير القوي" خسائر مالية وسياسية جسيمة.