اختار عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، والملياردير الذي يعمل على ربح رهان انتخابات 2021، لقاء شبيبته بأكادير في إطار ما أطلق عليه حزبه الجامعة الصيفية لكي يبعث رسائله في كل اتجاه، ليس فقط لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الذي يقود مفاوضاته في سرية تامة من أجل إخراج حكومته الثانية، وإنما أيضا في كل الاتجاهات التي لها علاقة بتشكيل الحكومة أو رهانات انتخابات 2021. لكن الأخطر في الخرجة الإعلامية لمكتبه السياسي هو الانتقاد الحاد لمؤسسة دستورية هي المجلس الأعلى للحسابات، على خلفية تقرير إدريس جطو، والاختلالات التي أثارها بخصوص القطاعات التي يشرف عليها الملياردير منذ أزيد من 16 سنة. أخنوش وبلاغ مكتبه السياسي الذي كان يختار كلامه بعناية أطلق النار ومدفعيته الثقيلة على إدريس جطو، الذي يقود مؤسسة دستورية يعتقد المراقبون أنها ظلت لحد الآن بعيدة عن المزايدات السياسية، خصوصا أن هذه المؤسسة تقدم تقاريرها أمام الملك، وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول الدوافع وراء هذا الهجوم. فهل يرى الرجل كل هذه الخطورة في تقرير جطو في ظرفية يستعد فيها لرسم مساره السياسي، وهو يرى أسهمه في تصاعد منذ الإطاحة بالزعيم الإسلامي المثير للجدل عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة السابق؟ ويسود اعتقاد واسع لدى الطبقة السياسية وجزء كبير من المهتمين بأن الأطراف النافذة داخل الدولة تراهن عليه لهزم الإسلاميين، بعد تراجع أسهم حزب الأصالة والمعاصرة، الذي دخل مرحلة الحرب المدمرة بين تياراته عقب نزع غطاء الدعم عنه، وربما هذا ما يفسر انتقاده لمضامين التقرير، وأيضا لما سماه الاستغلال البئيس لجزء من مضامين تقرير المجلس الأعلى للحسابات، في إشارة على ما يبدو لتناول الإعلام لمضامين التقارير والقطاعات التي يشرف عليها الرجل منذ أزيد من عقد من الزمان، حيث يعتبر أكبر معمر في الحكومات المتعاقبة منذ حكومة جطو نفسه، الذي ينتقده الآن. وكان تقرير جطو حول القطاعات التي يشرف عليها أخنوش موضوع تناول إعلامي واسع النطاق، ليس فقط في الصحافة المكتوبة، وإنما أيضا في مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أن هذا التناول الواسع هو ما أقلق الرجل، وجعله يوجه مدفعيته نحو ما اعتبره "الهجمة المغرضة التي يتعرض لها رئيس الحزب، في استغلال بئيس لجزء من مضامين تقرير المجلس الأعلى للحسابات".
وكان عزيز أخنوش قد وجه قبل ذلك رسالته الواضحة للعثماني بأن رده على مقترح رئيس الحكومة لكن يكون إلا بعد اجتماع المكتب السياسي لحزبه، قبل البدء في مناقشة مقترحات تشكيل الحكومة في نسختها الثانية، وهو ما اعتبره البعض نوعا من "البلوكاج" الجديد أمام العثماني، ولا يعرف كيف يمكن أن يقود العثماني مفاوضاته المقبلة مع الملياردير في ظل ما تم الإعلان عنه عقب لقاء الملك برئيس الحكومة، فرغم الانتقاد المبطن الذي وجهه أخنوش وأعضاء مكتبه السياسي لحليفه ورئيسه في الحكومة، فقد كان الرجل واضحا "إننا في الحكومة وسنبقى فيها"، وهي رسالة متعددة المضامين، فالرجل يريد البقاء في الحكومة القادمة لأسباب متعددة حسب المراقبين، فحزبه لا يرى نفسه إلا داخل منظومة الحكم والسلطة، وهي تصريحات تطمئن أولا أعضاء مكتبه السياسي المتواجدين في الحكومة أو الطامحين لدخولها، لكن أيضا تعنيه أولا، خصوصا مع تصاعد الجدل حول بقائه هو شخصيا في هذه الحكومة بعد الضربة الموجعة التي وجهها له إدريس جطو في تقريره سواء ما يتعلق بمخطط المغرب الأخضر، حيث أكد التقرير على أن المستفيد منه كان أولا الفلاحين الكبار وليس فئة الفلاحين الصغار، أو ما يتعلق بالسلامة الصحية للمغاربة، وكان بلاغ الحزب قد حاول الرد على هذه الانتقادات بالإشارة إلى العرض الذي قدمه أخنوش أمام مكتبه السياسي والنتائج الإيجابية التي حققتها هذه القطاعات، وبالتالي فإن الرجل يحاول تجاوز هذا الإرباك من أجل دخول مفاوضات تشكيل نسخة العثماني الثانية من موقع قوة، فهو لا يكتفي بالقطاعات التي يشرف عليها، وتحكمه في قطاعات حيوية من قبيل المالية والتجارة الخارجية والاقتصاد الرقمي والفلاحة والصيد البحري، إلى جانب الشبيبة والرياضة، والتواجد في قطاعات أخرى على مستوى كتاب الدولة مع حليفه ساجد، لكن عينه على قطاعات أخرى، وهو لم يخف ذلك ويريد إزاحة حزب التقدم والاشتراكية عن قطاعي الصحة والإسكان، وهو مطلب جمعه أيضا مع حليفه إدريس لشكر الذي يبدو أنه يريد إبعاد حزب نبيل بنعبد الله عن النسخة الثانية من حكومة العثماني.
وإذا كانت رسائل أخنوش قد وجهت مدفعيتها نحو حليفه العثماني ومؤسسة إدريس جطو، فإن ذلك لم يمنع الرجل من ضبط إيقاع خطابه على الانتخابات القادمة، حيث وجه خطابه لشبيبته على أنه سيربح رهان هذه الانتخابات، وسيشكل حكومة كفاءات سياسية، وفق الرؤية التي نادى بها الملك، وإن كان يصعب من الآن معرفة كيف يمكن للرجل فرض شروطه ومضامين رسائله أمام ضغط الوقت، ورسائل الملك لإخراج حكومة العثماني الثانية قبل 15 أكتوبر القادم، تاريخ افتتاح دورة البرلمان.