هناك أمران يدفعان العثماني إلى التلويح بالاستقالة: وضعيته الصعبة داخل حزبه، ووضعيته الهشة داخل الحكومة أيضا. في داخل الحزب، بات يُنظر إلى العثماني ووزراء حكومته وسط قواعد الحزب والعاطفين عليه من الرأي العام، كما لو أنهم أداة الانقلاب على بنكيران، علما أن قرار التعامل الإيجابي مع قرار الإعفاء الملكي لبنكيران اتخذ في الأمانة العامة وبدعم من بنكيران نفسه. أما داخل الحكومة، فالرجل يعاني من ضغوطات حلفائه في الأغلبية من جهتين: الأولى أنه لا يتحكم في أجندات وزرائه، وحين حاول ذلك من خلال خلق هيئة للتنسيق بين الكتاب العامين للوزارات، بغرض التحكم في مدى تنفيذ البرنامج الحكومي، تعرض له وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، وأفشل الخطة؛ وثانيا تحميله مسؤولية التصريحات والمواقف التي يعبّر عنها الأمين العام للحزب عبدالإله بنكيران أو باقي قيادات الحزب في الإعلام. يروي مصدر مطلع أن رئيس التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، والأمين العام للحركة الشعبية امحند العنصر، انتفضا في وجه العثماني بسبب تصريحات بنكيران أمام الملتقى الوطني للشبيبة بفاس في غشت الماضي، فما كان من العثماني إلا أن بعث رسولا من الملتحقين الجدد بالأمانة العامة للحزب إلى بنكيران يطلب فيه عدم إحراجه مرة أخرى. هذا الضغط كاد يصل إلى مداه، حين دخلت جهات معادية لبنكيران على خط التحقيقات حول برنامج تنمية الحسيمة، وضغطت بقوة في اتجاه أن يتولى رئيس المجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، التحقيق مع الوزراء بمن فيهم عبدالإله بنكيران، بصفته رئيس الحكومة السابق، على اعتبار أن أزمة حراك الريف بدأت فصولها الأولى في عهد حكومته، ما أجبر العثماني ومصطفى الرميد إلى التعرض للأمر، حتى لا يؤدي ذلك إلى أزمة سياسية أكبر مما هي عليه. تلويح العثماني بالاستقالة يبدو أن دوافعه متعددة ومعقدة، ويبدو أن الدوافع أقوى من الأهداف المتوخاة من وراء الرسالة في حد ذاتها، ما يجعل رئيس الحكومة أمام اختيارات صعبة، إما الاستمرارية أو الاستقالة. عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق في سطات، يرى أن العثماني يوجد بين «ضغط التسيير الحكومي، الذي يتميز بحضور قوي للوبي المصلحي، ووزراء السيادة»، وبين «ضغط عودة المقاربة الأمنية في تدبير الفضاء العمومي»، وهي ضغوط لا تسمح له بتحقيق إصلاحات جديدة ولو رمزية، بل سيجد نفسه مضطرا إلى العمل على الحفاظ على إرث بنكيران، خاصة الدعم الاجتماعي الموجه إلى الفئات الاجتماعية الهشة. أما الاستقالة من رئاسة الحكومة، فإن الخطوة قد تفتح الباب على مصراعيه أمام أزمة سياسية أعمق، قد تضع الملك محمد السادس أمام خيارين: إما الذهاب إلى انتخابات مبكرة وفقا لروح الدستور، أو تعيين حكومة انتقالية، ربما، لن يكون حزب العدالة والتنمية من بين مكوناتها، وهو خيار ستكون كلفته صعبة وستمتد لسنوات أطول.