من هم معارضو تعديل القانون الأساسي للحزب، خلال مؤتمر البيجيدي المقرر في دجنبر المقبل، بما يفتح الباب أمام عبدالإله بنكيران لتولي ولاية ثالثة على رأس حزب العدالة والتنمية؟ وما هي حججهم؟ لكن، قبل ذلك، ما هو سياق طرح الولاية الثالثة لبنكيران؟ قبل انتخابات أكتوبر 2016، انتهت ولاية عبدالإله بنكيران الثانية، التي امتدت لأربع سنوات من 2012 إلى 2016، وقبل ذلك انتهت ولايته الأولى من 2008 إلى 2012. القانون الحالي للحزب لا يسمح للأمين العام سوى بولايتين متتابعتين، وهو مبدأ تعمل به الهيئات والأنظمة الديمقراطية لتأمين التداول الهادئ على المسؤولية. كان على حزب العدالة والتنمية أن يعقد مؤتمره العادي في صيف 2016، لانتخاب قيادة جديدة، لكنه تزامن مع قرب موعد انتخابات أكتوبر 2016، ما جعل الحزب يؤجله. في الواقع، فإن السبب الحقيقي للتأجيل، هو سياسي، ومرتبط بشخص بنكيران، الذي قاد تجربة 5 سنوات على رأس الحكومة، وتحول إلى رمز لانتصارات البيجيدي الانتخابية منذ تشريعيات نونبر 2011، (105 مقاعد في البرلمان)، والجماعية في شتنبر 2015، التي منحت حزبه تسيير أغلبية المدن الكبرى كالدارالبيضاء، والرباط، وفاس، ومكناس، ومراكش، وأكادير وغيرها. داخل البيجيدي، كانت هناك قناعة بأنه "لا يمكن تغيير لاعب ماهر يسجل الأهداف بلاعب جديد ليست له خبرة بنكيران"، خاصة أن الحزب مقبل على الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2016. كان على حزب العدالة والتنمية أن يختار بين أمرين، إما أن يعقد مؤتمره الوطني لانتخاب أمين عام جديد قبل الانتخابات، وفِي هذه الحالة فإنه سيقدم شخصية جديدة غير بنكيران لرئاسة الحكومة، بعد انتخابات أكتوبر، (الدستور ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول، وجرى العرف في 2011 أن يتم تعيين رئيس الحزب)، وهذا يعني تغيير رجل كارزمي، أصبحت شعبيته تتجاوز الحزب، بشخصية أخرى قد تكون سعد الدين العثماني أو مصطفى الرميد، أو محمد يتيم، وكلهم من قيادات الحزب البارزة، لكن كاريزمية بنكيران تجاوزتهم. أو أن الحزب سيختار تأجيل عقد المؤتمر إلى ما بعد الانتخابات، وهكذا سيكون قد أبقى على بنكيران مرشحا لرئاسة الحكومة لولاية ثانية إذا فاز الحزب في الانتخابات، وهو ما سمي ب"التمديد لبنكيران". أخذ الحزب وقتا لدراسة هذين الخيارين، وسط ترقب من عدة أطراف خارج البيجيدي، لم تكن راضية عن الدور الذي بات يلعبه بنكيران، الذي تحول إلى ظاهرة شعبية. كانت هذه الأطراف تراهن على أن يتوارى بنكيران إلى الخلف بطريقة عادية، مادام هناك قانون داخل الحزب يمنع عليه الوصول إلى ولاية ثالثة، وبالتالي تجنب حرج تعيينه رئيسا للحكومة إذا فاز البيجيدي. داخل الأمانة العامة للحزب حصل نقاش حول الخيارين، وكان هناك من يعارض فكرة التمديد أصلا، منهم سعد الدين العثماني، فخلال برنامج في الإذاعة الوطنية، وقُبيل الانتخابات التشريعية، سُئل العثماني عن موقفه من "التمديد لبنكيران"، فكان رده "لا أحد داخل الأمانة العامة طرح فكرة التمديد"، وحول موقفه الشخصي، رد قائلا بأنه مع احترام قانون الحزب. هذا الموقف، سيتحول إلى جدل داخل الأمانة العامة فيما بعد، حيث تمت مساءلة العثماني من طرف بنكيران خلال أحد الاجتماعات حول سبب رفضه التمديد. فيما بعد تم الاتفاق على تأجيل المؤتمر، ما يعني استمرار ولاية بنكيران ليقود حزبه في معركة الانتخابات، وليبقى إلى اليوم على رأس الحزب لحوالي سنة ونصف بعد نهاية ولايته. مرت انتخابات أكتوبر وفاز البيجيدي ب125 مقعدا، وعين الملك محمد السادس عبدالإله بنكيران رئيسا للحكومة للمرة الثانية وكلفه بتشكيل حكومته. خلال هذه الفترة تجدد النقاش داخل البيجيدي حول مدى إمكانية تعديل قانون الحزب للسماح لبنكيران بولاية ثالثة. مصادر من البيجيدي تحدثت عن نقاشات جرت في مستويات مختلفة حول هذا الموضوع، بين قياديين في الحزب، تبين من خلالها، أن هناك توجهين؛ الأول، يمثله بنكيران نفسه، الذي يدافع عن فكرة توليه لولاية ثالثة بعد تعيينه رئيسا للحكومة لأنه كان يقول "لا يمكن أن أكون رئيسا للحكومة ومرؤوسا داخل الحزب". في خلفية هذا الموقف يكمن هاجس بنكيران في ضبط الحزب على إيقاع الحكومة تماما، كما حصل خلال ترؤسه للحكومة السابقة بعد انتخابات 25 نونبر 2011. لكن هذا الموقف كان يلقى معارضة من عدد من قيادات الحزب منهم سعد الدين العثماني، ومصطفى الرميد، الذين كانوا يعارضون من الناحية المبدئية تعديل قانون الحزب. خلال نقاشات في مستويات ضيقة تلقى بنكيران ضمانات بأنه إذا نجح في تشكيل حكومته، فإن الأمين العام الجديد للبيجيدي سيكون ملزما بعدم اتخاذ أي قرارات أو مواقف سياسية بدون موافقة رئيس الحكومة. حصل هذا النقاش قبل إعفاء بنكيران، ولكن بعد إعفائه من طرف الملك، إثر ما سمي ب"بلوكاج" الحكومة، تغيرت المعطيات السياسية، واتخذ النقاش، حول الولاية الثالثة لبنكيران، بعدا سياسيا آخر. في 15 مارس 2016 تم إعفاء بنكيران؛ وفي 17 من الشهر نفسه، استقبل الملك الشخصية الثانية في الحزب، سعد الدين العثماني، وكلفه بتشكيل الحكومة. وبقدر ما كان إعفاء بنكيران بمثابة صدمة له ولحزبه، بقدر ما كان تعيين العثماني، بمثابة امتصاص للصدمة، وهذا ما انعكس في اجتماع المجلس الوطني، الذي عقد في المعمورة، بسلا، مباشرة بعد تعيين العثماني. لكن البيجيدي دخل حالة من الارتباك خلال مشاورات تشكيل الحكومة، فقد تم تحديد أجل أسبوعين أمام العثماني لتشكيل حكومته، ووُضع أمامه شرط "لا حكومة بدون مشاركة الاتحاد الاشتراكي". أي إن العثماني مطالب بتجاوز "فيتو" بنكيران على مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، والذي أدى به إلى التضحية بمنصب رئاسة الحكومة. بنكيران والأمانة العامة، أيدوا "التفاعل الإيجابي"، مع قرار تعيين العثماني، لكن هل كان بنكيران على علم مسبق بأنه لا يمكن تشكيل حكومة بدون الاتحاد الاشتراكي؟ وهل أبلغه العثماني مسبقا بهذا الشرط؟ قيادي في الحزب أكد ل"أخبار اليوم"، أن بنكيران كان على علم بذلك قُبيل اجتماع المجلس الوطني، الذي عقد مباشرة بعد تعيين العثماني رئيسا للحكومة، وأن الأخير هو من أبلغه شخصيا بذلك. هذا يعني أن كلا من بنكيران والعثماني، إضافة إلى كل من مصطفى الرميد، ومحمد يتيم ولحسن الداودي، كانوا على علم مسبق بهذا الشرط، ولكنهم اختاروا ألا يبلغوا أعضاء المجلس الوطني بذلك، كما لم يتم إخبار أعضاء الأمانة العامة بذلك في حينه. أعلن العثماني فيما بعد عن أغلبيته، التي ضمت الاتحاد الاشتراكي، وتم الشروع في مشاورات اختيار أسماء الوزراء. ورغم أن بنكيران كان غاضبا من هذا المسار، إلا أنه كان حاضرا برأيه، كأنه كان يحاول تقليل الأضرار، فعندما تم الاعتراض على استوزار مصطفى الرميد في وزارة العدل، وراج أن إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، يقترح نفسه بديلا في هذه الوزارة، اتصل بنكيران بالرميد، وطلب منه أن يتمسك بوزارة العدل، لقطع الطريق على لشكر. كما كان موقف بنكيران حاسما في رفض استوزار خولة لشكر، ابنة إدريس لشكر. وحسب قيادي في الحزب، فإن "العثماني عارض استوزار ابنة لشكر، لكن بنكيران كان أشد اعتراضا". بعد تشكيل الحكومة، والتحاق الوزراء بمكاتبهم، بدأ الشعور بالمرارة يدب داخل صفوف الحزب، ليس فقط، بسبب إقصاء بنكيران، وإنما أيضا بسبب الصورة التي ظهر بها رئيس الحكومة الجديد سعد الدين العثماني، الذي بدا كأنه تحت رحمة تحالف وسط الحكومة، الذي يقوده عزيز أخنوش، وزير الفلاحة. بعد ذلك فتح نقاش داخل الحزب، وتسرب جزء منه إلى وسائل التواصل الاجتماعي، يحذر من تراجع شعبية الحزب، ومن المس باستقلال القرار الحزبي، وبأن الحل للخروج من هذه الوضعية هو ولاية ثالثة لبنكيران من خلال تعديل قانون الحزب. وفيما كان هذا التوجه واضحا في التعبير عن موقفه، من خلال أسماء مثل البرلمانيين أمينة ماء العينين، وعبدالعلي حامي الدين، وغيرهما، كان توجه آخر أطلق عليه "تيار الوزراء"، يتزعمه كل من سعد الدين العثماني، ومصطفى الرميد، وعزيز الرباح ولحسن الداودي، وغيرهم، يبدي معارضة لعودة بنكيران، لولاية ثالثة. هؤلاء لا يصرحون علانية بموقفهم، لكنهم يعبرون عن ذلك بوضوح داخل مؤسسات الحزب، وفي اللقاءات الخاصة. يقول قيادي في الحزب "لا نريد أن ننقل النقاش حول الولاية الثالثة إلى الرأي العام احتراما لبنكيران"، مضيفا "نفضل أن نناقش الموضوع بهدوء داخل مؤسسات الحزب". أكثر من مصدر من هذا التيار أكد ل "أخبار اليوم"، أنه لا خلاف على مكانة ودور بنكيران، كشخصية كاريزمية، لكن هناك خمسة اعتبارات على الأقل تدفع إلى رفض الولاية الثالثة؛ أولها، أن تعديل القانون من أجل الأشخاص هو مسألة تخالف ثقافة الحزب، الذي يقوم على قيادة جماعية، ويحترم قوانينه ولا يعدلها من أجل الزعامات؛ ثانيا، أن بنكيران متحفظ على الحكومة الحالية ويرفض حضور اجتماعات الأغلبية، وصعوده من جديد لقيادة الحزب، من شأنه أن يؤثر على عمل الحكومة، ويعتبر رسالة من الحزب لإنهاء المشاركة في الحكومة؛ ثالثا، أن بنكيران نفسه، كان يقول إنه لا يمكن أن يكون رئيس حكومة ومرؤوسا داخل الحزب، وبالتالي، فمن غير المنطقي أن يقبل بهذه القاعدة لنفسه ويرفضها بالنسبة إلى العثماني. رابعا، أن الدول والهيئات التي تعتمد الديمقراطية حددت ولايتين للمسؤولين، كإجراء "ضد تغول المسؤولين الأقوياء"، ومن أبرز الأمثلة حالة الزعيم الكبير نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا. إذ لم يتم التمديد له واختار التواري إلى الخلف بعدما قام بأدوار كبيرة في بلده؛ خامسا، أن ولاية ثالثة لبنكيران، تعني تحدي الدولة والدخول في مواجهة معها، خاصة أن بنكيران متحفظ عن الحكومة، في حين أن أدبيات الحزب، وتوجهات ومواقف بنكيران المعروفة لا تدعم المواجهة، وإنما التوافق والإصلاح في ظل الاستقرار. هذه أبرز مبررات التيار المعارض للولاية الثالثة، والذي يقول إنه يشكل أغلبية داخل الحزب، لكن هذه المبررات لا تقنع دعاة الولاية الثالثة..