استمرت تركيا خلال العام الجاري في استقطاب السياح المغاربة بشكل متزايد، حيث تكشف أرقام وزارة السياحة والثقافة التركية أن عدد المغاربة الذين زاروا "بلاد العثمانيين" خلال الفترة الممتدة ما بين فاتح يناير و31 يوليوز 2019 وصل إلى 120 ألف سائح. ويثبت هذا العدد الوتيرة التصاعدية للسياح المغاربة الذين يغريهم العرض السياحي التركي، فهو يمثل زيادة بنسبة 27 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2018 وارتفاعا بنسبة 55 في المائة مقارنة مع الشهور السبعة الأولى من سنة 2017، ويتضح الفرق بشكل أكبر بالرجوع إلى تعداد السياح المغاربة في 2012، والذي لم يكن يتجاوز 78 ألف سائح. ويجد هذا الارتفاع تفسيره في عدة أمور، أهمها إعفاء المغاربة من عناء الحصول على التأشيرة التي تفرضها جل الدول الأوروبية، إلى جانب العروض الجذابة فيما يخص الطيران والفنادق، بالإضافة إلى تماشي أسعار النقل والمواد الغذائية داخل تركيا مع القدرة الشرائية للمغاربة. الإعفاء من التأشيرة في الوقت الذي تزداد فيه شروط الحصول على التأشيرة الأوروبية الموحدة "شينغن" تعقيدا على المغاربة، وتتزايد معها احتمالية رفض منحها خاصة في سفارات وقنصليات فرنسا وإسبانيا، اختارت تركيا وضع المغرب ضمن لائحة الدول المعفية من الحصول على التأشيرة، إلى جانب دول عربية أخرى مثل تونس ولبنان والأردن. وتعفي تركيا جميع أنواع جواز السفر المغربية من الحصول على التأشيرة للقادمين إلى هذا البلد من أجل السياحة، ويتيح الجواز وحده للسياح المغاربة من الإقامة السياحية على الأراضي التركية لمدة 90 يوما متتالية. أسعار في المتناول وبالإضافة إلى ذلك تتميز أسعار المواد الغذائية والمطاعم والنقل بتركيا بقربها من مثيلاتها بالمغرب، وانخفاضها الواضح مقارنة مع جل الدول الأوروبية، وهو عامل ساعد بقوة على تشجيع المغاربة على زيارة هذا البلد. وحسب موقع " turkey for arab"، المتخصص في تقديم المعلومات الاقتصادية ل7 ملايين عربي يقطنون في تركيا، فإن متوسط سعر لتر الحليب في هذا البلد هو 4,37 ليرة أي 7,34 درهما (الليرة التركية الواحدة تساوي 1,68 درهما مغربيا)، فيما يمكن اقتناء الخبز الأبيض بوزن 500 غرام بأقل من 4 دراهم في المتوسط، وكيلوغرم من لحم البقر ب100 درهم تقريبا، وكيلوغرام من صدور الدجاج بأقل من 33 درهما. ويبلغ متوسط سعر كيلوغرام واحد من البطاطس في تركيا 6,72 درهما، ومتوسط سعر الطماطم نحو 10 دراهم، أما متوسط سعر كيلوغرام من البصل فيصل إلى 7,72 درهما، و8,55 درهما للكيلوغرام من التفاح، مقابل 7,35 درهما كسعر متوسط لكيلوغرام من البرتقال. أما في المطاعم فتبدو الأسعار أقل حتى من نظيرتها في بعض المدن المغربية السياحية، فوجبة لشخص واحد تبدأ من 33 درهما، ويمكن لشخصين تناول غذائهما في مطعم متوسط مقابل 117 درهما، فيما تنطلق أسعار الوجبات السريعة من 30 درهما، ولا تكلف زجاجة مشروب غازي في مقهى سوى 4,20 درهما ويبدأ سعر زجاجة الماء من 1,60 درهما. الطيران والنقل.. نقطة قوة على الرغم من أن المسافة بين الدارالبيضاءوإسطنبول تبلغ 3329 كيلومترا، إلا أن أسعار الرحلات الجوية سائرة في الانخفاض حتى في أوقات ذروة النشاط السياحي، نتيجة المنافسة الكبيرة بين شركات الطيران خاصة منها منخفضة التكلفة. ففي عطلة رأس السنة مثلا يمكن للسائح المغربي اقتناء تذكرة طيران على متن الدرجة الاقتصادية ذهابا وإيابا ما بين مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء ومطار إسطنبول الدولي، بسعر يبدأ ب313 يورو، على أن تنطلق رحلة الذهاب في 28 دجنبر ورحلة العودة في 3 يناير، فيما يبلغ سعر التذكرة ذاتها على متن الخطوط الملكية المغربية 402 يورو. وتعي تركيا جديا الإقبال المتزايد من السياح المغاربة على زيارتها، الشيء الذي دفع الخطوط الجوية التركية لإطلاق خط مباشر جديد من المغرب شهر أبريل الماضي، يربط مطار مراكش المنارة بمطار إسطنبول، والذي انضاف إلى الخط الرابط بين الدارالبيضاءوإسطنبول. أما أسعار النقل داخل تركيا، فتبدو قريبة من نظيرتها في المغرب، فتذكرة النقل العام عبر الحافلات والترامواي تتراوح ما بين 4,36 درهما و6,72 درهما، وأدنى تعريفة لسيارة الأجرة فهي 6,72 درهما وتكلف الرحلة في المتوسط 4,20 درهما عن كل كيلومتر. عروض الفنادق تشجع الفنادق وفضاءات الإقامة بدورها المغاربة على زيارة إسطنبول، ليس فقط بسبب أسعارها المنخفضة حتى في فترات الذروة مثل رأس السنة وعطلة الصيف، لكن أيضا بفعل الخيارات المتعددة التي تتيحها، فمثلما يستطيع السائح حجز غرفة فخمة في فندق 5 نجوم يمكنه أيضا المبيت في دور الإقامة المشتركة. ويبدو تنوع الخيارات واضحة بالإطلاع على أسعار الفنادق في مدينة إسطنبول خلال عطلة رأس السنة عبر موقع "بوكينغ"، فسعر غرفة مستقلة لشخص واحد لمدة ليلتين في فندق قريب من مركز المدينة تبدأ من 25 يورو، أما سعر شقة من غرفتين فينطلق من 30 يورو، في حين تبدأ أسعار الفضاءات المشتركة من 16 يورو. وحتى مع هذه الخيارات المتاحة أمام السائحة والتي يمكن أن يحدد منها بشكل ذاتي ما يناسبه، إلا أن العديد من السياح المغاربة يجدون ضالتهم أكثر لدى وكالات الأسفار وحتى مجموعات الرحلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تمكنها الفنادق التركية من حجوزات منخفضة التكلفة مقابل الأعداد الكبيرة من الزوار الذين تستقطبهم. سياحة متنوعة ويكمن سر جاذبية تركيا للمغاربة أيضا في تنوع العرض السياحي المقدم لهم، فالمولعون بتاريخ الدولة العثمانية مثلا سيجدون ضالتهم في فضاءات مثل متحف "توب كابي" بإسطنبول والذي كان في الأصل قصرا ومقرا لحكم الإمبراطورية، أو في "أيا صوفيا" التي كانت كنيسة بيزنطية تحولت بعد "فتح القسطنطينية" إلى مسجد ثم إلى متحف. وبحكم المنطلقات الصوفية للتدين الإسلامي التركي القريبة من الطرق الصوفية في المغرب، فإن العديد من المغاربة باتوا يهتمون ب"السياحة الدينية" في تركيا، وهو النوع الذي تعمل وزارة السياحة والثقافة التركية على تشجيعه من خلال فتح أبواب مساجد تاريخية أمام السياح حتى غير المسلمين منهم، مثل جامع السليمانية أو جامع "أورتاكوي" المطل على مضيق "البوسفور" أو مسجد السلطان أحمد. وتنافس تركيا حتى الدول المعتمدة على سياحة الطبيعة بفضاءات مثل مدينة "بولو" الغابوية ذات البحيرات الطبيعية الخلابة في شمال غرب البلاد، أو مدينة "سبانغا" البعيدة عن إسطنبول بساعتين فقط والتي تمثل قبلة لمحبي الشلالات العرب، بالإضافة إلى العرض البحري الذي تقدمه الموانئ السياحية الموجودة في إزمير وأنطاليا وترابزون ومارمريس وغيرها. واستطاعت تركيا أيضا اللعب على وتر السياحة الرياضية، بتوفير العديد من البنى التحتية لمعسكرات التدريبية، وخاصة لأندية كرة القدم، وهو ما دفع أندية مغربية للمداومة على تنظيم معسكراتها الصيفية هناك، بالإضافة إلى السياحة العلاجية، إذ صارت إسطنبول وجهة مفضلة للمغربيات الراغبات في إجراء عمليات التجميل والمغاربة الراغبين في زراعة الشعر.